الأثنين ١٢ شباط ٢٠١٨ - 08:30

المصدر: Arab Economic News

“البلوك 9″… قضية لبنان

“البلوك رقم 9” الجنوبي بات شاغل الدنيا والناس، رغم أنه لم يتسنَ له بعد تقدير أهمية ما تختزنه مساحة الـ83 ألف كيلومتر مربع من غاز على عمق يراوح ما بين 1211 و1909 مترا تحت سطح البحر وبأرباح متوخاة مقدرة بما بين 55 الى 63%.

لم يكن “البلوك 9” يدرك أنه سيثير غيظ إسرائيل إلى هذه الدرجة ويسرق النجومية من زميله “البلوك 4”. فالأول جزء من مساحة الـ22 الف كيلومتر مربع التي تشكلها المياه الإقليمية اللبنانية، وهو أحد إكتشافات شركة “نوبل إنرجي” الأميركية التي يعود تاريخها للعام 2009، حين أظهرت المسوحات البحرية وجود كميات من إحتياطي النفط والغاز في الحوض الشرقي من البحر الأبيض المتوسط، تمتدّ على مساحة تترامى في منطقة المياه الإقليمية لكل من سوريا ولبنان وقبرص وإسرائيل. أما الثاني فيقع إلى شمال لبنان، ويراوح عمقه ما بين 686 و1845 مترا تحت سطح البحر، وتبلغ نسبة الأرباح المقدّرة حدود 65 إلى 71%.

لم يكن “البلوك 9” يتوقع أنه سيهدد مسيرة لبنان نحو “نادي الدول النفطية”، حيث الوقوف عند عتبة الباب ليس كما الحال عند تجاوزها. لكن، كل ذلك يشترط هدوء العواصف الهائجة، بدءا من عدوان خارجي لعدو مزمن يتوّعد وينوي العرقلة حتى بأي ثمن، وصولا إلى داخل يضطرب عند كل مفترق قادر على التفريق ما بين عشّاق السلطة.

وما بين نارين متوازيتين ومتساويتين في الأضرار والتداعيات، يبدو “البلوك 9” مصرّ على المضي في أنشطة الإستكشاف التجاري التي ستبدأ في العام 2019 قبل أن تُستكمل وتنتقل إلى مرحلة التنقيب والإستخراج ثم التسويق… إن نجح لبنان في إختبار الجدارة إقليميا وداخليا، وإن لم تغالِ إسرائيل في المطالبة أيضا بإدعاء أحقية لها في “البلوك 8” الجنوبي، وهو الممتدّ على مساحة 1400 متر مربع، وتصل أعماقه إلى ما بين 1672 و2062 مترا تحت سطح البحر. تزعم تل أبيب أن البلوك 8 يقع بدوره ضمن حدودها (!)، لكن يبدو أن التريث نابع من عدم إقدام بيروت بعد على طرحه للإستثمار.

“البلوك 9” هو “ملك” لإسرائيل. هكذا جاهر وزير الدفاع الإسرائيلي إفيغدور ليبرمان بحق بلاده في جزء من البلوك الواقع ضمن المساحة المتنازع عليها والبالغة مساحتها 854 كيلومتر مربع. إعلان جاء قبل يومين على إحتفال لبنان رسميا بتوقع عقود الإستكشاف والتنقيب مع “الكونسورتيوم” العالمي يوم الجمعة الماضي، ليثير بيروت دون شركات الإئتلاف التي أكدت وعبر “توتال” الفرنسية في بيان، أنها مع شركائها على دراية “بالخلاف على الحدود ما بين لبنان وإسرائيل في الجزء الجنوبي من الرقعة 9″، مشيرة إلى أن المنطقة المتنازع عليها تشكل أقل من 8% من مساحتها. وأكدت أن أعمال التنقيب المرتقبة ستجري على بعد “أكثر من 25 كيلومتراً” من المنطقة المتنازع عليها.

“البلوك 9″ يتوقع الكثير من العوامل الداعمة محليا ليتسنى له إتمام مهمته. لا يهتمّ إن أغارت إسرائيل على مواقع لإيران و”حزب الله” في سوريا، ولا إن نفى البنتاغون ما تردد عن مشاركة أميركية في العملية العسكرية لإسرائيل. إذ يدرك أن لكل تصعيد عسكري هدف سياسي لتحسين مواقع في مفاوضات جارية خلف البحار. كل ما يهمه هو مسارعة لبنان، لا بل إستنفاره وتوحيد جهوده وتركيزها نحو مجلس الأمن لتقديم شكوى، تردد أن الإيعاز صدر نهاية الأسبوع لتقديمها.

تحرك جيد للديبلوماسية اللبنانية لكنه غير كاف، لان البلوك النفطي يحتاج أكثر من ذلك. إذ يتطلع الى السياسة مطالبا بمناخ توافقي يوفّر الغطاء الكامل والشفاف للملف النفطي، لا التعمية لتمرير صفقات وتغطية سمسرات سيسارع بعضهم إلى تشريعها وإقناع اللبنانيين بأنها أحد الحقوق الواجبة على الخزينة والمتوجبة لمَن سيحشر نفسه في خانة “المستثمرين”.

“البلوك رقم 9” هو قضية لبنان اليوم وغدا. فلا بناء إسرائيل لجدار إسمنتي على الخط الأزرق، وهو “خط وقف إطلاق النار” في جنوب لبنان، سيثنيه عن جذب المنقبّين عن الذهب الأسود الذين أيقنوا أن المغانم التي تحفظها مياه الإقليم المتوسطي للبنان تقدّر بنحو 96 تريليون قدم مكعبة. هي ثروة ستساعد حتما في إنهاء محنة لبنان إن أحسن إدارة إيرادات الصندوق السيادي، لإعادة تدوير عجلة الإقتصاد وخفض منسوب الإختلالات في المالية العامة، وفي مقدمها الدين العام الذي قارب في مقاربته لأرقام الناتج المحلي، أعلى المعدلات في العالم.

إمتحان جديد يستحق النجاح بجدارة كعلامة على عزم وقرار لبناني بقطع الطريق على الفشل في مكافحة الفساد، لان الثقة أهم… ماضيا وحاضرا ومستقبلا.

المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها