طوني عيسى

الأربعاء ١٠ كانون الثاني ٢٠١٨ - 14:13

المصدر: الجمهورية

إستمرار خلاف عون- بري مقصود؟

الأبرز في خلاف رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس المجلس نبيه برّي هو أنّ «الوسيط الطبيعي» بين الرجلين، أي «حزب الله»، لا يتدخّل الآن. بالتأكيد سيأتي يومٌ يتدخّل فيه، ولكن متى؟

المتابعون يقولون إنّ عدم التدخّل يعود إلى 3 أسباب:

1- يُدرك «الحزب» أنّ الخلاف سيبقى تحت سقف الانضباط السياسي والاستقرار، وأنّ حليفه الرئيس برّي خبير جداً في التجارب المماثلة، وهو خاضَ، في عهد عون، وقبله، مئات المواجهات التي بقيَت كلّها تحت السيطرة.

2- لا يريد «الحزب» أن يقوم بأيّ خطوة تُزعج عون. فغالباً هو يلتزم الصمت عندما يكون في موقع التأييد لبرّي، لأنه يخشى على أن تتعرّض علاقته بعون للاهتزاز في لحظة معيّنة، وتحت وطأة ظروف ما. وأما تجربة تحالفه، طوال عشرات السنين، مع برّي، فأثبتت أنّ تحالفَهما عميقٌ وراسخٌ جداً.

3- بات البعض يعتقد أنّ الخلاف بين الرئاستين الأولى والثانية ربما يكون مفيداً لفريق «8 آذار» في هذه الفترة، ما دام مضموناً أنّ التوتر سيبقى تحت سقف «الخربطة». وأساساً كان مدهشاً لكثيرين أن يتّخذ مرسوم الترقيات هذا الحجم من التوتّر بين عون وبري، فيما كان ممكناً تنفيس الاحتقان منذ اللحظة الأولى وتمرير المسألة بهدوء، خصوصاً بعدما فعلت الأزمة التي عاشها الرئيس سعد الحريري أخيراً فعلها العجائبي في التقريب بين الرجلين.

وما يزيد في الانطباع بأنّ الخلاف بين الرجلين مرغوب فيه أو مطلوب هو الأجواء التي تتسرَّب، في الساعات الأخيرة، عن القريبين من القصر الجمهوري وعين التينة، والتي ترجّح استمرار الخلاف بين الرجلين، لأنّ أيّاً منهما ليس مستعداً للتراجع.

ووفق المطّلعين، سيستمرّ الخلاف إلى مدى طويل نسبياً، أي إلى أن يتمّ إقرارُ التفاهمات الكاملة حول ملف الانتخاب، لجهة تعديل القانون أو بقائه على حاله وتفسير العديد من النقاط الواردة فيه، ولجهة تثبيت موعد الانتخابات نهائياً، ولجهة الخريطة التي سترسو عليها التحالفات.

وفي رأي هؤلاء، إنّ المرسوم يشكّل كباشاً سياسياً، لا بين عون وبري فحسب، بل بين مفهومين لـ«الطائف» والحكم. وهزيمة أحد الطرفين في هذا الكباش وانتصار الآخر يعني الكثير في مدلولاته السياسية، وهو سيؤسِّس لتوازنات القوى التي ستتحكّم بالعهد بعد الانتخابات النيابية.

ومن أكثر النقاط حساسية، عون يعمل لتكوين غالبية نيابية تُريحه هو في الدرجة الأولى، وإن كانت عودة بري إلى رئاسة المجلس محسومة. ويزداد اهتمام عون بتكوين الغالبية، خصوصاً إذا كانت الانتخابات ستتأخّر بضعة أشهر ليُصبحَ المجلس المقبل هو الذي سيختار رئيس الجمهورية المقبل في خريف 2022.

وهذه المسألة حيوية لـ«التيار الوطني الحر» ورئيسه جبران باسيل. فبعد انتهاء ولاية عون، هل سيكون دور باسيل أم النائب سليمان فرنجية أم ثالث؟

لذلك، سيكون الجوُّ الانتخابي ساخناً بين عون وبري. ودائرة صيدا- جزين هي منطلق التوتر، خصوصاً مع تفاهم باسيل- نادر الحريري. ويعمّ التوتر دوائر عدّة جنوبية وغير جنوبية يحصل فيها تماس شيعي- مسيحي. وقد يُضطر «حزب الله» إلى التزام التحالف مع عون أحياناً ومع بري أحياناً أخرى، وفقاً لطبيعة كل دائرة.

ولكن، يسأل البعض: هل يعني ذلك أنّ عون وبري سيخوضان المعركة وجهاً لوجه في الإنتخابات، ولن يكونا في تحالف انتخابي يجعلهما في لوائح مشترَكة مع القوى الأخرى في «8 آذار» ومع الحريري؟ وفي عبارة أخرى، ألن تكون هناك لوائح موحَّدة لأركان الحلف الخماسي تخوض الانتخابات في وجه قوى المعارضة والاعتراض؟

هنا تكمن «القطبة المخفيّة» وفق ما يقول بعض المتابعين والخبراء في شؤون الانتخابات. ويرى هؤلاء أنّ بقاء خلاف عون- بري إلى ما بعد حسم الملف الانتخابي بالكامل سيكون في مصلحة الخط السياسي الذي يقوده «حزب الله»، ولن يكون- كما يظن البعض- سبباً للتشرذم والضعف!

ويشرح هؤلاء: قانون الانتخاب المعتمَد يختلف تماماً عن القانون الأكثري الذي اعتاد السياسيون أن يبنوا عليه حساباتهم على مدى عقود مضَت. ففي النظام النسبي، هناك لوائح تتنافس. وتحصل كلّ لائحة على مقاعد بمقدار ما تحصل عليه من أصوات في صناديق الاقتراع.

وعليه، لا يمكن في أيّ حال، وخصوصاً بتأثير الصوت التفضيلي، أن تفوز لائحة ما، في دائرة ما، بكلّ مقاعد الدائرة، كما كان يحصل في السابق. وغالبية الدوائر، حتى المحسوبة فيها الأرجحية للائحة معيّنة، ستأتي فيها النتائج ما بين 60 في المئة و70 في المئة في أفضل الأحوال. وهذا يعني أنّ ما بين 30 في المئة و40 في المئة من مقاعد كل دائرة ستأتي من اللوائح الخاسرة؟

وفق هذا الحساب، لا بدّ أن يأتي إلى المجلس النيابي ما بين 30 في المئة و40 في المئة من الفائزين من لوائح معارضة أو اعتراضية (المجتمع المدني مثلاً). وهذا الأمر يبعث القلق في أوساط التحالف السلطوي من احتمال حصول مفاجأة في الانتخابات، نتيجة اعتماد القانون النسبي غير المجرَّب وغير المدروس جيداً.

يعني ذلك، إذا حصل، أنّ التحالف السلطوي قد يُغامر بفقدان السيطرة على نسبة معيّنة من مقاعد المجلس تراوح بين 30 في المئة و40 في المئة، فيما هو يُخطّط للإطباق الكامل على المجلس وكل مؤسّسات الحكم في المرحلة المقبلة.

إذا توحَّدت قوى السلطة في تحالف انتخابي، فستتوحَّد قوى المعارضة والاعتراض ضده وتنشأ لائحتان في كل دائرة. وستتمكّن المعارضة من حشد قواها، مستعينة بالخصوم السياسيين للائحة الأولى، لتحصل على المرتبة الثانية، فتحقق نتائج ملموسة.

وأما إذا انقسمت قوى السلطة، وتحت شعارات شعبويّة، سياسية وطائفية أحياناً، فستكون هناك لائحتان للسلطة عملياً، وستتوزّع الأصوات بينهما، بحيث تضعف حظوظ اللائحة الثالثة- الاعتراضية- في تحقيق خروقات، إلّا في أماكن قليلة محدّدة. وتالياً، إنّ انقسام اللوائح المحسوبة جزءاً من السلطة (التحالف الخماسي) سيقدّم خدمة للنهج السياسي الذي يقوده «حزب الله» حالياً وليس العكس.

من هنا، يتحدّث هؤلاء الخبراء عن احتمال لجوء قوى السلطة إلى «الانقسامِ التكتيّ» قبيل الانتخابات، بحيث يصل إلى المجلس النيابي محوران سياسيان يختلفان في السياسة الداخلية، لكنّهما ينقادان للخيار الاستراتيجي الذي يقوده «حزب الله»، حليفُ هذا وحليفُ ذاك… ومعهم الحريري ومَن تيسَّر من بقايا «14 آذار».

وتالياً، ليس مستغرَباً أن يكون خلاف عون- بري هو ركيزة «الانقسام التكتيّ» المطلوب، ولا وقوف «الحزب» متفرّجاً حتى إشعارٍ آخر.

المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها