الأثنين ٢٣ تموز ٢٠١٨ - 13:15

المصدر: Arab Economic News

حشيشة لبنان… ذهب أخضر!

فجأة، بات لبنان على صدر صفحات الصحافة العالمية، والسبب هو “حشيشة الكيف” التي إن أحسن إستخداماتها لأغراض طبية، ستنهضه من كبوته الإقتصادية، وخصوصا في البقاع اللبناني، وهو المنطقة المحرومة من كل أنواع الإهتمام الرسمي وآليات التنمية المستدامة… وتحوّلت إلى قنوات غير مشروعة وصولا إلى إعتماد الجريمة بكل اشكالها مصدرا للعيش.

ربما تكون “ماكينزي” الأميركيّة أصابت في هدف واحد من تقريرها: لم تدعو صراحة إلى تشريع زراعة الحشيشة أو ما يعرف أيضا بـ”القنب الهندي”، بل قدّمت تفاصيل عن الفوائد الإقتصادية لزراعة هذه النبتة، على خلفية أن الزراعة والتصدير سيشكّلان دفعة قويّة للإقتصاد اللبناني المضطرب.

لم لا؟ فلبنان موجود أساسا في السوق العالمية للمخدرات. إذ وفق دراسة لمكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة عام 2016، يعتبر لبنان ثالث أكبر منتج في العالم للحشيشة. وما عليه اليوم، سوى نقل كل مجهوده من الإطار غير الشرعي إلى الشرعي منه. وله في ذلك أفضلية على دول أخرى بسبب نوعية الحشيشة التي تعتبر من بين الأفضل في العالم نظرا إلى جودة التربة التي تحتضن تلك النبتة منذ العهد العثماني.

يقول وزير الإقتصاد رائد خوري إن الإيرادات المتوقعة من زراعة الحشيشة وتصديرها لأغراض طبية، قد تصل إلى نحو مليار دولار سنويا. وثمة تقارير كشفت أن زراعة الحشيشة التي لم تتوقف يوما في منطقة البقاع رغم حملة المكافحة الدولية التي قادتها الولايات المتحدة مطلع التسعينات تحت عنوان “الزراعات البديلة”، كانت تدرّ على لبنان في ظل عهد الوصاية السوري، نحو ملياري دولار سنويا!

مليارات مغرية لإقتصاد متهالك يقف عند باب الثروة النفطية، ولم يرها بعد. شهية لبنان فُتحت على مصراعيها بتشجيع دولي، تقوده كبرى مؤسسات الصحافة في العالم، التي وإن لم تدعو علنا لتشريع زراعة الحشيشة في لبنان، فهي وضعت النقاط على حروف كانت تنقص مسؤولين ما زالوا يبحثون عن حكومة عتيدة في كومة قش.

فبعد وكالة “بلومبرغ” التي أفردت مقالة للموضوع وأوردت توصية “ماكينزي” بزراعة الحشيشة في العنوان، أورد موقع “بيزنس إنسايدر” تقريرا آخر قبل أيام بعنوان ” الماريجوانا اللبنانيّة بمركز عالميّ”، ركّز فيه على وجود إتجاه عالمي لإصلاح نهج الحشيشة أو الماريجوانا ودفعها نحو التشريع لـ”أسباب إقتصادية”، منذ أن أصبحت كندا البلد الثاني والأول في مجموعة الدول السبع، يضفي الشرعية على الحشيشة لاستخدامها من قبل البالغين، وذلك بعد أوروغواي السباقة عالميا منذ نهاية العام 2013.

وقد تعزّز هذا الإتجاه بتوقعات قدمها عدد من مصارف الإستثمار حول تقدّم سوق القنب (الحشيشة أو الماريجوانا التي تستخرج أيضا من القنب)، وهذا ما سيحفّز بعض الدول لإعادة تقييم الحظر المفروض. وأورد أن شركة Arcview Market Research التي تعدّ أبحاثًا عن القنب، توقعت أن يبلغ الإنفاق العالمي على الحشيشة المشرّعة نحو 32 مليار دولار بحلول عام 2022، أي بمعدل نمو 22%.

وفي أمثلة شواهد، لفت الموقع الى حالتي تايلاندا وزيمبابواي. فالأولى، وهي دولة يحكمها مجلس عسكري مع أكثر السياسات صرامة تجاه متعاطي المخدرات في العالم، تناقش حاليا مشروع قانون من شأنه إضفاء الشرعية على الحشيش الطبي في البلاد، مما يجعلها أول بلد آسيوي يقدم على قرار مماثل. أما الثانية، فهي بلد كان يتخذ موقفًا صارمًا من المخدرات، شرّع القنب لغايات طبية في نيسان/أبريل الماضي، ليسمح بتقديم طلبات للحصول على تراخيص لزراعة هذه النبتة بعدما كان الحكم على المزارعين يصل الى السجن 12 عامًا.

هل ينضمّ لبنان الى المغرب وأفغانستان في ترؤس لائحة “الدول الأكثر إنتاجا وتصديرا لنبتة القنب الهندي”؟ وهل ينجح في منافسة المغرب الذي تؤكد بيانات المنظمة العالمية للجمارك أنه كان مصدر نسبة 65% من الكميات التي ضُبطت عالمياً؟ وهل ستولد حكومة العهد الأولى إن أحسن المعنيون قراءة بيانات مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، والتي تفيد بأن عدد مستخدمي الحشيشة في العالم يصل إلى 180.6 مليون نسمة بما يوازي 3.9% من السكان في العالم؟ وماذا عن الإيرادات المالية التي يشير اليها موقع “هافوغسكوب” الذي يقيس الأعمال غير المشروعة دوليا، ويقول إن تجارة الحشيش العالمية تقدّر بنحو 141 ملياراً و80 مليون دولار سنوياً؟

قد تفوق الإيرادات المتوقعة من الحشيشة أو “ذهب لبنان الأخضر” ما يمكن أن يقدمه له النفط أو “الذهب الأسود”. فكل غرام حشيشة من إنتاج لبنان يباع بـ15 دولاراً خارجه، وكل دونم (ألف متر مربع) مزروع بالحشيشة ينتج نحو 10 إلى 15 ألف دولار. ويراوح حجم المساحة المزروعة بالحشيشة في لبنان ما بين 10 إلى 30 ألف دونم، وفق “هافوجسكوب”.

لكن، ثمة مخاوف جدية من قدرة دولة غائبة عن حقوق مجتمعها وعاجزة عن تأليف حكومة وفاق وطني، على قوننة زراعة الحشيشة ضمن معايير محددة ووفق غايات طبية يمكن أن تؤمن مداخيل إضافية لخزينتها العاجزة.

تقود الحشيشة دول العالم ضمن فريقين: أول، لديه القوانين الأقل تقييدا بالنسبة إلى إستخدام الحشيشة، ويضمّ بنغلادش وكوريا الشمالية وتشيكيا والبرتغال وأوروغواي وهولندا والولايات المتحدة (واشنطن وكولورادو)، مقابل فريق ثان يطبق قوانين صارمة ويضمّ الصين وإندونيسيا واليابان والسويد وتركيا وفرنسا وسنغافورة وماليزيا وكوريا الجنوبية والإمارات. فإلى أي فريق سينضمّ لبنان؟

المهم أن الجميع في لبنان سعيد بتسارع الأحداث نحو التشريع والزراعة والتصدير بلوغا إلى النهضة التنموية الاقتصادية. وربما تكون أولى البشائر مع ارتفاع مفاجئ لأسعار الأراضي في البقاع الأوسط والغربي والشمالي ومسارعة كبار التجّار والمزارعين إلى شراء أراض شاسعة!

المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها