الثلاثاء ١٦ تشرين الأول ٢٠١٨ - 10:10

المصدر: المدن

بعد تهرّب المصارف.. مَن يردع الإنهيار؟

أكثر من 5 أشهر مرت على الانتخابات النيابية من دون أن يتم تشكيل حكومة وسط اتساع دائرة الخلافات بين الأفرقاء السياسيين على خلفية الحصص الوزارية من جهة وتعاظم الأزمة الاقتصادية وارتفاع وتيرة التدهور المالي من جهة أخرى.

يتجاهل المعنيون الأزمة الاقتصادية والمالية ويستمرون بالانفاق دون حسيب أو رقيب. وهو ما يعزز ارتفاع مستوى العجز الذي لامس 7 مليارات دولار وينعكس بطبيعة الحال على الدين العام الذي وصل في شهر تموز إلى 84 مليار دولار وتجاوزت نسبته 150% من الناتج المحلي.

وفي حين يعجز المجتمع الدولي عن حث المسؤولين اللبنانيين للاسراع في تشكيل الحكومة عبر ربط أموال مؤتمر سيدر بالحكومة الجديدة والمباشرة بالإصلاحات، لم يبق من وسائل ضغط سوى دفع الدائن الوحيد للدولة، أي القطاع المصرفي اللبناني، إلى اتخاذ موقف حازم من مسألة المماطلة بتشكيل الحكومة وإطالة أمد الأزمة.

وانطلاقاً من ارتباط مصير المصارف اللبنانية بمصير مالية الدولة، لكون أكثر من 85% من الدين الحكومي يعود إلى القطاع المصرفي، حاول حزب الكتائب اللبنانية حث المصارف على ممارسة الضغط على الدولة والتشدد في شروط تمويلها وربط عملية الإقراض بتشكيل الحكومة والمباشرة بتنفيذ أجندة إصلاحية.

وما كان من رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميل إلا أن قام بزيارة رئيس جمعية المصارف جوزيف طربيه وطرح عليه نظرية “ممارسة الضغط لتشكيل الحكومة والمباشرة بالأجندة الإصلاحية” انطلاقاً من تمتع المصارف بقدرة وسلطة معنوية على الدولة، غير أن جواب المصارف كان حاسماً “لا”.

“لا يمكن للمصارف ممارسة الضغط على الدولة عبر وضع شروط على عملية الاستدانة”. هذا الرد وإن تحفّظ الجميل على إعلانه غير أن مصدر موثوق كشفه لـ”المدن” موضحاً أسباب “تعنّت المصارف” والوقوف موقف المتفرّج على انحدار الاقتصاد واستمرارها بإدانة الدولة بسخاء دون قيد او شرط.

فارتفاع الفوائد بشكل كبير يشكّل السبب الرئيس لرفض المصارف ممارسة أي ضغوط على السلطة لتشكيل الحكومة وربط عملية الاستدانة بتنفيذ أجندة اصلاحية، وفق المصدر. فالاستدانة المفرطة والمستمرة رغم الفراغ الحكومي وعدم البحث بكلفة الفوائد من شأنها أن تراكم أرباح المصارف وإن كان الثمن ارتفاع العجز وبالتالي الدين العام وتسريع عملية الانهيار الاقتصادي في حال لم يتم تدارك الأوضاع.

ولا بد من الأخذ بالاعتبار أن ارتفاع الفوائد على المديين القصير والبعيد هو نتاج عوامل سياسية واقتصادية ومالية. ما قد يجعل من استمرار الأزمة السياسية دافعاً لاستمرار ارتفاع الفوائد المصرفية. علماً أن الجهات الدائنة (لاسيما القطاع المصرفي اللبناني) استوفت أضعاف أصول ديونها من خلال الفوائد المتراكمة.

وتعليقاً على ضرورة قيام المصارف بدورها المحفز لتشكيل الحكومة وتنفيذ الاصلاحات، يقول رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي في حزب الكتائب جان طويلة في حديث إلى “المدن”: “نحن اليوم في ازمة اقتصادية وإن لم تكن نقدية حتى اللحظة. فالمشكلة الاساسية هي في عجز المالية الذي يبرهن عن فشل السلطة السياسية في ادارة المال العام. ونظراً لارتفاع العجز بشكل كبير ومقلق، أصبح لزاماً على المصارف إعادة النظر بعملية مدّ الدولة بالأموال من دون مقابل”.

والمطلوب، وفق طويلة، أن تكون الديون مشروطة بالاصلاحات واستخدامها كأداة ضغط، لاسيما أن مالية الدولة مرتبطة بطريقة او بأخرى مع المصارف. وفي حال استمررنا على حالنا فإن العجز سيتخطى 10 مليارات دولار عام 2019. وهنا، يصبح السؤال عن مصير أموال المودعين أمراً مشروعاً، لاسيما أن الأموال التي تدينها المصارف للدولة هي أموال المودعين.

والنتيجة أن المصارف برفضها فرض شروط على إدانة الدولة تصبح “شريكاً في القضاء على الدولة”، وذلك استناداً إلى موقف أطلقه رئيس جمعية المصارف السابق فرانسوا باسيل، في عام 2006، حين لمس تراكماً في عجز الدولة وغياب الاصلاحات، إذ قال: “مصلحة البلد تقتضي من المصارف، عدم تشجيع الدولة على الاستمرار في تمويل عجز الخزينة من أموال المصارف، وإلا أصبح القطاع المصرفي شريكاً في القضاء على الدولة”.

المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها