منى فياض

السبت ٢١ تشرين الثاني ٢٠٢٠ - 09:08

المصدر: النهار

أوّليات تهميش المرأة في العالم العربي… السياسة وارتباطها بمفهومي الخاص والعام

لا شك في أن وضع المرأة تغيّر كثيراً عن السابق في معظم أنحاء العالم؛ فعلى الأقل صار موضوع حقوق النساء وتعليمهن ومناهضة اضطهادهن من العناوين التي ترفع من قبل معظم الأنظمة ولو أن الأمر ظل حبراً على ورق في بعض الأحيان. وبعد أن أصبح وجود المرأة في معظم الميادين أمراً مألوفاً، إلا أن حضورها في الميدان السياسي يظل ضعيفاً حتى في بعض البلدان الغربية المتقدمة والتي كانت سباقة في تغيير وضعية المرأة.
هناك عوامل كثيرة تتضافر كي تظل مشاركة المرأة في السياسة ضعيفة وموضع تجاذب.
يبدو أن تعريف السياسة التقليدي هو ضد – امرأة. فإذا كان تعريف الاقتصاد هو “فن إدارة البيت”، من اللاتينية، فإن تعريف السياسة هو “فن إدارة المدينة”. ذلك يعني أنه يمكن المرأة أن تكون جزءاً أساسياً، ولو في شكل غير مباشر، في العملية الاقتصادية. وأيضاً يتطلب الأمر إعادة تقييم الاقتصاد لاحتساب الاقتصاد المنزلي ضمن اقتصاد السوق.
لكن المرأة مقصاة تعريفاً عن السياسة. فهي جزء من دائرة الخاص – المنزل. أما السياسة، فهي جزء من دائرة العام public اي الساحة والمدينة. السياسة مرتبطة أيضاً بالعنف.
في محاضرة ماكس فيبر عن السياسي، يراوح تعريفه للسياسة بين قطبين، أحدهما متسع وشامل لكل أنواع النشاط الموجه: سياسة قطع بنكية، سياسة نقابية من خلال أحزاب، سياسة مدرسية، وأخيراً وبعد أن يعدد “سياسات” أخرى، يورد التعريف التالي: “سياسة امرأة ماهرة تبحث عن حكم زوجها”. نلاحظ هنا أنه من ناحية يوسع مفهوم السياسة، فيقوم بإدخالها الى المنزل، لكنه يقصر دور المرأة على هذه الدائرة الحصرية في الوقت نفسه: سياسة المرأة تتعلق “بحكم زوجها” او “إدارته”.
وتعريف فيبر الآخر للسياسة، محدد وحصري: “هي كل ما يتعلق بإدارة المجتمع السياسي، أي الدولة”. وكل دولة تتأسس برأيه على القوة. فالعلاقة بين الدولة والعنف حميمة جداً. وهو ما تذهب اليه حنة أرندت ايضاً: “تطالب الدولة بمونوبول العنف لحسابها، وكل رجل يمارس السياسة يتوق الى السلطة. تصبح الدولة هنا عبارة عن هيمنة الإنسان على الآخر، بواسطة العنف”. تتابع: “قدرة الإنسان على الفعل هي التي تجعله كائناً سياسياً؛ وهي التي تمكنه من أن يلتقي بأمثاله من البشر وأن يعمل معهم في شكل متناسق…”، وهذا في حد ذاته يعني تهميش المرأة التي تعيش في عالم ضيق وغير فاعل على صعيد الحيّز العام.
كما أن السياسة ترتبط في العالم العربي بالرجولة، والقبيلة أو العشيرة. هذا عندما يقصد بها التعريف التقليدي المتعلق باللعبة الانتخابية، وبإدارة المؤسسات. لكن عندما يقصد الوجه الآخر للسياسة، السياسة بمعناها الحديث من أحزاب معارضة أو منظمات تتعاطى النضال الحزبي أو النقابي، تتحول السياسة الى مصدر للخوف وللرعب. السياسة وتعاطي السياسة بهذا المعنى مرادفان للقمع وللعقاب وللسجن عند العامة. وبالتالي يستدخلون الموقف القائل: “البعد من السياسة غنيمة”.
ولتعبير حزبي وتحزّب في العالم العربي معانٍ سلبية، فهي تعني الانحياز والتعصب.
السياسة أيضاً تقوم على علاقة الراعي بالرعية، أو على الوجاهة والذرائعية والخدمات والاستتباع عندما تكون الدولة أقرب إلى الجمهورية بالمعنى العالمثالثي. ذلك كله يساهم في إقصاء المرأة، فهي خارج شبكة العلاقات هذه في شكل عام. فما بالك عندما يصبح الامر متعلقاً بالنضال والمعارضة والحياة الحزبية؟ فالمرأة حتى لو اشتركت في الحياة الحزبية تكون هناك من ضمن القاعدة العريضة للحزب وفي ظل الدائرة الأسرية، ونادراً ما تصل الى القيادة. وكلنا نعلم كم أن مشاركة المرأة في الحياة الحزبية هامشي. وهي قد تشارك في أيام الحرب ولكنها تهمّش في السلم، الأمر الذي حصل في لبنان وفي فلسطين.
هذا ونجد عند الأجيال الشابة موقف من السياسة ينطبع عموماً بطابع سلبي ويعبر عن الرغبة بالابتعاد من السياسة التي تشكل ميداناً غير آمن، وذلك بسبب عدم ثقتهم بنزاهة وشفافية الممارسات السياسية في العالم العربي.
سبق لأحد تقارير التنمية الإنسانية 2004 أن وثق هذا الانطباع عن الواقع العربي إحصائياً، فهناك نقص في حرية التعبير عن الرأي (تقرير التنمية الإنسانية ص 131 و121) الى شيوع الواسطة، وفساد السياسيين ومدى الحرمان من حرية الرأي والتعبير.
 
الاجتماعي – غير سياسي، دينامية تهميش المرأة
وفي النقد الذي تقوم به الحركات النسوية لهذا الفهم ولهذه الممارسة السياسية السلطوية والتي تجعل السياسة تنتمي الى ميدان العام فقط فتستبعد المرأة بسبب من ذلك، يرفع شعار “كل ما هو شخصي هو سياسي” ويقصد بذلك ان يُوسّع العالم السياسي بحيث يشمل الاجتماعي والشخصي وذلك في محاولة لجعل الاهتمامات التقليدية للمرأة كجزء من السياسي و ليس خارجة عنه. فالحاجة الى مدرسة للطفل هي شأن سياسي كما أن تطبيب الطفل، والكهرباء المقطوعة ومياه الشفة أيضاً، كلها شأن سياسي. وكذلك القوانين المتعلقة بالأحوال الشخصية هي شأن سياسي … وتشكل الممارسات السائدة والنظرة الضيقة إلى السياسة سبباً للتعامل مع المرأة على أنها قاصر وغير صالحة للسياسة.
للأسف هناك عدم استقلالية في التعبير عن الرأي في بلادنا، للقطاع الأهلي تجاه القطاع الرسمي. ويعمق هذا الاتجاه التفريق الحاصل بين الحق بالممارسة السياسية من ناحية وبين العمل الاجتماعي من ناحية أخرى، وذلك من أجل التضييق على حرية العمل السياسي والاجتماعي وقمعهما معاً. فالكثير من القوانين في بلادنا يشترط على الجمعيات الأهلية ذات الطابع النسائي والاجتماعي عدم التدخل في السياسة، أو في الأمور السياسية وهذا ما يقف “حائلاً قانونياً” أمام المشاركات في ندوات مماثلة من التعبير عن رأيهن. هذا الامر يسبب خللاً على مستوى مشاركة المرأة، فيجعل نشاطها محصوراً بالشأن الاجتماعي المبعد حكماً عن كل ما هو سياسي. إن المعنى المعطى للسياسة يجعلها مفصولة عن المجتمع المدني وعن العمل الاجتماعي والأهلي، فيجعلها حكراً على طبقة سياسية ضيقة وأسر حاكمة معدودة تتوارثها وتجعل منها حرفتها.

المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها