غسان حجار

الخميس ١٨ تشرين الأول ٢٠١٨ - 10:43

المصدر: النهار

النوّاب يتحوّلون مقاومين

 من أبواب مواجهة تفاقم العجز في الموازنة العامة خفض النفقات، ومن تلك النفقات غير المبرّرة الإبقاء على رواتب للنواب طوال الحياة، ولعائلاتهم من بعدهم. اقتراحان لإلغاء تلك المخصّصات لن يجدا بالطبع طريقهما إلى التنفيذ، لأن النواب لن يشرّعوا ضد مصلحتهم المالية الحالية واللاحقة. لكن يبقى أن الاقتراحين المقدّمين جريئان ويحتاجان في المقابل إلى جرأة ربّما لن تتوافر، وربّما يدفعان النوّاب إلى مقاومتهما بكل ما أوتوا من قوّة وحنكة، وسيتّحدون حتماً للتصدي لهما.

في المبرّرات التي جعلت للرؤساء والوزراء والنواب تعويضات هو ضمان عيشهم أثناء تأديتهم عملهم الذي يقتضي أحياناً كثيرة التفرّغ وعدم مزاولة مهنة أخرى. والتعويضات للنواب السابقين كان مبرّرها حفظ كرامة هذا النائب السابق، فلا يتعرّض للاذلال.

لكن الواقع يختلف عن تلك الرؤية، ويطرح الكثير من الأسئلة، إذ إن كرامة النائب لا تختلف مبدئيّاً عن كرامة كل مواطن، وما دام الأخير، بعد 40 سنة عملاً، لا يضمن شيخوخته، ولا استشفاءه، أي حياته الكريمة، فلماذا تُعطى هذه التعويضات لمن عمل في المجلس لأربع سنوات فقط، حظي خلالها بكل الامتيازات، وقد يكون تغيّب عن معظم الجلسات، إذ غالباً ما لا يتوافر النصاب في أعمال اللجان النيابيّة؟

والنائب المنتخب اختار المُهمّة الموكلة إليه بملء إرادته، لا لإفادتها المالية، بل للخدمة العامة، وتمثيل الناخبين، والعمل على تشريعات أفضل ليس للذين أولوه ثقتهم فحسب، بل له ولأبنائه أيضاً، وبالتالي فإنه لا يتوخّى المنافع والمكاسب، وإلا لسقطت نيابته أخلاقيا.
والواقع أيضا أن الراتب الشهري للنائب لا يكفي في لبنان بعدما اعتاد الناس طلب الخدمات والمساعدات من النوّاب الذين غالباً ما يضطرّون إلى تسديد دفعات من أموالهم الخاصّة والتبرّع لمؤسّسات خيرية في محيطهم الضيّق.

لكنّ معظم النوّاب في لبنان ينتمون إلى طبقة ميسورة أو أن لديهم مصالح ووظائف أخرى وأسهما في شركات يمكن أن توفّر معيشتهم اللائقة، بدليل ما ينفقونه أثناء حملاتهم الانتخابيّة في شهر او شهرين، وهو يوازي، بل يفوق مجموع رواتبهم لأكثر من سنة، ما يعني انتفاء الحاجة إلى الراتب الشهري بلغ تكلفة النواب الحاليّين والسابقين نحو 39 مليون دولار سنوياً وفق “الدولية للمعلومات”، تضاف إليها بدلات السفر والانتقال في الخارج، وعطاءات استثنائيّة في ظروف خاصة، ومساعدات مرضية، وأقساط مدرسيّة للأبناء… وهي مبالغ كبيرة في بلد عاجز وشبه مفلس.

قبل أيّام تقدّمت كتلة نواب الكتائب، والنائبة بولا يعقوبيان باقتراحين يلحظان خفض التعويضات التي تعطى للرؤساء والوزراء والنواب الحاليّين الى نحو النصف، وإلغاء التعويضات للنواب السابقين فور انتهاء ولايتهم أو بعد سنة من تاريخه، إلّا لمن كان مريضاً أو معوقاً أو ذا حاجة.

وفي الأرقام التي قدّمها النائب سامي الجميّل أن تعويضات النواب مدى الحياة تساوي 3 أضعاف موازنة وزارة الصناعة. واعتبرت يعقوبيان أن الوفر المحقّق من الإجراءات المقترحة يبلغ نحو 25 مليون دولار. وهي إجراءات ضرورية.

ولعلّ أفضل الختام في ما قالته يعقوبيان: “ان ضبط الانفاق والهدر يبدأ من هنا، من أعلى الهرم، ويجب أن نبدأ بأنفسنا”.

المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها