الثلاثاء ١٥ أيار ٢٠١٨ - 11:37

المصدر: الصوت

الضاهر فوقه خيمة حماية في النزاع على الـ LBCI وجعجع قد ينتظر طويلاً

أبعد من مكان سماع إفادتي المدّعي والمدّعى عليه في قضية ملكية الـ  LBCI، أكان معراب أم استوديوات المحطة في أدما أو أي مكان آخر، يرتدي الخلاف بين رئيس مجلس إدارة التلفزيون بيار الضاهر وحزب “القوات اللبنانية” لبوس النزاع القانوني لكنّه ككلّ نزاع يتعلّق بشأن عام في لبنان يستدرج السياسة إليه. ولا شك أن رئيس حزب “القوات” سمير جعجع بات في موقع أقوى سياسياً بعد الإنتخابات النيابية التي رفعت عدد نواب حزبه من 8 إلى 15، لكن قوته هذه التي تضاعفت تقريباً قد تتحوّل سبباً لضعف ظروف الفوز بدعواه على الضاهر. الماهر بيار الضاهر في الإفادة من التناقضات السياسية بين القابضين على حكم البلاد لتحصين موقفه أمام القضاء، مهارته في نسج الاتفاقات التجارية والقانونية.

يفيض طرفا النزاع في الحديث عن الجانب القانوني من الجدل حول ملكية المحطة التلفزيونية، الخاصة الأولى التي طلعت إلى الهواء في لبنان عام 1985 بعدما كانت حلماً سعى إلى تحقيقه الرئيس بشير الجميّل وبدا لسنوات أنه اغتيل معه. لكنهما يلزمان التحفظ عند مقاربة الجانب السياسي.

ليس سراً  أن السياسة في لبنان هي أُمّ القضاء وهو ابنها. والحال أن جعجع تحالف مع العماد ميشال عون قبل أن يدعمه للوصول إلى رئاسة الجمهورية تحت خيمة “أوعى خيّك”، وكان المفترض أن يتفقا قبل الرئاسة وبعدها على موضوع الـ”أل بي سي” الغالي على قلب رئيس “القوات” إلى درجة حمله على رفض فكرة التخلي عن اسم الحزب الملتصق بالميليشيا والحرب بعد انتهائها، وأيضاً بعد خروجه من السجن،  وذلك لئلا يخسر حقه في المطالبة بمؤسسات “القوات” السابقة وممتكاتها وفي الطليعة تلفزيون “إل بي سي”. وقتها كانت الفكرة أن اعتماد تسمية جديدة ترمز إلى الحرية أو الديموقراطية، وترك  اسم”القوات” تالياً في الذاكرة على غرار ما هو “جيش  التحرير الشعبي” للحزب التقدمي الإشتراكي، كانا سيقربان “القوات” أكثر إلى فئات من اللبنانيين باعدت بينهم وبينها  ذكريات الحرب وأهوالها.

قوى مؤثرة لا تقرّ لـ”القوات” بحقّها في تلفزيون كبقية الأحزاب الكبرى

ماذا عن اليوم؟ هل ستستطيع “القوات” ترجمة الفوز الكبير الذي حققته في الانتخابات النيابية فوزاً في المعركة القانونية مع الضاهر على ملكية الـ lbci ؟ المنطق يقول نعم ولا في آن واحد.

نعم، لأن جعجع سيطرح مطالب ثقيلة على الحلفاء والخصوم معاً خلال البحث في تشكيل الحكومة، كأن يتمسك بالحصول على وزارة سيادية حساسة مع نيابة رئاسة مجلس الوزراء و5 وزارات بينها وزارات خدماتية أساسية، وذلك تحت طائلة الانتقال إلى المعارضة وبالتالي تشكيل جبهة سياسية سوف يترأسها حكماً بحكم وزنه النيابي وتكون مزعجة للعهد ورئيس الحكومة وحلفائهما. وفي طريق التراجع والسقف الأعلى يمكن أن يعرّج إلى تفصيل يتعلق بالـ “أل بي سي”، وقد يكون عقد اتفاق معه- تحت الطاولة-  يتيح له استردادها أهون الشرّين في سبيل استعادة مشاركة “القوات” في الحكومة وتفادي أوجاع رأس يمكن أن تولد من انتقالها إلى صفوف المعارضة، المشتتة حالياً بفعل نتائج الإنتخابات، والقادر جعجع على أن يعيد الحيوية إليها أو محاصرتها أكثر  إذا شاء.

ولا. لأن جهات سياسية نافذة وقوية في الدولة تحمي موقع الضاهر ويهمها ألّا تتحوّل محطة الـ “أل بي سي” بقوة ميليشيا ضاربة إذا انتقلت من جديد إلى يد جعجع على غرار ما كانت بعد إنشائها في الثمانينيات ومطلع التسعينيات. لا يعني ذلك أن حجة الضاهر القانونية ضعيفة، بل على النقيض فالرجل ربح دعويين مشابهتين عليه:  الأولى رفعها ضده  حزب الكتائب اللبنانية أيام رئيسه الراحل جورج سعادة وكان نائبه المحامي كريم بقرادوني، النائب السابق لجعجع والذي أشرف على ولادة المحطة. والثانية رفعها الوزير السابق سليمان فرنجية ونائب رئيس مجلس الوزراء السابق عصام فارس.

في القضيتين ربح بيار الضاهر . ولدى احتدام الخلاف بينه وبين جعجع الذي لجأ إلى القضاء في آذار 2007  قال له : “أنا أحبك ، ولا أرغب في رؤيتك تخسر أمامي”. الأرجح أنه يتكل على واقعة أن من أثبت ملكيته مرتين سواء لعقار أو غالبية أسهم مؤسسة يصعب أن يخسر دعوى مماثلة ثالثة.
لذلك يتصرف الضاهر – في الظاهر على الأقل- مرتاحاً إلى وضعه القانوني، كما هو مرتاح إلى وضعه السياسي أيضاً. حتى اليوم لا يقرّ الأطراف المؤثرون في الدولة لحزب “القوات” بحقه في أن تكون له محطة تلفزيونية على غرار المحطات التي تملكها الأحزاب الكبرى: “حزب الله” و”المستقبل” و”التيار الوطني الحر” وحركة “أمل”. ويعرف بيار الضاهر أن يعطي ويأخذ مع الجميع كي يبقى. هكذا أعطى مرسال غانم بعد المشكلة الكبيرة التي اندلعت فجأة بينه وبين المحيطين برئيس الجمهورية وقادته إلى القضاء، والجميع يذكر كلامه على اتصال من القصر يبلغ بأنّ مرسال غانم أو برنامجه لن يبقى في الـ”أل بي سي”ومن كانت المتصلة. وهكذا  أخذ نوعاً من رضا زاد عليه رضا رئيس مجلس النواب نبيه بري بما يمثل ويرفع فوق الضاهر خيمة.

أما جعجع فيلزمه عملياً وضع سياسي مريح له على مستوى البلاد ككل. وضع يتيح لقاضِ ينظر إلى القضية إنطلاقاً مما هو أبعد من “الأوراق الجامدة” ومن سؤال بديهي يجيب أي لبناني إذا طُرح عليه: ” الـ أل بي سي للقوات”. وسؤال بديهي يجب أن يوجه – من وجهة نظر “القوات”- إلى الضاهر : من أين لك هذا؟ ومن أين جاءت أصول “المؤسسة اللبنانية للإرسال”؟

والدعوى ستحتاج إذا لم تفصل فيها السياسة إلى مدة طويلة قد تصل إلى سنين لتصل إلى خواتيمها. وكان الراحل أنطوان شويري القريب من جعجع والضاهر تمكن من التوصل إلى حل حُبّي، لكن تدخلات لاحقة بعضها نسائي أدت إلى نسف الحل ثم تفاقم الوضع الصحي لشويري وعادت المسألة إلى القضاء تجرجر، إلى أن قررت القاضية المنفردة الجزائية فاطمة جوني إجراء مقابلة بين جعجع والضاهر لم تتحقق وأرجئت الجلسة إلى 22 حزيران. ولكن حتى لو صدر حكم في القضية قبل العطلة القضائية كما توقع وكيل جعجع النائب جورج عدوان فسيكون حكماً بدائياً. هل يفيد التذكير هنا بأن حزب الكتائب ربح دعوى مشابهة ضد “صوت لبنان- الضبية” وصدر حكمٌ، ما بعده حكم، عن محكمة التمييز، ولأسباب سياسية لم ينفّذ؟

المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها