الأحد ٥ تموز ٢٠٢٠ - 11:04

المصدر: صوت لبنان

الشهبندر الحاج سعيد آل لوتاه.. أسطورة العطاء

رحل عن عالمنا منذ أيام أسطورة العطاء” الحاج سعيد آل لوتاه” رجل الأعمال الأماراتي، بعد مسيرة خالدة من العمل الخيري، كان طيلة مسيرته يؤمن بالعمل ولا يستسلم للفشل فلم يترك له مجالًا في حياته، ولم يركن إلى الكسل ولا يعتمد أصحابه، فصار العمل منهجه، والعطاء رسالته، والتواضع سجيته، منذ نعومة أظفاره وهو يسعى في الأرض تطبيقًا لقول الحق “فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ ۖ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ”، بدأت حياته العملية وهو ابن العاشرة في تجارة الماس واللؤلؤ، هذه التجارة التي لا تختلف كثيرًا عن معدنه، فالرجل معدنه كالماس، وأصله كاللؤلؤ المكنون؛ في ندرته ونقائه، وجودة تكوينه، كل هذه المعاني وأكثر تجسدت في التاجر ذائع الصيت” الشهبندر الحاج سعيد لوتاه”.
هادئ الطباع قوي العزيمة يده ممدودة لكل من حوله بالعون والمساندة، يلقي في قلبك الدفء والطمأنينة، صفات شكلت شخصية الحاج سعيد، منذ أن علا أمواج البحار كقائد وربان لسفينة شراعية وهو في مستقبل حياته، لتنبت في نشأته شخصية القائد الحكيم، والراعي الأمين.

الإبداع والرؤية الخلاقة كان لها حظ وافر في شخصيته، فساعدته على أن يكون مهندسًا من طراز فريد، تشكلت خبرته في هذا الدرب من العلوم من خلال احتكاكه بالطبيعة واندماجه فيها، فعكس جمالها في رؤية هندسية وإبداعية، ليشكل بذلك نظمًا متناسقًا بين البيئة الطبيعة ونظيرتها المشيدة، فأسس أول مؤسسة إنشائية ومعمارية تعرف بإسم “شركة سعيد لوتاه وأولاده للمقاولات” كان لها السبق والريادة في مجالها بين نظيراتها، لأن خلفها شخصية كهذه.

الإنسان هو محور الحياة الذي يدور من حوله الكون، وسخر الله جميع الكائنات لخدمته، فأدرك الحاج سعيد الحكمة في هذا، فجعل رحلته الاقتصادية تدور حول بناء الإنسان وتشكيل شخصيته بمنهج يتفق مع الرسالات السماوية، فأنشأ المدرسة الإسلامية كأول مدرسة رائدة في العالم العربي والإسلامي لتعمل على تخريج جيل معد فكريًا وخلقيًا لسوق العمل، وأسس كلية الطب وكلية صيدلة للبنات أيمانًأ منه بأهمية دورالمرأة ومكانتها.

“رجل الاقتصاد الأول”، هذا اللقب الذي حصل عليه الحاج سعيد لم يكن من قبيل المصادفة ولا من باب المحاباة، فكان صاحب السبق لنموذج فريد في المجال المصرفي، مطلع سبعينيات القرن الماضي، وهو ما يعرف” ببنك دبي الإسلامي” هذا النموذح المصرفي الذي يعمل وفق الشريعة الإسلامية، كتجربة فريدة تدرك أهمية العلاقة بين سوق العمل ورؤس الأموال، وقناعة وطمأنينة أصحاب هذه الأموال، تعمل على إحدث توزان بين احتياجات سوق العمل لرأس المال، بما يتماشى مع الخلفية العقائدية لأصحاب الأموال.

“أنا وكافل اليتيم كهاتين” كان لهذا الحديث الشريف نصيبَا كبير في قلب الحاج سعيد لوتاه، فكرس جزءًا من وقته وأمواله واهتمامه لخدمة اليتامى، فأسس “مؤسسة تربية للأيتام” عام 1982م، تهتم بهم من عمر (5 سنوات) وإلى تخرجهم في سن التكليف (15 سنة)، وتشغيلهم بعد ذلك في مؤسساته وشركاته ثم تزويجهم، ليضرب بذلك نموذجًا متكاملًا في تطبيق وصية الرسول (ص) في كيفية التعامل مع اليتيم.

رحلته المليئة بالإنجازات والتكريمات والجوائز لم تشغله عن انتمائه لأمته ولم تفقده انشغاله بعروبته، فأسس منطقة بدر تخليدًا لذكري معركة بدر الكبرى، ودعم القضايا العربية الإسلامية، وأنشا منطقة بورسعيد مخلدًا لذكرى أنتصار حرب بورسعيد في مصر عام 1965.

رحلة اقتصادية ذات طابع إنساني، وصبغة إسلامية قطعها الحاج سعيد طوال السنوات الماضية، حفلت بإنجازات يعجز عقلي الطواف أن يبلغ مداها، وتوجت بتكريمات يضيق المقام لسردها، فالرجل نسج خلال رحلة الاقتصاد التي قطعها طيلة السنوات الماضية، شباكًا من القيم والمثل العليا، فغزل خيوطها، بالعلم والعمل والعطاء، فساند بها الأنظمة ودعم من خلالها البسطاء، فصارت أعماله دستورا اقتصاديًا رشيدا يصلح لكل البيئات والأزمان.
رحم الله الراحل عن دنيانا الخالد في قلوبنا بأعماله الشهبندر الحاج سعيد آل لوتاه.

المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها