الأربعاء ٢ أيار ٢٠١٨ - 11:51

المصدر: الصوت

رسالة إلى زياد عيتاني

ترددت قبل أن أكتب إليك، خفت أن أقطع عليك حماستك بالانخراط في حملة “تيار المستقبل” الانتخابية والرئيس سعد الحريري والوزير نهاد المشنوق خصوصاً. وأعرف أن الحماسة لما نفعل، أياً يكن ما نفعل، نصف الطريق إلى فرح تستحق، وقد فقدته ظلماً شهوراً في الظلمة وكل أنواع الأوجاع وأنت البريء وأنت المُجنى عليه. ولا داعي لأخبرك عن مدى فرحي، كما كل الذين يعرفونك ويحبونك بإشراقة البراءة على وجهك الطيب.

غير أنّي صرت يوماً بعد يوم أشبّه أحوالك وما تمرّ به بعد خروجك إلى الحرية بأحوال هذه البلاد، بلادنا ذات القضية الكبيرة، يشغّلون شعبها بمطالب وتطلعات، ويحوّلون حماسته في الإنتخابات وسواها من مناسبات، إلى سياق خدمة أهداف مصلحية لزعماء وأحزاب يتقاسمون الجبنة شركاء، ويتعاهدون على البقاء معاً حول طاولة واحدة. وكل واحد منهم دون كارليوني.

أكاد أقول لا تخدعك الكلمات والمواقف الإنتخابية بل احكم على سلوكهم، ثم أتراجع فنظرتي هذه شخصية يجدر أن أحتفظ بها لنفسي، وقد عاهدتها على عدم محاولة تغيير رأي أحد، فليتصرّف كلٌ في هذه الحياة كما يحلو له. وفوق ذلك أنت بريء أمام القضاء وأنا أبرئك من الغاية في ما تذهب إليه. وإن كان من مذنب ما يحتمل اللوم فهو أنا ، لأنّي لأسباب متعددة، منها انهماكاتي التحريرية والكتابية والذاتية، لم يتح لي إطلاعك على فصول أخرى، عرفتها وعشتها، من رواية خروجك من السجن.

عزيزي زياد،

من غير قصد عرفت من الفيسبوك وبعض لقطات تلفزيونية أنك نجمٌ هذه الأيام على شاشات “المستقبل” ومنصاته، كما أسلفت، ولا تزال تذكر وتذكّربفضل الرئيس الحريري والوزير المشنوق – وهذا حقّك وحقّهما ومن أخلاقك التي تعترف بالجميل- في تخليصك من مؤامرة رمت بك وراء القضبان، ووراء ضمائر كثيرين، كان المفترض من اللحظة الأولى أن ينحازوا إلى الضحية المظلومة بلا تردد، وليس إلى جلّاديك، الكثيرين جلّاديك.

أسارع إلى التوضيح أن موقفك السياسي، خيارك، لم يزعجني على الإطلاق. لطالما اعتبرت نفسي من “تيار المستقبل” كما من أي حزب أو تيار أو حركة أو شخصية سياسية ساهمت في صنع “انتفاضة الإستقلال- 2005” التي حرّرت لبنان من جيش بشار الأسد المحتلّ، ومثلي مثل غيري لم أكن أتخيّل أنه سلّم لبنان إلى أيدٍ وجزمات أمينة تحلّ محله في السيطرة على مقدرات بلادنا وأنفاسنا. جذبني إلى “المستقبل” ما اعتقدته اعتدالاً، فإذا هو لا اعتدال ولا تزمت، لا انفتاح ولا انعزال. بل شيء من كل شيء ولا شيء. إنما كان كافيا كي أبتعد أن يعتمد الرئيس الحريري، والدكتور سمير جعجع أيضاً، مبدأ في السياسة لا ينفك أنصارهما يرددونه:” شو كان فينا نعمل غير هيك؟”، أو “شو فينا نعمل غير هيك؟” تبريراً لانغماسهما في صفقة لتقاسم جبنة الحكم مع حلفاء “حزب الله” بعد تسليمه مفتاح قصر بعبدا، وكل المقدرات لقاء حصة أو أوهام حصة.

إنما ليس هذا دافعي إلى الكتابة إليك، حبيب القلب. ودَعَك من آرائي في السياسة والوطنية، فقد أكون حقاً أبالغ في الموقف والتعبير عنه وفي تقديري لذاتي ووعيي وتجربتي في ما أحب تسميته “القضية” التي تجمع اللبنانيين الشرفاء، وأنت طليع بينهم.

هل شكرت الجنرال أشرف ريفي في عداد الذين شكرت لهم سعيهم إلى إظهار براءتك وإعادتك إلى حضن عائلتك وإلى الحرية؟

ولا مرة سمعت أو قرأت أنك شكرته، بل أن من تُشيد بهم، يعقّبون عادةً على مديحك لهم بالهجوم على ريفي واتهامه بالغدر والخيانة وسوى ذلك.

لا تجمعني بالجنرال أشرف علاقة ولا مصلحة، ولم أعرفه أو أتعامل معه إلا كصحافي.

إلا أنني بالدافع نفسه الذي حملني في اليوم الأول لاتهامك الدنيء بالعمالة لإسرائيل إلى الدفاع عن صورة الحقيقية وتأكيد أن لا وجود لامرأة اسمها “كوليت”، أراني اليوم مدفوعاً إلى الكتابة إليك وإلى الناس الذين لم يعرفوا، دور الجنرال ريفي المُشرّف والحاسم في ظهور الحقيقة بقضية زياد عيتاني.

كان لإعلان الوزير السابق ريفي في مقابلة تلفزيونية على “الجديد” أنك بريء ومظلوم وأنّ تشابهاً في الأسماء وقع بينك وبين الصحافي المؤيد له زياد عيتاني، صاحب موقع “أيوب”، دويّ كبير في الوسط السياسي البيروتي، دفعت المعنيّين، إلى تحريك ملفك واتخاذ القرار بالسعي إلى نقله من جهاز إلى جهاز. وكانوا مضطرّين لأن الجنرال ريفي دخل بهذه الكلمات عقر دارهم العزيزة، الطريق الجديدة، وعبر أكبر عائلاتها، الكريمة عائلة عيت.

لكن ما أعقب ذلك التصريح التلفزيوني كان له وقعُ أشدّ دفع هؤلاء السياسيين الذين كانوا متأكدين من براءتك إلى التحرك من غير إبطاء، وفي سبق مع الوقت لإخراجك من السجن. وقد كان لي دور لم أرغب، لولا ما رأيته ظلماً إضافياً يقع على الجنرال ريفي، في ذكره على الإطلاق، ولا حتى همساً في أذنك. فليست هذه طبيعتي. كان فرحي بحريتك يعادل فرح عائلتك، اعتبرته هذا الفرح مكافأة لي، نادرة.

في فجر أحد الأيام، قبل أن أغفو بلحظة، كنت أفكر بك. بأنني أنام في فراشي وغرفتي وأنت في زنزانة. ومن خلالك كنت أفكر بجميع المسجونين والمعتقلين أمثالك ظلماً، في لبنان كما في سوريا. فجأة- لن أنسى- لمعت في رأسي فكرة جعلتني أقفز من الفراش وأعدّ الساعات الفاصلة عن المواعيد التي يستيقظ فيها من نومهم الناس الطبيعيون. عند الثامنة والنصف اتصلت بالجنرال ريفي وطلبت موعداً على عجل. بعد ساعة ونصف كنت عنده في الأشرفية. قلت له إذا مرّت الإنتخابات وبقي زياد في السجن فسيبقى فيه سنوات وإلى ما شاء الله. أقترح أن تعلن أنك سترشحه للنيابة في بيروت. أنا أكيد أن الحريري وكل من معه سيهرعون إلى التحرك لإطلاقه، خشية أن تصب قضيته في مصلحتك سياسياً. ما رأيك؟

رأيت لمعةً في عينيه. وافق على الفور بدون أدنى تردد. أذكر قوله “فلندع المصالح والسياسة جانباً، أنا اطلعت على تفاصيل ملفه وتابعته من الأول. زياد مظلوم وبريء تماماً وكان يجب ألا يدخل السجن دقيقة واحدة”. رفع الهاتف وطلب أحد المحامين، وبعد مكالمة قصيرة قال لي:” هو ليس محكوماً. سجله العدلي نظيف ويمكنه مبدئياً أن يقدم ترشيحه، ولكن يجب أن أتدبّر طريقة يتمكن من خلالها من توكيل محامٍ لتقديم طلب الترشيح والمستندات عنه. لا تقلق سننجح”.

اتفقنا، وكنت أهمّ بالمغادرة، عندما خطرت بباله مسألة غفلنا عنها، قال: “زياد في السجن، وقد أعرّضه لأسوأ احتمالات التعامل معه إذا أعلنت اليوم أنني سأرشحه للنيابة. دعنا نفكّر بالعواقب عليه قليلاً”.

عدنا إلى البحث في ما يمكن فعله لإنقاذك الآن الآن وليس غداً، وكان رأي الجنرال ريفي – ويا لها فكرة!- أن مجرد إيصال “معلومة” إلى الرئيس الحريري عن نيّته ترشيحك للنيابة سوف يحفّزه على فعل المستحيل وأكثر من المستحيل كي يخرجك من السجن، وبأقصى سرعة.

وقال لي: “اتركها عليّ. خلال ساعات سيصل الخبر إلى أذنه. أراهن أن العدّ التنازلي لإعلان براءة زياد وعودته إلى عائلته سيبدأ من اليوم”.

في اليوم التالي قال لي مستشاره الإعلامي، صديقي أسعد بشارة، “يبدو زبطت كما توقعنا. وبدقّة”.

عزيزي زياد.

نحن قوم من يرانا بعين نراه باثنتين.

محبتي.

المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها