مصطفى فحص

السبت ٢٥ نيسان ٢٠٢٠ - 13:22

المصدر: الحرة

الكرملين والأسد… “جرة أذن”

هي ليست المرة الأولى وعلى الأرجح لن تكون الأخيرة التي يتعرض فيها رأس النظام السوري إلى الإهانات المباشرة من موسكو، لكن هذه المرة جاءت فجّة وواضحة، تحمل رسائل سياسية داخلية وخارجية بعدة اتجاهات وأثارت حفيظة طهران وحملت وزير خارجيتها إلى دمشق على وجه السرعة.

زيارة وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف إلى العاصمة السورية في هذه الظروف يمكن وضعها في إطار محاولات طهران تطمين الأسد بأنها تقف إلى جانبه بعد “جرّة الأذن” الروسية الأخيرة التي تعرض لها.

موجة الانتقادات الروسية الأخيرة كشفت عن تباين روسي إيراني حول مستقبل الحل في سوريا ومصير الأسد. بالنسبة لموسكو، تعتبر نفسها أنجزت المهمة وباتت أكثر رغبة في إنهاء الحرب والانتقال إلى مرحلة جديدة تقوم على الاستعداد لتقديم تنازلات مدروسة تحفظ مصالحها، وذلك بعد تبلور قناعة عند بعض صُناع القرار الروسي بأن استمرار الأزمة واستنزاف ما تبقى من سوريا يتسبب بأضرار داخلية على المدى البعيد.

مما لا شك فيه أن انتخابات حرة وبإشراف أممي ستأتي بشكل جديد لسوريا لن يكون في مصلحة طهران

أما طهران التي دفعت الكلفة الأعلى في الحرب على ثورة الشعب السوري، فإن نهاية الحرب وفقا للنتائج التي يراها الكرملين مناسبة لطموحاته بمثابة إجحاف بحقها، والتي ستنعكس سلبا على الداخل الإيراني مع تراكم الأزمات والصعوبات المعيشية التي يتعرض لها نتيجة الحصار الدولي بسبب مشاريع النظام الخارجية، فيما النظام يعلم أن شرعيته مرتبطة في استمرار نفوذه الخارجي لذلك يستثمر في حربه السورية.

من المبكر جدا الرهان على خلاف إيراني روسي حول سوريا والأسد، خاصة أن المصالح المشتركة بين الطرفين استراتيجية وطويلة الأمد، إلا أنها لا تخلو من المنافسة، الأمر الذي سمح للأسد بالإقامة في المساحة الفاصلة ما بين رغبات موسكو ومطالب طهران، وهو ما يؤمن له توازنا هشا يساعده بالاستعانة بواحد منهما ضد الآخر، يلجأ إليه طالبا حمايته من رغبات أو مطالب الطرف الآخر.

لكن الجديد والملفت في ما صدر من موسكو وفي هذا التوقيت هو الاعتراف غير المباشر بأن الأسد لا يحظى إلا بشعبية 23 بالمئة من السوريين. لكن السؤال هل هذا الإحصاء جرى فقط داخل المناطق التي يسيطر عليها النظام؟ فكيف لو تم احتساب 12 مليون سوري ما بين نازح ولاجئ، ما قد يستدعي العودة إلى واحد من أبرز الأزمات في المفاوضات الروسية الغربية حول المرحلة الانتقالية التي تناولت معضلتين، حق الأسد بالترشح لدورة جديدة وحق الفارين من جحيمه بالتصويت.

تراكم الأحداث واهتراء النظام أدى إلى تبدل هندسي في شكل الهرم، وبات وافقا على رأسه، وإذا سقط الرأس تهاوى الهرم وهذا ما يقلق طهران

الجدير ذكره أنها ليست المرة الأولى التي تتناول فيها موسكو النظام بقسوة، وتتحدث علانية عن مستقبله، ففي شهر فبراير المنصرم دعا كبير الباحثين في معهد الاقتصاد العالمي والسياسة الدولية المؤرخ ستانسلاف إيفانوف إلى عدم التمسك بشرعية سلطة الأسد، وغمز من قناة شرعيته بسب بطرد “سوريا الأسد” من جامعة الدول العربية، ويحتسب عدد السوريين الذين يعترفون بسلطة النظام، وعدد أولئك الذين انتخبوه منهم.

مما لا شك فيه أن انتخابات حرة وبإشراف أممي ستأتي بشكل جديد لسوريا لن يكون في مصلحة طهران، وذلك بسبب ربط مصالحها بشخص الأسد وتركيبة نظامه، وهي ستدفع ثمن دعمها لحرب مذهبية خاضها ضد الأغلبية السورية.

في المقابل ترسم موسكو علاقة استراتيجية جديدة مع الدول العربية التي تنتمي مذهبيا إلى نفس الأغلبية السورية، إضافة إلى تركيا، ما سيؤمن لها حماية مصالحها الاستراتيجية في سوريا وضمانا لحصتها في إعادة الإعمار إن حصلت، كما أن الدعوة إلى إعادة هيكلة المؤسسات العسكرية والأمنية مستقبلا سيضعف من دور طهران التي ارتبط نفوذها الأساسي عبر هذه المؤسسات.

أزمة طهران أنها تعاملت مع الأسد بوصفه رأس الهرم في نظام يلبي مصالحها، لكن الحرب السورية وتلاشي مؤسسات الدولة وحضورها، اختزل سوريا الدولة بالنظام واختزل النظام برمزية الأسد، فتبنت طهران هذه الرمزية واستخدمتها مبررا لضمان نفوذها واستمراره، إلا أن المعضلة التي تواجهها الآن أن تراكم الأحداث واهتراء النظام وفشلها أدى إلى تبدل هندسي في شكل الهرم، وبات وافقا على رأسه، وإذا سقط الرأس تهاوى الهرم وهذا ما يقلق طهران.

المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها