الأربعاء ٢٥ نيسان ٢٠١٨ - 09:56

المصدر: الصوت

قانون الإنتخابات وشركة الأحاديات المذهبية المتكافلة والمتضامنة ش.م.ل.

أحدث قانون الإنتخابات الحالي الذي يتبنى النظام النسبي مع الصوت التفضيلي للمرة الأولى في لبنان، نقلة جذرية في الثقافة الإنتخابية للمواطن اللبناني.

فاللبنانيون اقترعوا وفق النظام الأكثري منذ مجالس المندوبين في قائمقاميتي جبل لبنان عام 1841، ولا سيّما بعد ترتيبات شكيب أفندي عام 1843، مع كل ما يحمله النظام الأكثري من فكر إقصائي للأقليات السياسية عن التمثل في سلطة الشورى ثم السلطة الاشتراعية بعد ولادة الجمهورية اللبنانية. وفي النقلة النوعية هذه إلى النسبية، عبور إلى “تضمينية” inclusiveness معمول بها عادة في المجتمعات التعددية من أجل تمثيل كل المجموعات الطائفية والقوى السياسية الفاعلة وحصر الصراعات السياسية داخل المؤسسات الدستورية.

غير أن تفحص واقع النظام السياسي اللبناني يرشدنا إلى ثغرتين بنيويتين يعجز القانون الجديد عن حلّها كلياً أو جزئياً، بالرغم من هذا الإنتقال الجبّار إلى النسبية: أولاً، نعاني في لبنان فُصاماً مقونناً في دور النائب. فهو أولاً “ممثل الأمة جمعاء” وفق المادة 27 من الدستور، وهو ممثل الطائفة والمذهب والمنطقة وفق المفعول العملي للمادة 24 منه. وثانياً، إن تركيبة السلطة الناتجة في جزء منها ربما من النظام الإنتخابي الأكثري السابق، هي عبارة عن شركة أحاديات تمثيلية، أو ثنائيات متكافلة ومتضامنة، (باستثناء واقع التمثيل النيابي التعددي لدى المسيحيين، الذي حاول البعض أيضاً تحويله ثنائية متاكفلة ومتضامنة). ومشكلة هذه التركيبة “الأوليغارشية” أنها، عندما تختلف على المحاصصة تتقاتل حتى حدود الحرب، وعندما تتفق تعطل النظام الديموقراطي البرلماني الصحيح، والذي تشكل المعارضة الوازنة والقادرة على المساءلة والمحاسبة الفاعلة أحد أبرز أركانه، وتذهب بالبلد إلى الإفلاس بفعل الفساد المتلفت من أي رادع.

وبمقارنة الثغرتين المذكورتين آنفاً بالمفاعيل المتوقعة لهذا القانون، نرى تحسناً جزئياً في احترام المندرجات الميثاقية للمادة 24 من الدستور، من دون أي تقدّم يذكر على صعيد احترام المساواة بين المواطنين وحل معضلة الفُصام في دور النائب.

وبدل أن تنتج من النسبية أكثرية حاكمة وأقلية معارضة وفق برامج واضحة، حوّرت “الهندسات” الإنتخابية المعتمدة في هذا القانون لغايات سياسية بحتة النسبية (كالصوت التفضيلي في القضاء المعطوف على الكوتا المذهبية، والحاصل المرتفع مقارنة بالدول الأخرى، واحتساب النتائج بناء على النسبة التي حصلها المرشح من الأصوات التفضيلية في قضائه، وعدم حصر الإعلان المدفوع). وبذلك، عدنا إلى احتمال قيام الأحاديات المذهبية في بعض المناطق مع ما يترتب على ذلك من إضعاف لقيام معارضة ميثاقية جامعة، واستبدال تنافس اللوائح – البرامج بمعارك شخصية بين رجال أعمال وحيثيات “زبائنية” لن تؤدي سوى إلى تحويل النظام إلى أكثرية مهيمنة محاطة بتشكيلة “نيو- وجهاء” يتقاتلون طمعاً بفتات تلك الأكثرية، من أجل إرضاء محيطهم الزبائني الذي تزداد حاجته بفعل معاصي واضعي هذا القانون.

وللخروج من هذه الدوامة، لا بدّ من مشروع سياسي إصلاحي متكامل يفصل النائب ببعده التشريعي عن “زجليات” إنماء المناطق و”حميّات” الدفاع عن الأعراض المذهبية والطائفية التي يمتهنها المرشحون هذه الأيام. ويكون ذلك عبر مجلس نواب يعتمد الدائرة الفردية على دورتين خارج القيد الطائفي، ومجلس شيوخ لتمثيل المذاهب، ولامركزية بصلاحيات موسّعة لإحقاق الإنماء المتوازن من دون منّة من بعبدا أو السرايا أو عين التينة أو ساحة النجمة، وقانون أحزاب يلحظ طريقة تمويل الأحزاب وتحريم تمويلها من الخارج أو من الفساد الإداري.

وليتحقق ذلك، لا بدّ من مناضلين يحملون هذا المشروع في مجلس النواب، غير آبهين للفتات المتبقي من شركة الأحاديات المذهبية المتكافلة والمتضامنة (ش. م. ل) التي تدير التفليسة.

المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها