الأحد ٨ آذار ٢٠٢٠ - 16:04

المصدر: ليبانون ديبايت

أبعد من إحتفالية اليوم العالمي للمرأة

“وقال الرب الاله ليس جيداً أن يكون آدم وحده فأصنع له معينا نظيره” (سفر التكوين 2:18)

قد لا يوافق كُثر/كثيرات (وهي المرة الوحيدة في معرض هذا النص التي سيتم فيه الإشارة إلى الجنسين معاً. فإلى أن يقضي لغويو العربية بقواعد جديدة، سيكون الإعتماد في الصياغة على تلك المعمول بها حتى اللحظة) على مقاربة موضوع حقوقي، كحقوق المرأة من منطلق ديني. لكنهم سيعترفون (وأنا معهم) بإسقاط ديناميكية الممارسات اليومية والعلاقات ما بين الأشخاص لوصف “نظيره”، والإمعان في سوء تفسير وتطبيق “معيناً” وصولاً إلى حد الحرمان من الحقوق والإستعباد.

تَكثرُ في الثامن من آذار نشاطات التأييد والمناصرة لحقوق المرأة وتحقيق المساواة في الحقوق والخدمات، والوصول إليها. وإن كان تَخصيصُ يومٍ عالمي لهذه الغاية يعكسُ أهمية الموضوع ومدى إهتمام المجتمع الدولي به؛ فقد أمسى أيضاً نوعاً من الفلكلور، أشبه بحالاتِ وقف إطلاق النار أو الهدنات الإنسانية!.

لا شك أن حقوق المرأة قد خَبرت منذ نصف قرن أو نيّف تطوّراتٍ بارزةٍ في الشقين النظري والعملي وإن كانت مشاركة المرأة لا تزال خجولة في كثير من المجالات وتَحول دون تطورها عوائق جمّة. لكنّها هناك!

كذلك عَرفت مقاربة حقوق المرأة تطوّراً هاماً شكل رافعة أساسية، عنيت الإنتقال من إشراك المرأة في أعمال التنمية (Women in Development) إلى مقاربة هذا الإشراك من ضمن ديناميكية العلاقات بين الأشخاص وأدوارهم الإجتماعية (Gender and Development). ففي حين قضت الأولى بإفساح المجال أمام المرأة بالدخول إلى قطاعات وخدمات كانت مقفلة أمامها، قامت الثانية على ضرورة وجود أُطر وأنظمة مؤازرة تسمح لها بدخول هذه القطاعات والوصول إلى الخدمات، دون أي عوائق تَحول دون ذلك (قانونية، ثقافية، إجتماعية ولا سيمّا تلك المرتبطة بأدوارها التقليدية).

ترافق هذا التطور على أرض الواقع بصدور عدد من الإتفاقيات الدولية ذات الصلة، كإتفاقية حظر الاتجار بالأشخاص واستغلال دعارة الغير – 1949 ؛ إتفاقية بشأن الحقوق السياسية للمرأة – 1952؛ الإتفاقية الخاصة بجنسية المرأة المتزوجة – 1957؛ إتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة – 1979؛ إعلان بشأن القضاء على العنف ضد المرأة – 1993؛ وغيرها من القرارات الصادة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، ومجلس الأمن لعل أشهرها القرار 1325.

ما الذي يَحولُ إذاً دون التحقق الكامل للحقوق، لاسيّما بوجود أدوات قانونية للحماية؟

يكمنُ الجواب في فلسفة حقوق الإنسان المعبّر عنها في ديباجة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بكلمة “إعتراف” (لما كان الاعتراف بالكرامة المتأصلة في جميع أعضاء الأسرة البشرية وبحقوقهم المتساوية الثابتة هو أساس الحرية والعدل والسلام في العالم…).

في القانون نوعان من الأعمال:

– الإعلانية، والتي تلحظ وجود وضع معيّن من دون أن تكون لها القدرة على التأثير في وجوده، مثل تسجيل الأولاد عند ولادتهم في سجلات النفوس، أو شطبِ أسماء المتوفين منها. فلا هي تَخلق الأولين، ولا تنهي حياة الثانين.

– الإنشائية، أي التي تعطي أحداً الحق في شي ما، مثل تسجيل السيارات أو العقارات لنقل ملكيّتها وتثبيتها. بموجب هذه الأعمال يمكن إنشاء، تعديل أو حتى إلغاء الحق.
لم تستعمل كلمة “إعتراف” عن عبث. فمحاضرُ جلساتِ نقاش الإعلان العالمي وعمليات التصويت على كل كلمة استعملت، بالإضافة إلى الخُبرات القانونية والفلسفية التي تمتّع بها أعضاء لجنة صياغة الإعلان (لاسيّما شارل مالك، رينيه كاسّان وجون همفري) تُظهر مدى الجديّة والقصد في إنتقاء المفردات المستعملة في صياغة الإعلان العالمي.
إذًا، الحقوق موجودة بذاتها، من دون منةِّ من أحد.

على أرض الواقع، إنخراطُ المرأة في كثيرٍ من القطاعات، كالصناعات والإنتاج، بالإضافة إلى تغيير الأدوار الإجتماعية يكادُ يكونُ دوماً لصيق حاجة ما: أملت ظروف الحرب العالمية الثانية إنخراط النساء في قطاعات صناعية مختلفة؛ كما فرضت الحرب السورية على النساء السوريات أدوارً جديدةً كالعمل، وإدارة شؤون العائلة لا سيما المادية، وغيرها. بمعنى آخر ليست المرأة بحد ذاتها مبرر لحقوقها، بل الدور المتوقّع أو المطلوب منها هو المبرر. وفي هذه المقاربة نسف لفلسفة حقوق الإنسان.

على المقلب الآخر، لا بد من من إعتماد مقاربة جديدة في مقاربة موضوع حقوق المرأة. فإذا كان الرجال جزء من المشكلة الموجودة (بغض النظر عن النقاش الدائر حول مدى إدراكهم الذاتي لذلك، أو كونهم ضحايا نظام تربية إجتماعية منمّطة)، فهم بوصفهم هذا جزء من الحل. إذاً، لا بدّ من إعادة توصيف النزاع وأطرافه عبر الإنتقال من الحالة التقليدية (الرجال في مواجهة النساء)؛ إلى حالة (الرجال والنساء في مواجهة عدم المساواة). وبقدر ما يتطلب ذلك إعتراف الرجال بوجود خلل أساسي يستدعي الحل، فهو يستوجب إعترافاً بشراكة الرجال في الحل، وسلوكاً “نسوياً” يتلائم مع الهدف من وجود الحقوق وأدوات الحماية القانونية: خلق إطار مجتمعي يعترف بحقوق المرأة ويحولُ دون وجود عقباتٍ أمام وصولها إلى الحق، وليس تحقيقُ تعديلٍ جيني عند الرجال. والله يا رجل، بعض الفمينستا-النسويات يجعلن من “أعنف” Sufragettes القرن الماضي، هاويات.

على أن يكون الثامن من آذار، في كل ثامنٍ من آذار نتيجةٌ، لا سبب.

المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها