الجمعة ١٥ أيار ٢٠٢٠ - 13:49

المصدر: المركز اللبناني للدراسات

الإنصاف ومواءمة الحوافز: شرطان أساسيان لاسترداد قيمة الودائع

كيف يكون التوزيع “العادل” للخسائر في بلد على شفير الانهيار؟

يحتمل هذا السؤال أكثر من جواب واحد، لكنّه يعتمد على الظروف إلى حدّ كبير، وهو سؤال فلسفيّ واجتماعيّ بقدر ما هو اقتصاديّ. يواجه لبنان خسائر كارثيّة، والقرارات التي نتّخذها اليوم ستحدّد مصير الجيل التالي. تتراوح تقديراتنا للخسائر بين 80 و100 مليار دولار، أي أعلى من التقديرات المذكورة في الخطة الحكومية. وما من وسيلة معقولة يمكن اللجوء إليها للحؤول دون تكبّد المودعين  الجزء الأكبر من هذه الخسائر. إنّه واقع يتعيّن علينا نحن وصانعي القرار تقبّله والاعتراف به، وكلّما فعلنا ذلك أبكر كان السبيل إلى التعافي أسرع.

وإذا لم يتمّ إخراج هذه الودائع الكبيرة من النظام المصرفيّ وتوظيفها في أدوات لاسترداد القيمة، لن يتحقق التعافي الاقتصاديّ وسيصبح النظام المصرفيّ مشلولاً وستنخفض قيمة الليرة اللبنانيّة بسرعة مقابل الدولار وسيتسارع تضخم الأسعار وسيتكبد كلّ من المودعين والأفراد غير المتعاملين مع المصارف خسائر أكبر.

في الواقع، تتطلب الأزمة اللبنانية استجابة وطنية سريعة وموحّدة. فقد انحرفت الخطابات العامة عن المسار الصحيح بدلاً من أن تركّز على معالجة مسألة توزيع الخسائر وإيجاد جواب للسؤال الآتي: كيف نمكّن بعض المودعين، الذين يتمّ اختيارهم استناداً إلى معايير موضوعية، من استرجاع ودائعهم على المدى البعيد بطريقة عادلة ومنصفة لا تعيق عملية التعافي الاقتصادي بل تدعمها وتحفّزها؟

تركّز هذه المقالة على المودعين الذين سيتأثرون بطريقة مباشرة بإعادة رسملة النظام المصرفيّ والذين تبلغ نسبتهم 2%، وفقاً لرئيس الحكومة حسان دياب. لكنّ القرارات التي تُتّخذ في ما يخصّ هؤلاء المودعين ستكون لها تداعيات على النسبة المتبقية من المودعين (98%)، وذلك بطريقة مباشرة بسبب تأثيرها على القيمة الحقيقية لليرة اللبنانية وبطريقة غير مباشرة من خلال الأثر الإجماليّ على الاقتصاد. فمن المستبعد أن يتمكن 98% من المودعين من استرداد ودائعهم بالدولار نظراً إلى قلّة السيولة بالدولار لدى المصارف. وبغية حماية هؤلاء المودعين، أكانت حساباتهم بالدولار أو بالليرة – ينبغي المحافظة على القيمة الحقيقية أو القوة الشرائية لأموالهم بالليرة بما أنّها الوسيلة الوحيدة لحمايتهم من “الهيركات”، كما وعد رئيس الحكومة حسان دياب. وتصبّ القرارات المتعلقة بالنسبة الأخرى من المودعين (2%) في صلب هذا الموضوع.

ممّا لا شكّ فيه أنّ معظم الخسائر المباشرة سيتحملّها 2% من المودعين، أي الشريحة الميسورة في المجتمع، وذلك بسبب حجم الخسائر وعدم المساواة في الدخل والثروة في لبنان. وقد جمع معظم هؤلاء المودعين ثرواتهم بطريقة عادلة، ومن بينهم المغتربون الذين موّلوا البلد في السنوات الثلاثين الماضية وأصحاب الشركات وروّاد الأعمال الذين يؤدون دوراً مهماً وحاسماً في التعافي الاقتصاديّ في أيّ ظرف كان. وبالتالي، ينبغي أن يبقى دور هذه الشريحة فاعلاً في عملية التعافي، ويمكن تحفيز ذلك من خلال تمكينها من استرداد قيمة ودائعها عند تحقيق ازدهار اقتصاديّ مستدام.

لكنّ الواقع المؤسف هو أنّ مصادر الأموال التي يمكن استخدامها في المستقبل لاسترداد القيمة نادرة، حتّى لو شهد لبنان انتعاشاً اقتصادياَ أو تدفقات جديدة للعملة الأجنبية. في جميع الأحوال، ينبغي أن تكون التوقعات واقعية. فالخسائر ضخمة ومن المستبعد أن يتمكن المودعون من استرداد قيمة أموالهم بالكامل (ومن المرجّح أن يستغرق استرداد قيمة الودائع جزئياَ بعض الوقت)، لكن ما من خيارات أخرى.

شروط تقاسم الأرباح العامة

إذا استثنينا خيار الإنقاذ الداخلي (bail-in) من خلال استبدال الودائع بأسهم مصرفية، يبقى الخيار المعقول الوحيد لإعادة الأموال إلى المودعين نقل الثروة من الشريحة الأكثر فقراً في المجتمع إلى الشريحة الأكثر ثراءً. وعندما ننظر إلى المصادر الأساسية لهذه الأموال، نتوصل إلى مصدرين اثنين فقط هما الحكومة ومصرف لبنان.

إن أصول وأرباح مصرف لبنان والشركات المملوكة للدولة (والتي سأسمّيها الأرباح العامة) هي ملكٌ للشعب اللبنانيّ بأكمله، وليست لشخص أو مودع معيّن. وبالتالي، فإنّ نقل الثروة من المودعين الأكثر فقراً إلى المودعين الأكثر ثراءً هو خطوة غير مبرّرة أخلاقياً في بلد تبلغ نسبة الفقر فيه 50% ويسجل تفاوتاً كبيراً في الثروة وتصل نسبة سكانه الذين لا يملكون حساباً مصرفياً إلى 50%.

لكنّ الهدف المطلق المتوخّى من إعادة الرسملة المصرفية هو تمهيد الطريق لنموذج اقتصاديّ مستدام يتشارك فيه جميع أفراد المجتمع الثروة الوطنية. وفي حال وقع عبء الخسائر على المغتربين والمودعين الأثرياء دون سواهم، قد يتردد هؤلاء في الاستمرار في المساهمة في الاقتصاد، ما قد يعيق عملية التعافي.

وإذا كان تشارك الأرباح العامة المستقبلية مع هؤلاء المودعين – لتعويض جزء من الخسائر التي يتحملونها اليوم – يحفّزهم على الاستمرار في المساهمة في الاقتصاد والضغط على الحكومات اللاحقة لاعتماد سياسات اقتصادية مستدامة، فقد يصبح تشارك الأرباح العامة معهم مبرراً من الناحية الأخلاقية وقد يعود بالنفع على جميع أفراد المجتمع.

وبالتالي، لا بدّ من فرض شروط صارمة لتحديد كيفية تشارك الأرباح العامة ومتى ومع مَن، حرصاً على تحفيز هؤلاء المودعين. ويجب أن تستند هذه الشروط إلى ما يلي:

  1.  ينبغي تزويد المودعين الذين جمعوا ثرواتهم بطريقة نزيهة بإمكانية استرداد قيمة ودائعهم من خلال الأرباح العامة في المستقبل. فمن شأن ذلك أن يسمح لبعض المودعين، بمن فيهم رجال الأعمال والمغتربون وروّاد الأعمال الذين موّلوا لبنان في السنوات العشرة الماضية والذين يؤدون دوراً مهماً في التعافي الاقتصاديّ في أيّ ظرف كان، بالاستمرار في الاضطلاع بدور فاعل في عملية التعافي. وينبغي اعتماد مجموعة من المعايير الموضوعية (استناداً إلى مصدر الثروة وحجمها، إلخ.) لتحديد المودعين الذين يمكنهم استرجاع أموالهم ولتحديد المبالغ القابلة للاسترجاع. وسيتطلب ذلك التدقيق بشكل مستقلّ في الحسابات التي تتخطى سقفاً معيناً لتحديد ما إذا كان مصدر الثروة مشروعاً أو غير مشروع قبل السماح لأصحاب الحسابات بالمشاركة.

  1.  لا ينبغي تفعيل تشارك الثروات العامة إلا بعد تحقيق مقاييس اقتصادية واجتماعية محددة تدلّ على تعافٍ اقتصاديّ مستدام وواسع النطاق.

  1.  ينبغي أن تكون نسبة الأرباح العامة التي يمكن تشاركها محدودة.

  1.  ينبغي أن يكون استرداد القيمة مرهوناً بسقف محدد أيضاَ وأن تكون مدّته محدودة.

  1.  يجب تطبيق الشفافية القصوى في ما يتعلق بإدارة وأداء الجهات التي تحقق هذه الأرباح العامة.

إنّ استخدام الأرباح العامة، التي هي في النهاية ملكٌ لجميع اللبنانيين بالتساوي، لتعويض خسائر بعض كبار المودعين، خارج هذا الإطار الصارم أو خارج أيّ إطار آخر مصمّم للغايات نفسها، هو أمر غير مبرّر.

سيتناول القسم المتبقّي من هذه المقالة الطرق المختلفة لإعادة رسملة المصارف، بالإضافة إلى مصادر استرداد القيمة التي تمّت مناقشتها علناً:

  1.  تدفقات العملة الأجنبية الواردة إلى الاقتصاد أو مصرف لبنان في المستقبل
  2.  أرباح مصرف لبنان المستقبلية
  3.  نقل أصول الدولة إلى كبار المودعين والمصارف
  4.  الأرباح المستقبلية للشركات المملوكة للدولة
  5.  استعادة الأموال المنهوبة أو الفاسدة
  6.  تجميد الودائع لفترة من الزمن
  7.  تحويل الودائع بالدولار إلى الليرة

تدفقات العملة الأجنبية الواردة إلى الاقتصاد أو مصرف لبنان في المستقبل

لتحقيق الاستدامة الاقتصادية، لا بدّ من تلبية احتياجات لبنان المستقبلية من التمويل الخارجيّ في المستقبل (مثلاً، من أجل دفع تكاليف الواردات) من خلال تدفق العملة الأجنبية بشكل مستمرّ. في الماضي، كان لبنان يحصل على التمويل الخارجيّ من تدفق الودائع بالعملة الأجنبية في الدرجة الأولى. لكنّ هيكلية التمويل هذه انهارت الآن ولم يعد بإمكان لبنان اقتراض الأموال من المودعين لدفع تكاليف الواردات والنفقات الأخرى بالعملة الأجنبية.

وينبغي أن تتأتى معظم التدفقات بالدولار في المستقبل عن مصادر مستدامة، كعائدات الصادرات والاستثمارات الأجنبية المباشرة والحوالات المالية. هل يمكن استعمال تدفقات العملة الأجنبية هذه لتغطية خسائر المودعين؟ ثمّة تصوّر خاطئ بين عامة الناس بشأن هذا الموضوع.

في الواقع، يتّجه لبنان نحو إلغاء الدولرة de-dollarization أي الاعتماد على العملة المحلية في المعاملات الداخلية بدلاً من الدولار، ويشمل ذلك عملة الودائع المصرفية. ويُعتبر هذا التطوّر إيجابياً بشكل عامّ بما أنّ عدم تطابق العملة الأجنبية في لبنان (أي الفرق بين الأصول بالعملة الأجنبية والالتزامات بالعملة الأجنبية) بات كبيراً جداً وبالتالي غير مستدام، وهذا أحد الأسباب الرئيسية للأزمة المالية الحالية. وبغية تفادي تكرّر هذه الأزمة في المستقبل، ينبغي تحويل القسم الأكبر من الدولارات التي تتدفّق إلى الاقتصاد المحليّ إلى الليرة من أجل استعماله في المعاملات المحلية. هذا ما يسمّى إلغاء الدولرة.

وإذا بدأ الاقتصاد في المستقبل يشهد تدفقات كبيرة بالعملة الأجنبية من هذه المصادر المستدامة، وأصبح ميزان المدفوعات – أي الفرق بين تدفقات العملة الأجنبية الواردة والصادرة – إيجابياً، ستباع هذه التدفقات المقوّمة بالدولار لمصرف لبنان مقابل الليرة ثمّ ستُستعمل في الاستثمارات وغيرها من المعاملات المحلية.

وعندما يشتري مصرف لبنان هذه الدولارات، تصبح هذه الأخيرة أصولاً في ميزانيته العمومية، لكنّ التزاماتاً جديدة تنشأ في المقابل بما أنّ مصرف لبنان يضطرّ إلى إصدار أوراق جديدة بالليرة اللبنانية ليتمكن من شراء الدولار. وفي هذه الحالة، يتساوى رصيد الميزانية العمومية لمصرف لبنان بما أنّ الأصول الجديدة بالدولار تقابلها التزامات جديدة بالليرة (أي الأوراق الجديدة التي يصدرها المصرف المركزيّ بالليرة لشراء الدولار) بالقيمة نفسها.

وفيما تشكّل هذه الدولارات الجديدة مصدراً مستداماً للاحتياطيات الأجنبية، لا يمكن استعمالها لتعويض خسائر المودعين لأنّ ذلك يؤدي إلى خسارة جديدة في الميزانية العمومية لمصرف لبنان. لقد أشرنا سابقاً إلى تساوي رصيد الميزانية العمومية لمصرف لبنان بعد شرائه الدولارات الجديدة. وإذا تمّ تحويل جزء من هذه الدولارات لتعويض خسائر المودعين، ستنخفض أصول مصرف لبنان فيما ستبقى التزاماته بالليرة اللبنانية على حالها. بتعبير أبسط، ستؤدي هذه الخسارة إلى مزيد من التراجع في قيمة الليرة مقابل الدولار بما أنّ هذه الطريقة هي الوسيلة المنطقية الوحيدة لخفض قيمة التزامات مصرف لبنان من أجل تعويض الخسائر في أصوله.

إنّ أثر الخسائر المستمرة وطويلة الأجل التي يتكبّدها مصرف لبنان في هذه الحالة على السياسة النقدية وعلى صحة الاقتصاد ليس مستداماً، وهذا هو في الواقع أحد أسباب الأزمة التي نشهدها حالياً. ومن غير المنطقيّ معالجة المشكلة الحالية باللجوء إلى الأدوات نفسها التي تسببت في نشوء الأزمة. وبالتالي، لا يمكن استعمال التدفقات المستقبلية بالدولار، وإن كانت من مصادر مستدامة تشير إلى تعافٍ اقتصاديّ سليم ومستدام، لتعويض خسائر المودعين.

ويفسّر هذا الأمر، إلى جانب القسم أدناه الذي يتناول أرباح مصرف لبنان، لماذا يستحيل على مصرف لبنان استرداد خسائره بالعملة الأجنبية في ميزانيته العمومية ولماذا يُعتبر تبريره لموقفه بشأن قابلية استرداد هذه الخسائر غير ملائم على الإطلاق. فالواقع هو أنّ هذه الخسائر غير قابلة للاسترداد، لا الآن ولا لاحقاً.

أرباح مصرف لبنان المستقبلية

يحقّق مصرف لبنان، كغيره من المصارف المركزية، أرباحاً من أصوله، كالدولارات التي يشتريها كما أشرنا أعلاه، وتتأتى هذه الأرباح عن الاستثمارات التي يقوم بها. على سبيل المثال، غالباً ما تستثمر المصارف المركزية احتياطياتها المقوّمة بالعملات الأجنبية في سندات الخزينة الأميركية وتحقق عائداً صغيراً على هذه الاستثمارات. وينطبق الأمر نفسه على أصول مصرف لبنان المقوّمة بالليرة.

في هذه الحالة، يحقّق مصرف لبنان أرباحاً ولا تتصل هذه الأرباح بأيّ التزامات، بل ينجم عنها زيادة في رأس المال. وبموجب القانون الحاليّ، تحصل الخزينة اللبنانية على حصة محددة من الأرباح في حال تخطيها سقفاً معيناً. بتعبير آخر، إنّ هذه الأموال ليست تدفقات العملة الأجنبية التي ذكرناها أعلاه، بل الأرباح المحقّقة من هذه التدفقات.

وقد يحفّز تشارك هذه الأرباح مع المودعين الدولة على إعطاء القطاعات الرئيسية الأولوية في مجال التصدير، ما يساهم في جذب التمويل لتحقيق المكاسب بدلاً من تمويل الموازنة المتضخمة أو الاستثمارات العقارية غير المثمرة، كما كانت الحال في الماضي. ويتيح تشارك الأرباح مع المودعين أيضاً انتقال الوظائف من قطاع التجزئة والقطاع العقاريّ الاستهلاكيّين المتخومين إلى مجالات مثمرة تتطلب مهارات عالية، لكنّه قد يدفع مصرف لبنان إلى المجازفة أكثر في استعمال احتياطياته بالعملة الأجنبية لتحقيق أرباح أكبر من أجل تقاسمها مع المودعين. وينبغي معالجة هذه المسألة بفرض شروط صارمة تحدّد أنواع الأدوات التي يحقّ لمصرف لبنان استخدامها للاستثمار في احتياطياته بالعملة الأجنبية.

ومع أنّ حجم هذه العائدات سيكون صغيراً في أيّ سيناريو منطقيّ، إلا أنّها تشكل مصدراً محتملاً للأموال التي يمكن استعمالها جزئياً لتعويض خسائر المودعين. لكنّ أرباح مصرف لبنان هي أرباح عامّة تعود ملكيتها في نهاية المطاف إلى الشعب اللبنانيّ بأكمله، وبالتالي ينبغي أن يخضع تشارك هذه الأرباح للشروط الصارمة نفسها المطبّقة على تشارك الأرباح العامة.

نقل أصول الدولة إلى كبار المودعين والمصارف

من الخيارات الأخرى المقترحة نقل أصول الدولة، بما في ذلك طيران الشرق الأوسط وكازينو لبنان والأملاك العامة وشركات “أوجيرو” و”ألفا” و”تاتش” وإدارة حصر التبغ والتنباك وكهرباء لبنان، إلى المودعين الذي يتكبدون خسائر اليوم. وبغضّ النظر عن الهيكلية التجارية المقترحة (كالملكية المباشرة أو امتلاك أسهم في شركة تلغي التزام الإيداع من الميزانيات العمومية للبنوك Defeasance Company حاملة للأصول)، تقضي الفكرة المطروحة بنقل الملكية النفعية لهذه الأصول من الدولة إلى بعض المودعين و/أو المصارف.

اليوم، يملك المواطنون اللبنانيون جميعهم أصول الدولة بالتساوي، بمن فيهم المواطنون الذي ليست لديهم حسابات مصرفية. ويبرز في لبنان تفاوت هائل في الثروات والمداخيل، ويعكس توزيع الودائع هذا الواقع.

وبالتالي، فإنّ نقل أصول الدولة إلى المصارف وبعض المودعين الأثرياء هو فعلياً بمثابة إنقاذ لكبار المودعين و/أو حاملي الأسهم المصرفية من قبل أفراد المجتمع الأكثر فقراً. وهذه الخطوة غير مبرّرة، ولا سيّما اليوم في ظلّ ارتفاع نسبة الفقر وانهيار الوضع الاقتصاديّ وصعوبة تقييم هذه الأصول.

وستؤدي هذه الأصول دوراً مهماً في تحقيق النموّ الاقتصاديّ في المستقبل – عبر تمويل الاستثمارات الرأسمالية الضرورية – وفي دعم شبكة الأمان الاجتماعيّ التي يُعتبر لبنان في أمسّ الحاجة إليها. فأصول الدولة تولّد إيرادات للخزينة بقيمة 3 مليارات دولار تقريباً كلّ سنة. ومع أنّ هذا الرقم صغير مقارنةً بحجم الخسائر التي يواجهها المودعون (بغية استيعاب حجم الخسائر وصعوبة استرداد القيمة، يجب مقارنة الثلاثة ملايين دولار هذه بالودائع المصرفية البالغة قيمتها 155 مليار دولار)، إلا أنّ المجتمع سيتضرّر إلى حدّ كبير إذا قررت الدولة التخلي عن هذه الأموال على الرغم من الفساد المستشري وسوء الإدارة على كلّ الأصعدة في الحكومة اللبنانية. ولا ينبغي معالجة مشكلة الفساد وسوء الإدارة على حساب المواطنين الأكثر فقراً من خلال حرمانهم من مصدر تمويل للدعم الاجتماعيّ، بل ينبغي معالجتها عن طريق الشفافية والمساءلة.

فالحكومات ليست كالشركات، بل عليها أن تعمل من أجل المصلحة العامة. والديون السيادية ليست كديون الشركات أي إنّ الحكومات لا تقوم بتصفية نفسها من أجل تسديد ديونها أو ديون هيئات حكومية أخرى مستقلة، كالمصرف المركزيّ. المطلوب من الحكومات هو تنفيذ إصلاحات اقتصادية لتحقيق إيرادات ضريبية يمكن الاستفادة منها لتسديد الديون. بالإضافة إلى ذلك، تفرض القيود المجتمعية طريقة تصرّف معيّنة على الحكومات. فما المنفعة التي يجنيها الدائنون إذا وافقت الحكومة على بيع أصولها لتسديد جزء صغير من ديونها وكانت النتيجة دولة مشلولة واضطرابات اجتماعية تلحق الضرر بالاقتصاد؟

ومن المستبعد أيضاً أن يوافق حاملو السندات الأجانب، الذين تجري الحكومة معهم محادثات حول إعادة الهيكلة، على تخلي الدولة عن أصولها لصالح دائنين آخرين أو أطراف أخرى من دون تشارك العائدات. فحاملو السندات ينظرون أيضاً إلى هذه المسألة من منطلق العدل والإنصاف. وفي حال عدم معالجة التعثّر واستمرار المفاوضات مع حاملي السندات لفترة طويلة، سيتأثّر التعافي الاقتصاديّ بشكل سلبيّ بسبب بقاء لبنان خارج أسواق رأس المال لفترة إضافية.

وإنّ نقل ملكية هذه الأصول بشكل مباشر من الدولة إلى المصارف وكبار المودعين يخالف شروط التشارك العادل والمنصف للأعباء و”مواءمة الحوافز” المشار إليها في بداية هذه المقالة.

الأرباح المستقبلية للشركات المملوكة للدولة

ثمّة خيار آخر أقلّ حدّة يتمثّل باستخدام أرباح الشركات المملوكة للدولة لفترة معينة من الزمن من أجل تعويض خسائر المودعين جزئياَ استناداً إلى الشروط الصارمة التي ترعى تشارك الأرباح العامة. لكنّ الملكية المطلقة تبقى في يد الدولة.

إنّ تشارك أيّ جزء من إيرادات الشركات المملوكة للدولة هو خطوة غير أخلاقية. فلنكن واضحين في هذا الشأن. فهذه الأموال هي ملك للشعب ولا يجوز استعمالها لإنقاذ أصحاب الأسهم المصرفية وكبار المودعين الذين ليست ودائعهم مضمونة بأصول الدولة بل يغطيها ضمان الودائع ليس إلا.

لكن قد يكون تشارك جزء من هذه الإيرادات بموجب شروط صارمة مبرَّراً في حالات معينة. فتشارك جزء من هذه الأرباح العامة مع مجموعة مختارة من المودعين – على ألا يكون الهدف أبداً تعويض خسائر أصحاب الأسهم المصرفية – وبعد استيفاء الشروط كلّها قد يحفّز الحكومة على إعادة هيكلة هذه الأصول وإدارتها بفعالية بسبب تعرّضها لضغوط كبيرة من شرائح مجتمعية مختلفة.

ونظراً إلى أنّ مدّة تشارك الأرباح المحتمل هذا محدودة، قد تشعر الحكومة بالضغط لتنفيذ إصلاحات عاجلة. ومع أنّ تشارك الأرباح العامة سيكون مع شريحة محدودة من المودعين الأثرياء إلا أنّ الشعب اللبنانيّ قد يستفيد على المدى البعيد من تأدية الشركات المملوكة للدولة وظائفها بفعالية.

ويمكن تحقيق ذلك بطرق متعددة، لكنّ الشفافية والحوكمة هما العنصران الأكثر أهمية. فيمكن أن تنقل الدولة الأصول المختارة إلى كيان تجاريّ يديره طرف خارجيّ مستقلّ وأن يقوم طرف خارجيّ مستقلّ آخر بالتدقيق أكثر في كلّ أصل من هذه الأصول.

استعادة الأموال المنهوبة أو الفاسدة

في حال تمكّنت الحكومة من استعادة الأموال المكتسبة بشكل غير مشروع، تكون هذه الأموال أيضاً ملكاً لجميع اللبنانيين وليس لبعض المودعين فقط. وينبغي اعتبار هذه الأموال أرباحاً عامة، تماماً كأرباح مصرف لبنان أو الشركات المملوكة للدولة.

لكن، في حال استيفاء الشروط نفسها التي ترعى تشارك الأرباح العامة، قد يؤدي تشارك جزء من هذه الأموال إلى تحفيز الحكومة على السعي إلى استعادتها نتيجة الضغوط التي قد تمارسها عليها بعض الشرائح المجتمعية. في هذه الحالة، تطغى المنافع التي قد يجنيها المجتمع اللبنانيّ من تشارك هذه الأرباح على الأضرار.

لكن لا يجوز التعامل مع استرداد الأصول المنهوبة أو الفاسدة كترياق لاسترداد القيمة، كما تروّج وسائل الإعلام والأحزاب السياسية اليوم. فاسترداد الأموال المنهوبة سيستتبع على الأرجح إجراءات قانونية مطوّلة ومن المستبعد أن يولّد عائدات كبيرة.

الإنقاذ الداخليّ (bail-in) من خلال استبدال الودائع بأسهم

تضمنت الخطة الحكومية اقتراحاً يقضي بإنقاذ المصارف من خلال تحويل أموال المودعين إلى أسهم في المصارف المفلسة. ويستردّ هؤلاء المودعون قيمة أموالهم من الأرباح المصرفية المستقبلية أو من خلال بيع أسهمهم إلى مستثمرين. وعندما تتمّ تسوية الميزانيات العمومية للمصارف ويبدأ الاقتصاد بالتعافي، يتوقَّع أن تبدأ المصارف بتحقيق الأرباح مجدداً وسيكون المودعون الذين ساهموا في إنقاذها أوّل المستفيدين من هذه الأرباح.

من حسنات هذا النهج المقترح أنّه يؤدي إلى شطب هذه الالتزامات المرتبطة بالودائع من الميزانيات العمومية للمصارف من دون الحاجة إلى استيفاء الشروط الصارمة لتشارك الأرباح العامة. فمن المستبعد أن تتمكن المصارف من الوفاء بهذه الالتزامات إن على المدى القريب أو البعيد. وإذا بقيت هذه الالتزامات ضمن الميزانيات العمومية للمصارف، ستصبح المصارف مشلولة وعاجزة عن أداء وظائفها بسبب ازدياد التزاماتها يومياً نتيجة الفوائد المستحقة ولن يكون أيّ مستثمر مستعداً لإعادة رسملة هذه المصارف عن طريق الأموال الجديدة (fresh money).

وتُعتبر إعادة رسملة المصارف من خلال الأموال الجديدة خطوة ضرورية لاستئناف النشاط الاقتصاديّ، علماً أنّ المصارف لن تتمكن من دون هذه الخطوة من استعادة دورها كوسيط ماليّ. وينبغي إزالة هذه الودائع من النظام المصرفيّ لإطلاق عجلة التعافي الاقتصاديّ.

من بين كلّ الآليات التي تطرقت إليها هذه المقالة، تُعتبر هذه الأداة الأكثر إنصافاً من أجل تعويض المودعين بما أنها لا تنتهك حقوق الشرائح المجتمعية الأخرى. فقد جرت العادة أن يتحمل أصحاب الأسهم في المصارف المفلسة الخسائر قبل المودعين، وينبغي أن يكون هذا الهدف الأول لتوزيع الخسائر.

خلال الأشهر الماضية، اقترحت بعض المصارف على عملائها إنقاذها داخلياً من خلال تحويل ودائعهم إلى أدوات غير الأسهم، كسندات قابلة للتحويل أو أسهم ممتازة. لكنّ هذه العروض تنتهك حقوق هؤلاء المودعين من خلال تحويل ودائعهم إلى أدوات شبيهة بالأسهم غير التصويتيه قد تستمرّ في كسب فوائد تعجز المصارف عن تسديدها. وفي حال أشهر المصرف إفلاسه – وهو سيناريو محتمل في ظلّ غياب إعادة الهيكلة وإعادة الرسملة الشاملة للمصارف – قد تتكبد هذه الأدوات خسائر قبل الودائع بما أنّ تصنيفها أدنى في هيكل رأس المال. وفي الواقع، يخسر هؤلاء المودعون أسبقيّتهم عندما يوافقون على عملية الإنقاذ الداخليّ الطوعية. لتفادي هذا السيناريو، ينبغي أن يتمّ الإنقاذ الداخليّ للمصارف كجزء من عملية إعادة هيكلة شاملة للقطاع المصرفيّ.

وتختلف الظروف من مصرف إلى آخر. فالمصارف التي توخّت العناية عند التصرف في أموال المودعين ينبغي أن تحصل على فرصة إعادة الهيكلة وإعادة الرسملة. أمّا المصارف الأخرى فيتوجب دمجها أو تصفيتها. ولتسهيل هذه العملية، ينبغي تكليف لجنة بالإشراف على عملية إعادة هيكلة القطاع المصرفيّ بأكملها، بما في ذلك تسوية الدين القوميّ للحدّ من الخسائر التي قد تتكبدها المصارف بسبب القروض المتعثرة وتفادي الاضطرار إلى الطلب من مالكي المنازل إخلاء منازلهم والحؤول دون إفلاس المؤسسات التجارية. فالإشراف والتنظيم يشكلان عنصرين ضروريين في المستقبل إذا أراد لبنان تفادي تكرّر الأزمة المصرفية الحالية.

تجميد الودائع لفترة من الزمن

طرح البعض اقتراحات بتجميد الودائع لفترة معنية إلى حين تعافي الاقتصاد، وذلك من خلال تجميد الودائع بحدّ ذاتها أو تحويلها إلى شهادات إيداع بفوائد تصدرها المصارف وتكون مدعومة بأصول الدولة. لكنّ تجميد الودائع لا يحلّ المشكلة التي نواجهها اليوم.

فعندما يتقّرر تحرير هذه الودائع في مرحلة لاحقة، سيكون من الضروريّ توفير مصدر تمويليّ لتسديدها، وتجميد الودائع لا يولّد أموالاً جديدة. وبالتالي، يُعتبر هذا الحلّ حلاً سطحياً لا يعالج المشكلة بالكامل، بل يؤجّلها، وقد يؤدي حتى إلى تفاقمها في حال استمرّت الفوائد على الأموال في التراكم.

ليس هناك ببساطة مصدر تمويليّ لتسديد هذه الودائع. لقد استُثمرت معظم الودائع الدولارية من قبل مصرف لبنان وإلى حدّ ما لخدمة الدين العامّ وفي القروض الحكومية المقدّمة إلى القطاع الخاص. وإنّ تجميد الودائع لفترة معينة لا يكون حلاً فعالاً إلا إذا كانت هذه الودائع غير سائلة (أي غير قابلة للتحويل إلى نقد على المدى القريب) أو عبارة عن استثمارات ضعيفة (أي منخفضة القيمة) مؤقتاً قد تستردّ قيمتها في المستقبل عندما تتحسن الأوضاع الاقتصادية.

لكنّ هذه الاستثمارات ضعيفة تماماً ولا يمكنها استرداد قيمتها لأنّها لم تُستعمل بطريقة منتجة لتحقيق عائدات مستقبلية، بل أُنفق معظمها على الاستهلاك الذي لم يولّد قيمة طويلة الأجل. وعندما أُنفقت هذه الدولارات على الاستهلاك، انعدمت إمكانية استرداد قيمتها في المستقبل. ولهذا السبب، لا يمكن أن تؤدي اقتراحات تجميد الودائع إلى حين استرداد قيمة الأصول إلى أيّ نتيجة لأن الأصول غير موجودة من الأساس.

التحول إلى الليرة اللبنانيةLirafication : المسار الأسهل والأكثر خطورة من حيث النتائج

يمكن تعويض خسائر المودعين بتحويل ودائعهم إلى الليرة. ومع أنّ تحويل الودائع إلى الليرة لا يؤدي بحدّ ذاته إلى تعويض الخسائر، إلا أنّه يتيح إمكانية إنقاذ المودعين من قبل الدولة أو مصرف لبنان بما أنّ الدولة تستطيع ببساطة إصدار أوراق جديدة بالليرة لتسديد هذه الودائع. فمن المستحيل القيام بهذه الخطوة إذا كانت الودائع مقومّة بعملة أجنبية تعجز الدولة عن إصدارها. ومن بين الاقتراحات المتمحورة حول التحول إلى الليرة اللبنانية إنقاذ المودعين أو المصارف من خلال إصدار سندات خزينة لبنانية أو السماح للمودعين بسحب ودائعهم الدولارية بالليرة اللبنانية بسعر السوق أو بالسعر الرسميّ.

يضمّ النظام المصرفيّ اللبنانيّ حوالي 115 مليار دولار من الودائع، أي ما يساوي ثلاثة أضعاف الناتج المحليّ الإجماليّ. ويتمّ تحويل هذه الودائع تدريجياً من الدولار إلى الليرة عن طريق إجراءات مصرفية مختلفة وتعميمات متتالية يصدرها مصرف لبنان وتسمح لأصحاب الحسابات المقوّمة بالدولار بسحب أموالهم بالليرة بسعر السوق لكن ضمن شروط معينة.

وفي الواقع، تمثل الوضع الراهن بتحويل هذه الودائع تدريجياً إلى الليرة اللبنانية. فهذا المسار هو الأسهل ولا يتطلب قرارات سياسية كثيرة.

لكنّ تحويل هذه الودائع إلى الليرة، وإن بنسبة صغيرة، قد يؤدي إلى تداعيات كارثية على سعر صرف الليرة مقابل الدولار كما نشهد اليوم، ولا سيّما إذا تزامن ذلك مع فقدان الناس ثقتهم بالعملة.

فضلاً عن ذلك، في ظلّ عجز مصرف لبنان عن توفير الدولار لمعظم المستوردين بسعر الصرف الرسميّ (أي 1 دولار = 1500 ليرة)، لجأ المستوردون إلى الصرّافين للحصول على الدولار بسعر السوق (أي 1 دولار = 4000 ليرة في الوقت الذي نُشرت فيه هذه المقالة). وقد أدّى انخفاض قيمة الليرة مقابل الدولار إلى ارتفاع الأسعار الاستهلاكية، وبالتالي إلى تراجع القيمة الحقيقية لليرة. وبذلك، يكون المودعون والأفراد الذين يتلقون أجورهم ويدّخرون أموالهم بالليرة اللبنانية قد خسروا 60% من قيمة أموالهم، ويمكن وصف ذلك بأنه “هيركات” تنازليّ.

ويهدف هذا النهج إلى حلّ مشكلة خسائر العملة الأجنبية لكنه يتسبب في بروز مشكلة أكبر تتمثّل بخسائر هائلة في العملة المحلية، وفي النهاية، بانهيار قيمة هذه العملة. إنّ تضخم الأسعار الجامح هو مشكلة يصعب جداً حلّها ولديها تداعيات كارثية على المودعين وأيضاً على كلّ فرد يتلقى أجره أو يدّخر أمواله بالليرة اللبنانية، أكان ذلك داخل النظام المصرفيّ أو خارجه.

وفي هذا السيناريو، سيتكبد صغار وكبار المودعين والأفراد الذين يملكون أو لا يملكون حسابات مصرفية خسائر هائلة في القيمة والقوة الشرائية ولن يكون بإمكانهم استرداد قيمة أموالهم في المستقبل. ففي هذا النهج، يكون الجميع خاسرين، باستثناء الأفراد الذين يتلقون أموالهم من الخارج بالعملة الأجنبية.

المسار المستقبليّ

يمكن تقييم أيّ خطة حكومية تتعلق بإعادة هيكلة المصارف أو توزيع الخسائر استناداً إلى مدى فعاليتها في تحقيق ما يلي:

  1.  مواءمة حوافز الشرائح المجتمعية المختلفة لمواصلة الضغط على الحكومات المتعاقبة ودفعها إلى اعتماد سياسات اقتصادية مستدامة.
  2.  تحفيز المغتربين والأثرياء وأصحاب المشاريع والمؤسسات التجارية للمشاركة في عملية التعافي الاقتصاديّ من خلال ربط استعادة قيمة ودائعهم بنتائج ازدهار اقتصاديّ مستدام وواسع النطاق.
  3.  الحدّ من النقل غير العادل للثروة والسماح لمجموعة معينة من المودعين باستعادة قيمة أموالها بشكل من الأشكال (أي عن طريق استبدال الودائع بأسهم مصرفية أو تشارك الأرباح العامة الإضافية بطريقة عادلة ومبررة).
  4.  الحرص على تطبيق الشفافية في ما يتعلق بإدارة وأداء الجهات التي تحقق أرباحاً عامة.

في النهاية، أودّ أن أوضح أنّه لا يمكن المضيّ قدماً من دون اتخاذ خطوات فورية لمساءلة أولئك الذين تسبّبوا في الأزمة اللبنانية الحالية أو الذين جنوا ثروات طائلة على حساب الشعب اللبنانيّ. فمن المستبعد أن يرضى الشعب بأيّ حلّ من الحلول الصعبة التي تتطلبها هذه الأزمة من دون تطبيق المساءلة والشفافية بشكل فوريّ وضمان المشاركة العامة والتحلي بالشجاعة لاتخاذ قرارات صعبة. وهذا ما تؤكّده التظاهرات التي تعمّ أنحاء البلاد.

إنّ هذه الأزمة تتطلب منّا حلولاً مبتكرة مبنيّة على مواءمة حوافز الشرائح المجتمعية كافةً بما يسمح بممارسة الضغوط على الحكومة الحالية والحكومات اللاحقة من أجل اعتماد سياسات اقتصادية مستدامة من دون معاقبة كبار المودعين الذين جنوا أموالهم بطرق نزيهة والذين تُعتبر مشاركتهم ضرورية لبناء اقتصاد ملائم للجميع.

المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها