عباس الحلبي

الأثنين ١ حزيران ٢٠٢٠ - 13:10

المصدر: صوت لبنان

العبث بالميثاق يفتح أبواب الجحيم

أثارَت خطبة سماحة المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان بمناسبة عيد الفطر ضجة ً إعلامية ونقاشا” سياسيا” ومخاوفَ ميثاقية. ومِن حق المشككين والخائفين والرافضين التعبير عن رأيهم كما أن من حق المفتي التعبير عن رأيه الحر وقناعاته العميقة. وهذه ميزة من مزايا هذا البلد حيث حرية التعبير لا تزال مُتاحة بخلاف الأمر في المحيط. 

لَم أُفاجَأ بموقفِ المفتي ولا أستطيع إلاّ أن أحترمَ رأيَه وإن خالَفته. ذلك أن الشيخ أحمد قالَ وبالفمِ الملآن وبالصرخة المدوّية ما هو مُضمَر في وجدانِ شريحة كبيرة من اللبنانيين خصوصا” من البيئة الشيعية. ولا تنفع محاولة التعمية بالقول بأن القيادات السياسية الشيعية فوجِئَت بموقف الشيخ. ذلكَ أنّ موضوعَ المؤتمر التأسيسي وإعادةِ النظر بإتفاقِ الطائف والإنتقال إلى الدولةِ المدنية عبرَ قانونٍ إنتخابيّ على أساسِ لبنان دائرة واحدة والمطالبة بالمثالثة كل ذلك يتم الحديث عنه أو الهمس به دون أن يتجرأ أحد على التصريحِ العلني به وتحمّلِ مسؤولية إطلاقه. 

اللافت أنّ هذا الموقف جاءَ بعد موقفٍ آخر سبق وتوقَّفَ عنده المراقبون كثيرا” هو إعلان سماحة الشيخ نعيم قاسم برغبةِ حزبِه بإنشاء دولة دينية في لبنان على ما تؤكّدْ  أدبيات الحزب المذكور.

وقد إنحازَ المفتي إلى الدولة المدنية وكأنه يرد بصورة غير مباشرة ومن موقعِهِ على مرجعٍ آخر من نفس البيئة بالإعلان الصريح عن رَفضِ قيامِ الدولة الدينية في لبنان وهي في صلبِ عقيدة حزب الله. 

بعجالة لا نستطيع أن نناقشَ بعمقٍ هذه الآراء وسواها خصوصا انها ترافقت مع مطالبة البعض بتطبيق الفدرالية في لبنان واللامركزية الموسعة وهي ايضاً مواقف استدعت ردودا عنيفة إلى حد التخوين. ونحن وإن كنا لا نشاطر هذه المواقف الرأي إلا اننا لا ننكر الحق بالتعبير عنها وعدم تخوين مطلقيها أسوة بعدم تخوين مَن أعلنَ نهاية الميثاق. ولكن بهدوء الحريص على الصيغة اللبنانية أتوقف عند خلطِ بعض المفاهيم التي كان يقتضي تفريقها ومعالجة كل واحدة منها على حدة. فمثلا” إن رفض الميثاق الوطني الذي أرساه الرئيسان بشارة الخوري ورياض الصلح هو في ذهنه ربما لرفض الثنائية وهذا موقف حق مع الإشارة إلى أنّ إتفاق الطائف الذي أعلن إنتهاء صلاحياته الشيخ بموجبِ هذه الرسالة قد ألغى الثنائية وأدخل جميع الطوائف في العقد السياسي الجديد.

كما أنَّ إنشاء الدولة المدنية يقتضي حكما” إقرار قانون مدني إختياري للأحوال الشخصية وهو ما تمَّ إستثناؤه فكأنه أزال مسبقا” إحدى دعائم هذه الدولة وقبل قيامها والإلتباس الأهم هو في الخلط بين الممارسة الطائفية الممجوجة والتي كانت في أساس موقفه مع الدستور والميثاق والصيغة وجميعها لا شأن للطائفية فيها.

إننا مع الشيخ برفض الدولة الطائفية ونطالب بقيامِ الدولة المدنية على أساس دولة المواطنة ولكن على قدم المساواة بين الجميع فلا تكون المطالبة على قاعدة هيمنة طائفة على الآخرين بقوة السلاح والعدد. 

حذار العبث بالميثاق فإنه يفتح أبواب الجحيم.

 

المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها