عباس الحلبي

الأثنين ١٥ حزيران ٢٠٢٠ - 12:19

المصدر: صوت لبنان

إلى متى سياسة الإفلات من العقاب؟

نجحَ أفرادُ السلطةِ في تحويلِ الإهتمام عن المطالب الموجهة ضدهم بإستعادةِ الأموال المنهوبة ومحاكمة الفاسدين وإجراء الإصلاحات نجحوا في تحويله إلى فتنة مذهبية بين السنة والشيعة من جهة ومواجهة أخرى طائفية مسيحية إسلامية والمفارقة في نفس المحور الذي يشكّل ذاكرة بشعة في وجدانِ اللبنانيين بين عين الرمانة والشياح.

برافو على اللبنانيين الذين ثَبُتَ أنهم لَم يتعلموا شيئا” من الحروب العبثية التي خاضوها والمواجهات العقيمة التي تفننوا بها في تسعير الصراع المذهبي والطائفي. وفي هذا الإحتقان ضاعت مطالِب الإنتفاضة المعلنة في إستعادةِ الكرامة وضمان الحقوق وتأمين مستلزمات المعيشة مأكلاً ودواء وإستشفاء وتربية. كلُ ذلك ولساعات طَواه النسيان فإستعادت الفتنة ديناميكيتها خصوصاً وانها تخدم أهل السلطة الذين لا هَمَّ لهم إلاّ البقاء ممسكين برِقاب البلاد والعِباد حتى ولو إحترق البلد ويصفّق لهم الشبيحة والأزلام والمحاسيب الذين زرعوهم في إدارات الدولة وفي الأزقة والشوارع وفي كل مكان وهم جاهزون لخلع ثوب الفتنة والإنضمام إلى الثورة المطلبية في مشهد غير واقعي وفي عملية غشّ وقحة وفاقعة لو لم يكن وراء ذلك رأس حاكم مصرف لبنان. وبينما تأخذ الفتنة منحى السب والشتائم لأن لغة الحوار تعطَّلَت ولغة العقل سَقَطَت رأينا وبمفارقة لافتة وفي نفس الوقت جمعة مباركة في الجبل في إحدى قرى الشوف الوادعة الفوارة حيث إلتقت مجموعات من المسيحيين والدروز والمسلمين وقيادات دينية وسياسية وحزبية جرى فيها التأكيد على أواصر العلاقة الطيبة التي تربط أهل الجبل بعضهم ببعض والتمسك بالمصالحة التاريخية التي أرساها البطريرك الراحل نصرالله صفير ونبذ مَن يغذي الصراع في الإذاعة أو إطلاق المواقف التي تحض على الفتنة والكراهية من الموتورين حتى لا تتكرر مآسي التاريخ.

صورتان مختلفتان الأولى في بيروت والضواحي تثير الإشمئزاز والخوف وتستحضر شياطين الماضي البغيض والثانية في الجبل تثير الأمل والرجاء بأنَّ أهل الخير في هذا البلد لا يزالون على فاعليتهم وهم الأكثرية وأنَّ أهل الشر سوف لَن ينجحوا في مسعاهم لِتخريب السلم الأهلي والقضاء على العيش الواحد بما يشكّل خطرا” وجوديا” على لبنان الكيان والدولة والوحدة الوطنية. 

غياب الأجهزة القضائية والأمنية عن ملاحقة مسببي الفتنة المتنقلة في الخندق الغميق والشياح وعين الرمانة والطريق الجديدة ووطى المصيطبة وساقية الجنزير وبربور وسواها من المناطق يشجع على تكرار مثل هذه الأحداث. لا يكفي توقيف هؤلاء وسوقهم إلى القضاء للحجر عليهم والتخفيف من حماستهم ومعاقبتهم ولكن الأهم هو ملاحقة المحرضين الذين لعبوا الدور القذر في الحض على السب والشتم وإيقاظ الفتنة المذهبية والطائفية وجر البلاد إلى الحرب الأهلية من جديد. 

لماذا لا يحاكم المخربون وتتوقف سياسة الإفلات من العقاب. كما يجري على الساحة المالية وكأن ضبط أسعار الدولار يكون بإجراء أمني فقط من هنا ضرورة مساءلة الحكومة والعهد عن سياستهما التي أفقدَت لبنان الثقة نتيجة الأحقاد ضد مصرف لبنان والقطاع المصرفي وهما يمعنان في ضرب الإقتصاد والقطاعات الإنتاجية بالسياسات الفاشلة والخطط العقيمة التي تُضيع الأرقام لحماية الفاسدين السارقين. وهذا إنجاز يحسب لهما فوق الإنهيارات. فإلى متى سياسة الإفلات من العقاب؟

 

المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها