عباس الحلبي

الأثنين ١٦ آذار ٢٠٢٠ - 14:08

المصدر: صوت لبنان

العزل المنزلي: وقفة تبصّر وتفكير

اليوم 16 آذار تعيدني الذاكرة إلى مثل هذا التاريخ سنة 1977 أي منذ ثلاثة وأربعين عاما” اليوم الذي أغتيلَ فيه كمال جنبلاط وفقَدَ فيه لبنان إحدى ركائز وحدتِه وعروبته كما إفتقدَ مَن كانَ يضفي على العمل السياسي مسحة فكرية ذا بُعد عالمي إنساني فتحيةً لِذكراه.

خسارةُ كمال جنبلاط كانت إيذانا” بتبدّل وجه لبنان الحضاري، إذ أنه لَم يكن رجلَ سياسة عاديا” بل كانَ مفكرا” إنسانيا” رأى لبنان بعيونِ الأجيال الجديدة التائقة إلى تغيير النظام الطائفي والإستعاضة عنه بدولة علمانية حديثة حيث المواطنون فيها يتمتعون جميعهم بنفس الحقوق والواجبات لا أن يكونوا رعايا لطوائف خاضعة لأنظمتها الخاصة غير المتساوية.

وقد جاءَت صرخته بالمطالبة بالإصلاح من ضمنِ النظام فجوبِهَ بإنقلاب التيارات السياسية المحلية والإقليمية عليه ما أغرَقَ لبنان في لجّة الصراع الذي لَم ينتهِ لتاريخه. إلى ان جاء إتفاق الطائف ليكرّس دستوريا” مع وثيقة الوفاق الوطني مرحلة تاريخية متقدمة في الشراكة الإسلامية المسيحية وحفظ إنتماء لبنان العربي. 

ومن جهةٍ ثانية، لقد نجحت السلطة القائمة في التصويب على المصارف وعلى النظام المصرفي القائم أما مَن أوصل البلاد إلى الإنهيار فإنه يغيب كليا” عن المساءلة والمحاسبة. فعِوَض المطالبة بهذا الإصلاح وهو أمر مطلوب وملح فإن السياسات التي أعلن عنها دولة 

رئيس الحكومة ستؤدي ربما إلى نتائج عكسية أقلّها محاولة إسقاط النموذج الإقتصادي اللبناني المكرّس دستوريا” على قاعدة الإقتصاد الحر بما يخرج لبنان من المنظومة المالية 

العالمية. وهذا لا يحل مشكلة الحاجة الماسة للدولار في السوق المحلي وتوفّره لتسديد فواتير الإستيراد حتى لأبسط المواد الأولية والمستلزمات الطبية والغذائية كما العبث بوثيقة الوفاق الوطني التي نصت على الحريات العامة والخاصة والملكيات الفردية والإقتصاد الحر وكلها عناوين يُخشى مع بعض من في هذه الحكومة أن يطيح بها. هذا فضلا” عن السياسات المنحازة إقليميا” إلى دول هي خارج النظام العالمي وضد مصالح عروبة لبنان وإنتمائه الحضاري. 

لعلَّ العزل المنزلي للحماية من الكورونا يدفع أولي الأمر إلى وقفة تبصّر وتفكير في هذه المرحلة وإنجاز الخطط الموعودة لإنقاذ لبنان قبل فوات الأوان من الأوبئة الكثيرة التي تسمم أجواءه.

المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها