الأثنين ٢ تموز ٢٠١٨ - 08:44

المصدر: Arab Economic News

لم التخويف بالليرة؟

لم يعد بال اللبنانيين يدور حول هوية الحكومة العتيدة التي يرغب الرئيس ميشال عون أن يفتتح بها عهد بدا لكثر وكأنه إنتهى منذ زمن.

لم يعد همّ اللبنانيين يسأل عن مستقبل قريب لا يحمل أيا من مؤشرات الفرج الموعود على ألسنة مسؤولين تخلّوا بسرعة عن وعود أغدقوها حين كانت حاجتهم ملحة إلى أصوات ناخبين لم يسألوا ما يحتاجون فعلا لا وهما وشعارات.

لم يعد إنشغال اللبنانيين يدور خارج مصير الليرة بعد كثرة الكلام المباح عن إنهيار مقبل سيطيح مدخرات العمر وجنى الأيدي بفعل أداء سلطة ليست آبهة بما سيخلّف كل ذلك من مفاعيل. ليرة إهتزت مرارا بفعل صدمات غير ملائمة أو متوقعة، لكنها لم تسقط. فلمَ تكرار التحذير والتنبيه من سقوطها اليوم؟

ليس مستغربا أن يشكّل تباطؤ الإقتصاد ضغطا مباشرا على النقد الوطني. وفي كل الدورات الإقتصادية، متنفسات تتيح لقطاعات الإنتاج إلتقاط بعض من أنفاسها، فتعلو معدلات النمو أو تستقيم بعد إنخفاض، شرط أن تلاقي السلطتين التنفيذية والتشريعية هذه الدورة بما يعزّز حوافز الإستثمار والنشاط الإقتصادي سعيا إلى جذب الأموال الباحثة عن مجالات مجدية ومشروعة للربح.

لكن، وفي ظل التخبط الراهن حول تقاسم الحصص السلطوية لمزيد من التسلّط، كيف السبيل إلى إيقاظ الضمائر تحسبا لمجهول يتهدّد لقمة المواطن؟ ولم يلوّح العديد بالإنهيار القادم حتما، وهو المسؤول المباشر عما جنته الإنحرافات المتعمّدة لإبقاء المجتمع تحت رحمة الإرتهان التبعي بكل أشكاله البشعة؟

الخوف إن وُجد، فهو على مصير مكونات الناتج المحلي الإجمالي أي قطاعات الإنتاج القادرة على تفعيل دورة الاقتصاد، إنتاجا وتصديرا وترشيقا للإستيراد. إذ يستحيل على أي بلد أن يعتاش ويعمل لعقود مما لا ينتج أو يزرع أو يصنّع… دورة في حاجة ماسة إلى خطط طوارئ تعيد ما قطعتّه السياسة من أوصال وشرايين لم تعد قادرة على ضخّ نشاط طبيعي في جسد الإقتصاد الوطني. وبفعل إهمال أهمية التخطيط (في ظل الإصرار على تجاهل إعادة إحياء وزارة للتخطيط بدل مجلس الإنماء والإعمار)، ليس سهلا على أي بلد أن يدرك حاجات مجتمعه إلى الخدمات التي يسدّد ثمنها رسوما وضرائب باهظة، وباهظة جدا.

الإقتصاد في خطر، هذا كلام في محله. فمعدلات النمو المضغوطة عند حدود الـ1 أو الـ1.5% لا تؤشر إلى القدرة على الإستمرار في منطقة لا تزال ملتهبة بحروب يُعتقد أنها “عبثية”، لكنها هادفة إلى ولادة “الشرق الأوسط الجديد” الذي بات على قاب قوسين من ترسيم تُصاغ تفاصيله النهائية مع “صفقة العصر” التي تقودها واشنطن إنطلاقا من محطة نقل سفارتها إلى القدس.

الإقتصاد في خطر، هذا واقع ملموس يتحسّسه اللبنانيون يوميا في حركة الأعمال المعطلة، وحركة الأسواق التجارية الخاوية، وحركة المطاعم الفاخرة التي رفعت المطبخ اللبناني إلى مكانة متقدمة عالميا، وحركة الإستهلاك العام داخليا التي تراجعت مع تقهقر القدرة الشرائية للمواطنين.. ويقابل كل ذلك إنكفاء الرساميل الأجنبية والعربية، وتوقف السياحة الخليجية التي تغذي بإنفاقها حصة هذا القطاع من الناتج المحلي، وإستمرار منظومة الفساد التي تترجم يوميا هدرا وسرقات، لأن ليس هناك مَن يسأل أو يحاسب أو يستقيل أو حتى يقيل.

تسلّح مطلقو الشائعات الخبيثة بمقولة “الإفلاس” التي تردّدت تنبيها بين قصر بعبدا وبكركي حتى تكرّرت في خطابات الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله. وهذا يدلّ على وجود أزمة بنيوية في الاقتصاد، تظهّرت بفعل الإهمال، على شكل أزمات قطاعية بدأت من الصناعة والتجارة وإمتدت لتشمل العقار والإستثمار والسياحة. وما الإفلاسات والتعثر الأخير سوى أبلغ دليل على خطورة ما بلغته تلك القطاعات.

ليس جديدا القول إن الوضع المالي في لبنان ليس بخير. فكل التقارير المحلية والدولية تشير إلى “عورة” تنامي العجز والدين العام من الناتج المحلي الإجمالي. وهذا مسار درجت الحكومات المتعاقبة على إغفاله من حسابات الإصلاح المطلوب تنفيذه في مؤتمرات باريس الثلاثة وصول إلى “سيدر” الذي حدّد شروطه بوضوح لقاء تحرير رزمة الـ11 مليار دولار موعودة: لا أموال دون إصلاحات!

إذا، ليس القلق المالي جديدا على لبنان ليتمّ إكتشافه فجأة ويتحوّل نغمة تبشر بـ”إفلاس لبنان”… أما المصارف والليرة، فلا مقاربة تجوز لتوصيفهما بما يتسم بالإفلاس. فالليرة محمية من مصرف لبنان، وتحديدا من الحاكم رياض سلامة، بقدرة إحتياطي غير مسبوق تاريخيا. وهو قادر عن الدفاع عن الليرة توفيرا لسلامتها مهما تعالت الضغوط عليها. وهذا أكثر من طبيعي في زمن الركود. وللمصارف حصة كبيرة من الثقة التي ما بقيت إلا بأدائه المحاط برقابة المصرف المركزي، حفظا للكثير من الودائع المقيمة وغير المقيمة ولودائع “نظيفة” يستطيع طوعا قبولها وتشغيلها. وتعي المصارف سقف التعامل مع أي من الودائع المشبوهة أميركيا، وتاليا، يستحيل عليها المغامرة بسمعة وصدقية وتواصل مع مصارفها الشقيقة من أجل حفنة من الأرباح.

لقد مرّت على مصارف لبنان أزمات تعثر منذ أقفلت الحرب الأهلية أبوابها. وكان للحاكم سلامة الحكمة الكافية لحماية أموال المودعين، حيث لم يقف أي مودع في تظاهرة للمطالبة بمدخراته. فالحل التقني والقانوني حمّل دوما أصحاب المصارف والمساهمين “المليئين” مسؤولية تغطية أي أزمة، مفتعلة كانت أم طبيعية.

لا خوف على الليرة. فالكل يدرك أن حكاية الإنهيار تختلف كليا عن رواية السقوط. فلمَ التخويف بالليرة؟ سؤال يحتاج إلى الكثير من التبرير.

المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها