منى فياض

الأحد ٢٤ أيار ٢٠٢٠ - 16:43

المصدر: الحرة

الثورة والسلطة في لبنان خطان متوازيان برعاية المرشد

أحد دوافع نزولي إلى ساحة الشهداء في الأول من مايو، عدا رغبتي بالمشاركة مع ثوار 17 أكتوبر، الاستمتاع بالشمس، كما بالنسمة التي تداعبك تحت فيء شجرة وارفة فيخيل إليك أنك عدت إلى زمن هانئ بعيد مضى.

تطل ساحة الشهداء مجردة من خيمها ورموزها. فلقد انتهزت السلطات الهدية السماوية المتمثلة بفيروس كورونا للانقضاض على الخيم وحرقها.

بدا طائر الفينيق عاريا وحيدا إلى جانب قبضة الثورة العزلاء.

مجموعات صغيرة متفرقة توزعت نواحي الساحة. تحلق البعض حول شاحنة صغيرة تطلق العنان لأغنية مصرية فرحة جعلت السيدة الكهلة النحيلة غجرية الملابس، مع خصلاتها المصبوغة على عجل والمنفلتة من تحت غطاء رأسها، تتمايل بحركات إيقاعية منسجمة. انقطعت الموسيقى فتوقفت. البعض الآخر تجمع حول مكبر صوت يبث أغاني الثورة، ما أن يضعها حتى تطغى عليها أغنية لبنانية تقليدية، ثم تصمت الأغنيتان معا.

وقف البعض على ظهر شاحنة يدعو إلى التجمع على إسفلت الطريق لقطعها على السيارات النادرة المارة. نظر إليهم الجالسون على الدرج يتأملونهم بتراخ وصمت.

بدا احتفال الساحة متعبا بيوم العمال وحائرا كأنه ينتظر ساعة فرج.

عندما عدت وجدت مظاهرة في الحمرا مع شعارات يسارية. سرت الأخبار عن تجمعات متفرقة على جسر الرينغ وفي مناطق أخرى. كأن توزعها يوقع وثيقة تعددها واستقطاباتها واختلاف أجنداتها. أكبر تظاهرة كانت في كفرمان في النبطية. عيد العمال هناك بخير!

تتعدد المجموعات الثورية على الشبكة كما هي على الأرض. تتكاثر يوميا، عشرات تتكون وأخرى يعاد تكوينها لتنقيتها من “مندسي” أحزاب السلطة وأجهزتها. تشهد صفحاتها نقاشات حامية واختلاف في الرأي. وهذا طبيعي وصحي، سوى أن ندرة منها يذهب نحو الابتذال. يجنح النقاش أحيانا صوب تبادل الاتهامات وبعضها يصل حد التخوين.

تجري نقاشات حول ما يجب أن يكون عليه شكل النضال. كما تطرح أسئلة حول جدوى سلميته. يبحثون في توحيد الصفوف والمطالب وأولويات التحرك. كما في الجوامع المشتركة وصولا إلى إيجاد قيادة موحدة. مع ذلك لا يريدون، ولا يتفقون على أحد كي ينطق باسمهم. كيف ستوجد هذه القيادة؟ هنا تكمن المعضلة.

يقدم البعض من حين إلى آخر برامج عمل مع اقتراح: إذا لم نتوحد على قيادة، ليكن برنامجنا قائدنا، لنتوحد على برنامج. تحتوي معظم البرامج المطالب المرفوعة زمن الثورة. بدءا من المطالب المعيشية إلى ملاحقة الفاسدين واسترجاع المال المنهوب والأملاك البحرية واستقلالية القضاء والمواطنية ونبذ الطائفية والدولة المدنية والمحاسبة.. ويرسو الخلاف على الموقف من “حزب الله”.

يتحرك الثوار يوميا على الأرض، بانتظار انتهاء زمن كورونا لاستعادة الثورة زخمها. في هذه الأثناء فقدت أغلبية المواطنين لقمة عيشهم بسبب الانهيار وينهمكون في تأمينها. وهناك بعض الفئات التي انكفأت طائفيا ومناطقيا، مغيّبة الخطاب الوطني. هناك أيضا الحوادث الأمنية التي تبرز في مناطق مختلفة فترصد عودة الاستقواء الميليشياوي مع بعض الحساسيات الطائفية المهددة للأمن. ناهيك عن المظلومية السنية المتفاقمة.

الجديد مؤخرا تكاثر المنشورات على مواقع التواصل الاجتماعي التي تتوجه بالاتهام المباشر لـ”حزب الله” وتحمله مسؤولية تردي الأوضاع.

ومن أسباب تصاعد الانتقادات، افتضاح حجم التهريب للمواد المدعومة من الخزينة والعبء الثقيل الذي ترميه على اقتصاد البلاد بحماية الحزب. فالمبلغ الذي تريده الحكومة من صندوق النقد يعادل قيمة الأموال والمواد المهربة علنا عبر الحدود. فيما توسعت خطوط “السيد” (الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصرالله) الحمراء، من حماية منظومة الفساد الحاكمة إلى منع إقفال الحدود.

ولتأكيد جديته في رفض تنفيذ قرارات الشرعية الدولية، ما يعني تدويل الحدود، هددنا بشكل مبطن بالحرب. واعترف أن حرب 2006 كانت لمنع قطع طريق طهران ـ دمشق ـ بيروت! يعني ليس لتحرير الأسرى ولا من يحزنون. المطلوب القضاء على لبنان واللبنانيين من أجل تنفيذ أجندته: إنقاذ إيران والأسد.

فإذا كان صحيحا أن التهريب التقليدي ليس جديدا ويحصل في جميع البلدان، لكنه في لبنان حركة نقل منظمة وعلنية برعاية سورية بالتعاون مع الحزب. إيقاف الجريمة المنظّمة لا يتطلب مباحثات أو اتفاقيات. إن ضبط الحدود هي أحد المهام الأساسية المكلف بها الجيش اللبناني.

الفضائح المتتالية، في ملفات النفط خصوصا، كشفت حجم الفساد الذي غرقت فيه المنظومة الحاكمة بالشراكة مع النظام السوري. نصرالله يفرض الآن على اللبنانيين الإبقاء على خطوط الإمداد هذه. فهل تجرؤ “حكومة التكنوقراط المستقلين” على تنفيذ القرارات الدولية وإغلاق الحدود لحمايتنا؟ والجواب يبدو بالنفي.

 

فهل المطلوب من صندوق النقد والمجتمع الدولي تمويل قربة مثقوبة خارج شرعيته؟

كل ذلك عجّل بتوضيح الصورة، فتزايدت الاتجاهات التي تعطي الأولوية للخطاب السياسي والسيادي. بعدما كانت تطغى المطالب المعيشية ومقولة: لنترك السلاح اليوم كي لا نتسبب بالانقسامات.

يتجرأ الناس اليوم الحديث عن “حزب الله” سواء في البيئة الشيعية أو من قبل بعض العونيين، ربما من باب الابتزاز لاستكمال صفقات الكهرباء. لكن ربما يبدو الحزب كعبء على جمهورهم مع وعي عجزهم عن التملص منه. من هنا نغمة الفيدراليات.

كل ذلك يولد دينامية عالية. ويدفع بالأمور على مستوى المجموعات الثورية نحو مزيد من الفرز بينهم: من هو مع الخطاب السيادي والمطالبة تنفيذ قرارات الشرعية الدولية وتطبيق الدستور ونزع سلاح “حزب الله”، ومن ضده.

تذهب بعض التقديرات إلى أن غالبية من المجموعات الثورية صارت ترى أن هذا سيكون عنوان المرحلة المقبلة. هناك في الجهة المقابلة مجموعات تتراوح بين يسارية وشيوعية لا تزال مرتبطة بأهل السلطة وأجهزتها. وسياستها تعتبر أن “حزب الله” خط أحمر وممنوع التطرق للسلاح لأنه خيانة. وهناك قلة لسان حالها: يا خيي شو بدنا بهالقصة خلينا بالأمور الحياتية والبيئية والزبالة، لأن موضوع “حزب الله” موضوع نزاع داخلي وأكبر منا. هؤلاء مجتمعون قد يشكلون أقل من نصف المحتجين النشطين.

في المقلب الآخر، الذي عبرت عنه أفضل تعبير زوجة رئيس الحكومة عندما تبرعت بحل معضلة البطالة في لبنان مقترحة تشغيل خريجي الجامعات، مع احترامها التقاليد البطريركية: الفتيات لخدمة المنازل والفتيان عمال لمحطات بنزين ونواطير في البنايات.

وثارت عاصفة من التعليقات شغلت شبكات التواصل لعدة أيام. وجرى تبادل الاتهامات بالعنصرية فيما تجند البعض للتملق للسيدة، التي لا صفة رسمية لها سوى أنها زوجة رئيس الحكومة.

لكن المشكلة ليست في اعتبار البعض العمل المنزلي إهانة ولا في العنصرية ولا في الاستكبار. كما لا شك أن العمالة الاجنبية الفائضة تنهك الاقتصاد.

المشكلة في أن زوجة رئيس الوزراء انتدبت نفسها لاقتراح هذا الحل لإنقاذنا من الانهيار الاقتصادي ومن انسداد الأفق أمام الشباب، سواء كانوا من خريجي الجامعات أو المعاهد أو حتى عمالا ومياومين ومهما كانت صفتهم.

والسؤال: هل تتوفر المواد الأولية للدواء الذي تصفه؟

لنفترض جدلا أن آلاف الفتيات الجامعيات قبلن العمل في البيوت، هل سيجدن من يستخدمهن؟ في وقت انهارت فيه الطبقة الوسطى وضاعت ودائعها وصارت تشحذ ما يفي حاجاتها اليومية وأحيانا تعجز عن ذلك؟

هل لدينا محطات بنزين تكفي لتشغيل الـ 50 % من العاطلين الشبان عن العمل؟ هل المطاعم المقفرة ستعلن عن حاجتها إلى أيدي عاملة؟ عدا عن أنها كانت أصلا تستخدم الطلاب والطالبات؟

هل تعي “ماري انطوانيت” لبنان أن ما نعانيه من كساد وإفلاس وانهيار اقتصادي لم يظهر مداه بعد، وأن الجوع هو ما يعدنا به زوجها؟

وعلى نفس النهج ستحل المشكلة الزراعية. هبط علينا فيديو يدعونا لزراعة “البلكون” والأسطح لتأمين احتياجاتنا الغذائية ونحل مشكلة الاقتصاد. لا شك أنها موضة عالمية لتأمين منتج “أورغانيك”. لكن ليس لسد الحاجات الغذائية للبلد

هذه الحلول ليست سوى رجع صدى لإلحاح نصرالله علينا بالالتحاق بما يسمّى “المحور المشرقي”، أي سوريا والعراق اللذان سينقذان اقتصادنا المنهار رغم إفلاسهما. وهذا بالطبع تحت قيادة الأخ الأكبر في طهران وصولا الى الصين. متجاهلاً ان هذه الأخيرة تقيم أفضل وأوسع تعاون تجاري وتقني مع اسرائيل بقيمة 25 مليارا من الدولارات!!

في هذا الوقت يزيد في معاناة طلابنا وتقصيرهم على الصعيد التربوي، تضافر الأزمة الاقتصادية مع تبعات كورونا اضافة الى الأداء الإداري المرتبك، بحيث لم يعد مصير عامهم الدراسي الحالي فقط مهدداً، بل المستوى التعليمي في لبنان بأكمله.
لكن هذا لا يمنع رئيس الحكومة من تعداد إنجازاته المظفرة، رغم انها لم تنقذ سفينته المثقوبة والآيلة الى الغرق!! كما ان هذه “الانجازات” لم تمنعه من تبشيرنا – في الصحافة الاجنبية- بالمجاعة!!

تبدو إنجازات حسان دياب أشبه بانتصارات نصرالله ومحوره. نصرالله الذي صادر البلد كله، بأمنه واقتصاده وسياسته الخارجية، يريدنا جميعا أن نصبح على صورته ومثاله… لقد نجح حتى الآن في جعل الحكومة نسخة كاريكاتورية عن حكومة مرشده الأعلى.

المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها