الأثنين ٤ أيار ٢٠٢٠ - 09:03

المصدر: Arab Economic News

الى صندوق النقد… در!

أقرّت حكومة حسان دياب “خطة التعافي المالية”، وأدارت ظهرها إلى داخل قلق ومتسائل ومكتوٍ بنار دولار ظالم، متجهة نحو خارج مشكّك ومشترط ومنهكة خزائنه بفعل تكاليف “كورونا” وأخواتها من تداعيات لم تُعدّ بعد ولم تُحصَ…

في 53 صفحة بنسخة إنكليزية لم تُترجم إلى العربية بعد، ربما لدحض التساؤلات بعدم دقة الترجمة التي تُركت قصدا “في التصرّف”، إختصرت الحكومة، وفي سابقة لم تُتح لها الأخذ بخلاصات إستشارات إقتصرت على قلّة محظية، رؤيتها للنظام الإقتصادي الذي حدّد الدستور اللبناني حريته المطلقة، فإقترحت قيودا على حركة المال مضافة إليها معايير وجهات الإستثمار، لتقود إقتصاد لبنان بذلك نحو خيارات الإقتصاد الموّجه الذي لا يتلاءم وهويته وثقافته وقوانينه.

هي خطة إفتراضية تماشيا مع “الزمن الإفتراضي” سعيا إلى 10 مليارات دولار على مدى خمس سنوات. أعلنت الحكومة حربها على النظام المالي، فرغبت في إعادة هيكلته لتحديد حجم الإحتياطي الفعلي في مصرف لبنان والمصارف وكشف الخسائر، وطرحت الإصلاحات المزمنة على بساط وعود غير مضمونة الأفق، وإستعانت بشعارات “كليشيهات” لم تتخلَ عنها أي حكومة. الإقتصاد الإنتاجي والنمو وشبكات الأمان الاجتماعي، عناوين لم تستهلك وقتا لتفاصيل قد يكمن فيها شياطين كثيرة. تحسّست الضائقة المعيشية، وفتحت الباب لبرامج مستوردة من الخارج (البنك الدولي ومؤسسات) بغية إعانة الشرائح الأكثر فقرا… إستخدمت كل ما يستهوي صندوق النقد من طروحات وأفكار أملا منها بالحصول على معونة الـ10 مليارات بعد “مرونة” غير واضحة أو مبرّرة، طرأت على “الفيتو” الذي سبق لـ”حزب الله” أن وضعه محذّرا من الوقوع في شروط الصندوق!

لكن، كيف سبيل الحكومة إلى النجاح وهي التي قطعت شعرات التواصل مع “شركائها” الفعليين بما يضمن لها حسن تنفيذ خطة، يتطلب المجتمع الدولي أن تحوز توافقا داخليا شاملا؟ فهجمة حسان دياب على “أداء مريب” لدى حاكم مصرف لبنان رياض سلامة “المتروك” وحده بلا تعيينات مالية مساندة، لا يخدم صورة الجهاز الحكومي “المستقل” المولج عملية الإشراف والتنفيذ، وخصوصا بعد توتر “الإقالة” التي أثارت تحفظ واشنطن وأغضبت باريس. وليس بعيدا، خسرت العلاقة ما بين دياب والمصارف روح التعاون بفعل سياسات المعاقبة، رغم أن العرف يفترض “مغازلة” بنك المال الذي سيُحمّل فشل الدولة في تسديد ما لها وما عليها. كذلك، إستُبعدَ نصف الطبقة السياسية من التشاور المسبق، لتكتفي الحكومة بتحويل مهمة “الإطلاع” إلى بعبدا في موعد حدّده رئيس الجمهورية الأربعاء المقبل. لكنه يأتي متأخرا بعد النشر، بما يجعله لقاء “رفع عتب”. وإن كانت كتلة “المستقبل” إعتذرت وتساجلت مع الرئاسة الأولى، فإن حماسة الكتل الأخرى لا تبدو أنها ستخرجها عن إطار “شاهد ما شافش حاجة”.

وفي أهم الأفرقاء الذين أغفلتهم الحكومة، هم الثوار الذين عادوا إلى شارع أرادت “كورونا” إخلاءه قسرا.. لكن “كوى” الدولار إلتهم القدرات الشرائية ودفع التضخم إلى مستويات قياسية ترجمتها أسعار السلة الإستهلاكية، فإندفع هؤلاء إلى المشاكسة والخروج من أَحجار باتت خاوية المأكل والمشرب، بعدما ارتفع عدّاد الفقر حاصدا المزيد ممن انضموا إلى نادي البطالة. وأكثر، لجأت الحكومة إلى فرض ضرائب جديدة تضخيما لإيراداتها، ومرّت “مرور الكرام” على آليات الدعم الذي تحوّل إلى “حزم مالية” في معظم دول العالم، وإنتقلت إلى برامج وإجراءات وأجندات لإصلاح القطاع الإجتماعي وتطوير شبكات الأمان لحماية الشرائح الأكثر ضعفا… لكن، ماذا عن اليوم والغد، وهناك 60% يأتوون بخط الفقر؟

تسع ركائز لخطة إستندت إلى سعر صرف (الدولار بـ3500 ليرة) ولم تتخذ قرارا في شأن تحريره، لكنها لم تتوانَ عن إبداء رغبتها في “الإنتقال إلى سعر أكثر مرونة”. حدّدت الخسائر المالية بنحو 220 تريليون ليرة، وفرضت أعباءها على مصرف لبنان والمصارف والمساهمين الأثرياء (إختياريا) وحَمَلة الأسهم الأجانب (“اليوروبوند”). فتحت الخيارات على مصراعيها بغية إسترداد الأموال المنهوبة والودائع المهرّبة، وإرغام المصارف على دفع أرباح حولتها الى الخارج لـ5 سنوات، وطلبت إسترداد عوائد الهندسات المالية وإيرادات الفوائد المفرطة. باختصار، إفترضت الحكومة في خطتها 80 مليار دولار كحجم لحاجات التمويل على مدى خمس سنوات.

لكن، ثمة تساؤلات كبيرة على مصادر هذا التمويل الذي لن يجدي أن يأتي من داخل منهك لأن الحاجة إلى “أموال جديدة” Fresh Money، كما أنه لن يتسرّب من خارج أفلسته “كورونا”، ليبقى صندوق النقد هو الخيار المتاح، لكن المشروط. إلى ذلك، تطال التساؤلات مصير سعر الصرف وهامش المرونة الذي يتيح بعض المناعة للقدرات الشرائية، والإصلاحات الهيكلية ومدى التزام الحكومة حسن التطبيق، ومصير النمو الطارد للركود المزمن، وتأثيرات “كوفيد 19” التي قضت على الطبقة الوسطى ودفعتها إلى قاع الفقر الذي يفترض تخفيف حدته. وربما الأهم، كيفية الحفاظ على الوظائف في ظل إنفراط حبات “دومينو” القطاع الخاص نتيجة الضغوط التضخمية.

هي تساؤلات بدأت تتردّد أصداؤها من بيروت المتعالية على الواقع، إلى واشنطن التي تململت على وقع نشر “خطة التعافي”، وسألت عن مدى الالتزام بالإصلاحات من قبل حكومة يشكّل “حزب الله” جزءا منها، وصولا حتى باريس التي ذكّرت بمطالبتها المزمنة بخطة إصلاحية، رافضة ما وصفته بـ”الخطة التدميرية” للإقتصاد اللبناني.

إلى صندوق النقد.. درّ! هكذا سلك طلب لبنان لبرنامج إنقاذي طريقه، والجواب سيأتي في زيارة لوفد الصندوق الى بيروت هذا الشهر… على أمل ألا تطول حلقات التفاوض، لئلا يأتي الفرج ولا يجد مَن ينتظره!

المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها