فنية
الخميس ٤ أيار ٢٠٢٣ - 07:43

المصدر: الراي

«العمر الحرامي» سرق إيلي شويري

توفي الفنان اللبناني القدير إيلي شويري عن عمر يناهز الـ 84 عاما.

ولد إيلي شويري في بيروت في 27 ديسمبر 1939. ولطالما افتخر بكونه ولد في العصر الذهبي للفن، مع محمد عبد الوهاب، وأم كلثوم، ورياض السنباطي، وعبد الحليم حافظ، وكارم محمود، ومحمد عبد المطلب، وفايزة أحمد، وغيرهم من عمالقة الفن الذين رسموا خريطة الأغنية العربية.

البداية في الكويت

لم يكن يعلم أن حادث السير الذي تعرض له وإصابته بكسر في يده سيشكل انطلاقته الحقيقية في عالم الفن، وبالتحديد في أروقة الإذاعة الكويتية في العام 1960.

حينها، كما أوردت الوكالة الوطنية للإعلام اللبنانية الرسمية، دعاه صديق إلى الكويت لتمضية فترة نقاهة واستجمام، وكان في العشرين من عمره. فجمعتْه الصدفة يومها بالملحن الكويتي الراحل عوض الدوخي، الذي راح يشجّعه على تعلُّم العزف على العود مع زميل له يدعى مرسي الحريري، وهو ملحن مصري كفيف.

إلى لبنان والرحابنة

بقي شويري في الكويت أكثر من سنة، أحيا خلالها بعض الحفلات الصغيرة وتعرف على الموسيقى الخليجية وتعلّم إيقاعاتها. وفي منتصف عام 1962 وصلت إلى الكويت فرقة «الأنوار» اللبنانية ضمن جولة فنية كانت تقوم بها، وكانت تتألف من عدة مطربين لبنانيين بينهم وديع الصافي وسعاد الهاشم وزكي ناصيف وتوفيق الباشا… استيقظ الحنين في نفس إيلي وقرر العودة إلى بلاده بعدما حضر عرضا للفرقة، مزوداً برسالة من أحد الأصدقاء في الكويت تطلب من موسيقي لبناني يدعى جوزيف شمعة ويعيش في لبنان أن يدعم موهبة إيلي ويساندها. وهكذا كان.

أصبح إيلي عضوا في فرقة كورال تضمه إلى شمعة ونقولا الديك. فكان من ضمن الفريق المرافق لعدد من الفنانين بينهم فهد بلان ونزهة يونس.

في العام 1963 عَلِمَ شويري أن ثمة تحضيرات تجري في الكواليس لإحياء مهرجان بعلبك بإشراف الموسيقي روميو لحود. فقصده في مكتبه ومن هناك اصطحبه لحود معه في نزهة بسيارته إلى الأشرفية مركز سكن شويري، واعدا إياه بإعطائه دورا صغيرا في مسرحية «الشلال»… في تلك الأثناء كان الاخوان عاصي ومنصور الرحباني يبحثان عن وجوه فنية جديدة، فأعجبا بأداء إيلي على المسرح، وهكذا بدأ رحلته مع الفن الأصيل، معتبراً ان هذه الفرصة خولته التعرف على موهبته. فشارك مع الرحابنة في 25 عملاً مسرحيا بينها «الشخص» و«فخر الدين» و«الليل والقنديل» و«صح النوم» و«دواليب الهوا» وفيلم «بياع الخواتم». ووصفه الإعلامي الراحل سعيد فريحة مؤسس دار الصياد بأنه أيقونة في معبر الرحابنة.

إيلي شويري لم يكتف بوقوفه إلى جانب الكبار، فأطلق العنان لأعماله فكتب «بلدي» و«أنت وأنا يا ليل» من شعره وألحانه وغناء وديع الصافي.

وسبق أن تذكر تلك الحقبة وكأنها حلم من قصص الأساطير خولته خوض أجمل التجارب الفنية، فغرف من نبع الفن ورافق زمن النبلاء مع عباقرته، فتأثر بعطر الرحابنة من رأسه حتى اخمص قدميه رافضاً أن يعود إلى اليقظة في لحظة ما.

واستذكرت «الوكالة الوطنية» كيف بقي على مر الأعوام الطويلة وعندما يريد التخلص من شوائب الحياة وضغطها يغمض عينيه ويسبح في أيام طفولته وفي أغاني إيليا بيضا والياس ربيز والمواويل البغدادية التي كان يرددها في مكان حلويات كان يملكه خاله عبدو خشون في الأشرفية ويلتقي فيه أهل الفن أمثال وديع الصافي وزكية حمدان وحمد غازي وميشال خياط وغيرهم.

وفي إحدى مقابلات الراحل، روى عن حلمه الذي كبر لاحقاً وجعله أحد روّاد الأغنية في العالم العربي، إذ قال: «كنا نعيش في الفضاء الذي لا يدوسه الإنسان. أصحو على صوت الأذان في جامع البسطة الذي صار في ما بعد بمثابة المدرسة التي أتعلم منها الأداء وتقنية الصوت. لقد كنت مسحوراً بالفن بالفطرة ولم أكن أنوي يوما أن أتحول إلى فنان».

الانفصال عن الرحابنة

في العام 1966 تزوج إيلي شويري من عايدة ابي عاد ورزق منها ثلاث بنات (نيكول وكارول وسيلينا)، وإثر خلاف مع الرحابنة انفصل شويري عنهم ولجأ إلى وسيلة مسموعة ليخرج ما في أعماقه من مشاعر ساورته بعد اندلاع الحرب عام 1975 وقدم بالتعاون مع الصحافي الراحل سامي غميقة برنامج «يا الله» وهو انتقادي اجتماعي لاقى نجاحاً عبر أثير إذاعة «صوت لبنان». ومن ثم التقى الشحرورة صباح في مسرحية «ست الكل» وكانت فاتحة خير جديدة لمسيرته الفنية، فكتب ولحن «تعلا وتتعمر يا دار» وذاع صيته وأرسلت الحكومة السورية في طلبه وأخذ يحيي حفلة تلو الأخرى فتحسنت حالته المادية بعدما كان يعاني من وضع معيشي متردٍ.

وأوجد إيلي شويري شهرة أكثر من فنان، بينهم داليدا رحمة، فكتب لها مسرحية «قاووش الافراح» وغنت له «يا بلح زغلولي» التي صارت على كل شفة ولسان. وكذلك غنت له ماجدة الرومي «سقط القناع» و«مين النا غيرك» و«ما زال العمر حرامي» وتَنافستْ كل من صباح وسميرة توفيق على أداء أغنية «أيام اللولو» التي أثارت في حينه زوبعة في عالم الغناء، خصوصاً أن الأولى نسبت الأغنية إليها، في حين أكدت الثانية أنها كانت السبّاقة إلى اختيارها. إلا أن الأغنية راجت بشكل لافت لدى المطربتين، بعد أن أدتها كل منهما على طريقتها.

نسج إيلي شويري شبكة صداقات مع قلة من زملاء المهنة ليشكلوا رفقاء الدرب، وبينهم الراحل فيلمون وهبي ونصري شمس الدين. إلا أن الأقرب إليه كان الراحل ملحم بركات، فكانا يمضيان أياماً كثيرة مع بعضهما، يتذكران فيها محطات من الماضي خصوصاً أثناء ممارستهما هواية الصيد.
https://www.alraimedia.com/article/1638767