عباس الحلبي

الأثنين ٢٧ تموز ٢٠٢٠ - 12:49

المصدر: صوت لبنان

الأزمة الحالية أبعد بكثير من أن تُحصَر بأزمة إقتصادية

تستمر فكرة الحياد التي طرحها البطريرك الماروني بشارة الراعي بالتفاعل وتلقي التأييد من جهة وردود الفعل السلبية من جهة أخرى. وأبرز المحطات التي لَم تعرها وسائل الإعلام الأهمية اللازمة ما نُقِلَ عن المفتي الجعفري الذي لوَّح بأكثرية والمارد الذي يصعب إعادته إلى القمقم .

تعتور المواقف المؤيدة لطرح البطريرك عيوب كثيرة منها محاولات الإلتفاف عليه بالدعوة إلى التحييد، ومنها الخروج عن وثيقة الوفاق الوطني، ومنها خصوصاً الدعوة إلى الفدرلة أو التقسيم. 

أما المواقف المعارضة والمنددة دون مراعاة عمن صدر عنه الطرح المذكور وهذا أمر مُخجِل في أدبيات التعاطي بين اللبنانيين فإن هذه المواقف المعارضة تلوِّح هي بدورها بالهيمنة وإلزام سائر اللبنانيين الذين لا يشاركونهم الرأي الخضوع لمنطق العدد والقوة. 

رحِمَ الله رفيق الحريري ونحن على عتبة صدور الحكم في إغتياله هو ورفاقه عندما أعلن عن التنازل عن العد مراعاة للشريك المسيحي. أفلا يعرف من يثير هذا الموضوع أنه سيخسر حتى حلفاءَه الذين غطوا الممارسات الخشنة في السيطرة على الدولة ومفاصلها. 

تدرج البطريرك في مواقفه بعد العظة الشهيرة إلى أحياناً حتى الإبتعاد عن إتفاق الطائف في إضفاء السند الشرعي لمطالبته بالحياد وكما أن بعض الأوساط المعارضة حَصَرَت طلب البطريرك بهذا الحياد لِتصوِّب ضده وأغفلت عمداً سائر البنود التي وَرَدَت في العظة الشهيرة فهي أتت للتذكير على ثلاثة محاور: الأول هو مطالبة الرئيس بِفَك أسر الشرعية وثانياً تطبيق القرارات الدولية وثالثاً الحياد. 

تقضي المصلحة الوطنية التمسك بالبنود الثلاثة مجتمعة ولكن بإسناد هذه المفاهيم إلى وثيقة الوفاق الوطني وهي العقد الإجتماعي والسياسي الوحيد الذي لا يزال يربط اللبنانيين بالرغم من محاولات البعض في الإلتفاف أو التخلي دون إحتساب تعذر توافق اللبنانيين على أي إتفاق في ظل الإنقسامات الحادة لا سيما التدخلات الإقليمية التي تغذي هذه الإنقسامات. 

وهذا ما بيَّنه البروفسور أنطوان مسرَّة في دراسته المنشورة في جريدة النهار ومِن هنا أيضاً أهمية أن تكون هذه الأمور مطروحةً للنقاش الوطني والحوار العقلاني خصوصاً بعدما لاح الدعم الدولي من خلال موقف وزير الخارجية الفرنسي.

يتساءَل البعض هل أن المواقف التي يتمّ تداولها وترويجها في بعض وسائل التواصل إيذاناً بتغيير وجه لبنان ذي الخصوصية التي شكَّلَت مبرر وجوده وإستمراره كواحة عيش مشترك وحوار للأديان والثقافات أم مدخلاً لسيطرة إيديولوجية مذهبية اقصائية تستعمل السلاح لِكَمّ الأصوات وتُفَشِّل الدولة وتفلس القطاعات بحيث يتحول الشعب اللبناني شعباً متسولاً على أبواب السفارات.

الأزمة الحالية أبعد بكثير من أن تُحصَر بأزمة إقتصادية: إنها أزمة وجود لبنان ومصيره والمسيحيون قبل غيرهم مدعوون للتنبّه بأن تراثهم آيل إلى الإندثار وأنه لا تستحق التضحية بلبنان للوصول إلى كرسي الرئاسة. فهل يعي المغامرون والمقامرون بالوطن؟  

في هذا الجو المحموم وقفة روحية إذ يحل الأضحى ونحن في عشوره وهو عيد التضحية ليعيد التذكير للمسؤولين أولاً وللمتحمسين غير الفاهمين لمخاطر إلغاء أسباب إستمرار البلد كما يرغبه اللبنانيون بأهمية التضحية بالمصالح الذاتية والطائفية لصالح المصلحة الوطنية الواحدة. 

لبنان يتسع لجميع أبنائه لماذا تعملون على تدميره!

المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها