الأثنين ٢٠ تشرين الثاني ٢٠١٧ - 08:49

المصدر: Arab Economic News

أبواب الجحيم الاقتصادي!

أما وقد إتفقت باريس وواشنطن على مواجهة إيران وذراعها العسكري “حزب الله”، بات لأزمة إستقالة لبنان من محيطه العربي، نكهات متعددة، بعضها عربي مضغوط أفضى إلى تغيّب وزير خارجية لبنان عن إجتماع نظرائه العرب في القاهرة أمس، وبعضها الآخر دولي وضاغط يبدأ من واشنطن ولا يتوقف عند حدود المملكة.

لن تكون محطة الإستقلال اللبناني بعد غد، سوى وقفة عابرة لسعد الحريري في صورة رسمية كرئيس حكومة لم تكتمل خطواتها لتعثر مسيرة “النأي بالنفس”. فإنغماس “حزب الله” العسكري، فرض إنتفاضة سعودية وتاليا خليجية متشددة، سحبت الحريري من تسوية داخلية-إقليمية إهتزت عند أول مفصل، لتهدّد إستقرار لبنان ومستقبل إقتصاده المثقل بالنزوح السوري والركود المحلي، بالمزيد من التأزم والضيق.

إشارة قاسية صدرت نهاية الأسبوع عبر تغريدات باتت مُعتمدة رسميا كمنبر تعبيري للمواقف السياسية. ضاحي خلفان تميم، نائب رئيس الشرطة والأمن العام في دبي، وجّه عبر حسابه على “تويتر” رسالة مبطنة بتهديد ورد فيه “في ظل تهديد نصر الله لأمن الدول العربية، ربما يتعرض لبنان إلى مقاطعة من دول التحالف المتضررة من تصرفات حسن نصر خامئني”. وفي ذلك، تلويح لمساواة لبنان بقطر، الشقيقة التي نبذتها العائلة الخليجية بين ليلة وضحاها، وقاطعتها منذ 5 حزيران/يوليو الماضي، وفرضت عليها عقوبات شاملة لخروجها عن خط الثوابت التاريخية لدول مجلس التعاون.

إذا، أمام لبنان خيار من إثنين: إما العودة الى “النأي بالنفس” أو التعرّض لعقوبات خليجية قد تصبح أمرا واقعا بفعل لهجة البيان الختامي لوزراء الخارجية العرب. فمع أي منهما يُحسن الإختيار؟

ترى مجلة “الإيكونوميست” إن لبنان معرّض فعلا لمثل تلك الضغوط. وتشير الى أن نحو 400 ألف لبناني يعملون في دول الخليج (ثمة مصادر أخرى تقدّر العمالة اللبنانية بنحو 500 ألف)، ويرسلون حصة كبيرة من التحويلات المالية إلى لبنان والتي تقدّر بنحو 14% من الناتج المحلي الإجمالي. “وإن مالت المملكة نحو هذا الخيار (العقوبات)، فيمكنها “حظر” تحويل تلك الأموال أو حتى ترحيل العمالة اللبنانية. كما يمكنها سحب ودائعها من مصرف لبنان، مما سيضرّ بالثقة، ويجعل من الصعب على لبنان خفض خدمة الدين العام الذي تجاوز سقف الـ140% من الناتج المحلي، وهو أحد أعلى المستويات في العالم”. وإن فرضت دول الخليج عقوبات على لبنان، “فإن أبواب الجحيم الاقتصادي ستُفتح على مصراعيها”، وفق ما نقلت عن رندة سليم من معهد الشرق الأوسط.

وتورد “الإيكونوميست” أن الأزمة غير المتوقعة تزامنت مع بدء مرحلة من التعافي دخلها لبنان عقب أعوام من الشلل السياسي. “فقبل شهر، أقرّت حكومة الحريري أول موازنة عامة منذ 2005، وهي على وشك أن تحدّد موعدا لأول انتخابات نيابية منذ 8 أعوام، وتستعدّ لمطالبة المانحين الدوليين بنحو 10 إلى 12 مليار دولار بغية تحمّل عبء نزوح نحو 1.5 مليون سوري ولتلبية متطلبات متقلبة للبنية التحتية”.

من المؤكد أن تداعيات أي عقوبات خليجية من حظر السفر الى الترحيل ووقف التحويلات، ستحطّ رحالها في قلب إقتصاد لبنان. إلا أن الليرة لن تتزحزح عن عرش التثبيت الذي يشهره مصرف لبنان سياسة دائمة، ليدحض بإحتياطي أجنبي تجاوز عتبة الـ44 مليار دولار، كل قلق غير مبرّر على مصيرها. فما شهدته بيروت على مدى أسبوعين لا أساس له، ولا يُفترض أن يستدعي تطمينات دورية من حاكم المركزي. وما يعتبره بعضهم “تهافتا” في المصارف لتحويل حسابات قبل إستحقاقها، ليس إلا إهتزازا أصاب مشاعر بعض المتعاملين ممَن أقدموا على التضحية بفارق الفائدة الذي يتجاوز مستوى 3%. وفي مفارقة لافتة، إستمرّ الدفق المالي نحو القطاع المصرفي، “لأن اللبنانيين والمتعاملين مع أسواقنا إعتادوا التقلبات في مناخه الإستثماري، وهم يؤمنون بأن لبنان قادر على التأقلم سريعا مع أي تطورات طارئة”، يقول مصرفي عتيق.

وحده التصنيف الإئتماني للبلاد القابل للخفض، يستدعي إلتفاتة جدية ودرسا معمقا لئلا تأتي النتائج كارثية على إقتصاد متهالك ومالية عامة متسمة بعجوزات متنامية ومتفلتة من أي ضوابط، لغياب الإرادة لدى الحكومات المتعاقبة في معالجة تلك الإختلالات والإنحرافات المالية.

بالأمس، قال الوزراء العرب كلمتهم في الأزمة اللبنانية المستجدة بوضوح حين أكدوا دعمهم للسعودية وحذّروا إيران من “مغبة إستمرارها في التدخل في شؤون دول المنطقة الداخلية”، وتعمدوا توصيف “حزب الله” بـ”الإرهابي” وطالبوا بعقد إجتماع إستثنائي لمجلس الأمن الدولي. واليوم، يقول الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله كلمته أيضا بوضوح معروفة عناوينه لا نتائجه.

لبنان تحفّظ وإعترض على توصيف أحد مكوّنات مجتمعه، ودان أيضا كل ما يمسّ أمن الأشقاء العرب، وتجنّب أي إجراء قاس مثل شطبه أو توقيف عضويته. هو زمن المواجهة ربما، لكنه حتما سيرغم لبنان على دفع أثمان باهظة إن فُتحت عليه “أبواب الجحيم الإقتصادي”، حتى وإن إتخذ من قطر عبرة للدرس!

المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها