الأثنين ٢٩ تشرين الأول ٢٠١٨ - 09:07

المصدر: Arab Economic News

العقوبات.. وكأنه ما كان ناقصا!

بين لحظة وأخرى، يترقب لبنان ولادة حكومته العتيدة بعد نحو خمسة أشهر من مخاض عسير كان أكثر من مؤذٍ للإستقرار السياسي المطلوب لتحرير إقتصاد البلاد من شلل أفضى إلى أزمات إجتماعية.

الجميع يترقب توافقا يلمّ شمل أهل البيت السياسي المتناكف بشدة على مصالح أضيق مما يتطلع إليها اللبنانيون. لا همّ إن كانت حكومة ثلاثين أو ما فوق، فالعدد يعكس إطار الشكل لا المضمون، حيث نوعية الحكم هي الأهم بعدما بات لبنان في “عين العاصفة” التي تفرض عليه مواءمة المطلوبات منه بالموجودات لديه، وهو الذي يقف في منتصف الطريق وكأنه ما في يده “حيلة”.

في قائمة المطلوبات، تحتلّ العقوبات الأقسى على “حزب الله”، وهو مكوّن أساس من المجتمع اللبناني، رأس الأولويات. فبعد القيادة والأعضاء، توّسعت لائحة “أوفاك” لتطول جهات وشخصيات ومؤسسات (لبنانية وعالمية) تتعامل مع الحزب ومؤسساته وتساهم في تمويله وتسوّق له بكل ما يندرج تحت إطار التجارة العالمية ونقل الأموال إليه سواء مباشرة أو عبر مطاري طهران ودمشق.

هي العقوبات الأقسى على “حزب الله”. هكذا يصف بعض المطلعين على مفاصل القانون الجديد، لما تختزنه فئات العقوبات الثلاث. فبعد إستهداف “الأشخاص أنفسهم بمصالحهم أو ثرواتهم”، شملت العقوبات “المؤسسات التي تقوم بأنشطة لمصلحة الحزب”، لتتوّسع أخيرا وتطال “المموّلين” أي كل من يقدم تمويلا طوعيا من أشخاص ومؤسسات حتى وإن كانت على شكل “إعلانات”. وفي الترجمة العملية، تشمل العقوبات كل الداعمين والمموّلين لمؤسسات مرتبطة بالحزب مثل “بيت المال”، و”جهاد البناء”، و”مجموعة دعم المقاومة”، و”قسم العلاقات الخارجية للحزب”، و”قسم الأمن الخارجي للحزب”، وتلفزيون “المنار”، وإذاعة “النور” و”المجموعة الإعلامية اللبنانية”.

لم تكن العقوبات مفاجئة حتى ولو كان الجميع في إنتظار القرارات التنفيذية اللاحقة للقانون الذي أقرّه الرئيس دونالد ترامب قبل أيام في الذكرى الـ35 لتفجير مقرّ مشاة البحرية الأميركية (المارينز) في بيروت عام 1983، لكي تحدّد بالتفصيل كيفية تنفيذه، وتحديدا لجهة مصادرة الأموال والأرصدة التي يطالها القرار أينما كانت، بهدف تجميعها وربما تحويلها لاحقا إلى حساب خاص بأهالي ضحايا “المارينز” وورثتهم.

لكن المفاجئ هو ما سيلي الإعلان عن قانون العقوبات: كيف سينجح “حزب الله” في ضمان وصول الـ700 مليون دولار سنويا من طهران؟ خبر تردّد نهاية الأسبوع، في متن مقال نشرته صحيفة “كريستيان ساينس مونيتور” وأعدّه صحافيان في وكالة “أسوشييتد برس”، بعنوان “العقوبات الأميركية على إيران و”حزب الله” ستلحق الضرر بالمجموعات الشيعية”. ووفق المقال، تكثّفت دعوات “حزب الله” للتبرعات في الأشهر الماضية، في ظل ضغوط مالية متزايدة يتعرّض لها مع إيران عبر عقوبات من إدارة ترامب. ويشير إلى “أن واشنطن كانت فرضت عقوبات من قبل، لكن الموجة الأخيرة، تبدو أكثر جدية بشأن إستهداف قيادة الحزب، وكذلك رجال الأعمال والشركات التي تقول واشنطن إنها تموّله”.

قبل نحو أسبوعين، صنّفت واشنطن عبر المدعي العام جيف سيشنز، “حزب الله” بأنّه واحد من 5 “جماعات للجريمة العابرة للحدود”، فيما خفّضت إيران التي تواجه أزماتها المالية، تمويل الحزب والجماعات التي تدعمها في العراق. وللدلالة على الضغوط، يشير الصحافيان في مقال “كريستيان ساينس مونيتور” إلى أن ميزانية “حزب الله” تضررت منذ مشاركته في الحرب السورية عام 2013، حيث خسر نحو 2000 من مقاتليه فضلا عن آلاف الجرحى، مما زاد أعبائه كونه يدفع الرواتب إلى “عائلات الشهداء” ويوّفر الرعاية الصحية للمقاتلين، مما اضطره إلى خفض النفقات عبر طرق تضمن أبرزها خفض عدد المقاتلين في سوريا.

قطع قنوات تمويل “حزب الله” واضحة بسبب الخطوات المبرمجة التي إتخذتها واشنطن منذ توقيف قاسم تاج الدين في المغرب وترحيله إلى الولايات المتحدة العام الماضي. إذ، وكجزء من الإجراءات الأخيرة، تمّ تشكيل مهمة متعددة اللجان “لتنسيق جهودنا ووضع خطة لإخراج هذه المجموعات من شوارعنا إلى الأبد”، وفق المدعي العام الأميركي جيف سيشنز. وسيترأس لجنة “حزب الله” إيلان غراف، وهو محام مساعد في المنطقة الجنوبية من نيويورك، يشرف على ملاحقة عضوين من الحزب، وهما من أول النشطاء الذين يتهمون بالإرهاب في الولايات المتحدة. وقد خلصت الجلسات التي أنشأت فريقا في كانون الثاني/يناير كجزء من حملة الحكومة الأميركية المناهضة لـ”حزب الله”، إلى إتهامه بـ”التورّط في تهريب المخدرات والقيام بعمليات إرهابية في الشرق الأوسط وأوروبا وشرق آسيا وأميركا اللاتينية”.

إذا كانت الإدارة الأميركية تأمل بالضغط حقا على “حزب الله”، ويرى بعض المتشددين داخل الإدارة “ضرورة أن تذهب واشنطن أبعد من بعض البلاغة والقليل من اللوائح”، فما سيكون عليه موقف بيروت التي تلهث بدورها نحو حفنة من التمويل الدولي يوفّره “سيدر” على شكل قروض مشروطة بإصلاحات من شأنها أن تعيد هيكلية المالية العامة إلى مسارها طبيعي؟

يخشى بعضهم عواقب العقوبات وما يمكن أن تخلّفه في الداخل من ترددات قد تطال مؤسسات وأشخاص لهم إرتباطات “قديمة” مع الحزب. أما المصارف، فلا خوف عليها طالما حافظت على الإمتثال الكامل الذي يوّفره تعميم مصرف لبنان رقم 137/2016، كونه يحدّد ضوابط تتعلق بمَن تفرض عليهم عقوبات من المنتمين أو المتعاملين مع الحزب، وهو يريح المصارف المراسلة ويؤكد ملاءمة العمل المصرفي في لبنان مع ما هو مطلوب دوليا.

في قائمة الموجودات، تبدو العقوبات أكبر من قدرة لبنان على تحمّلها، وخصوصا إن بقي يفتقر إلى مناخ توافقي كفيل بتيسير ما يتوّجب تسديده. هموم اللبنانيين هي هي وإلى تزايد مفتوح الأفق، والقلق يتوّسع على غد غير مكتمل الملامح. ولا رغبة بعد بما يقضّ المضاجع خوفا على مدخرات العمر. عقوبات “حزب الله”، بدت في هذا الزمن وكأنه ما كان ناقصا بعد!

المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها