الثلاثاء ٢١ نيسان ٢٠٢٠ - 13:23

المصدر: المركز اللبناني للدراسات

الى ماذا ستؤدي الأزمة المالية؟

قام المركز اللبناني للدراسات باستطلاع رأي خبراء بارزين للإجابة على سؤال واحد: “هل ستؤدّي الأزمة المالية التي ازدادت حدّتها مع فيروس كورونا الى تعزيز سلطة الأحزاب السياسية الحاكمة في لبنان أو ستخفّف من سلطتها؟” ندعوكم لقراءة وجهات نظرهم المختلفة في الأيام القليلة المقبلة.
يعتمد الأمر على كيفية استجابة النخبة السياسية المذهبية للأزمات النقدية والمالية المتراكمة التي أُضيفت إليها الأزمة الصحية الحالية. لكن أولاً، لا بدّ من تفكيك مسمّى “الأحزاب السياسية الحاكمة” نظرًا للمعركة الجارية في صفوف النخبة السياسية المذهبية على الدولة والسياسات الاقتصادية والمالية، وتنوّع قواعدها الشعبية.
في الواقع، يتّضح يوماً بعد يوم أن حكومة حسّان دياب، وبالنسبة الى جزء كبير من النخبة السياسية المذهبية، أتت لتنفذ عملية تكتيكية تضليلية بحتة، حيث جرى تعيين حكومة من تكنوقراط مزعومين لإقرار سياسات مالية يستحيل أن تحظى بأي شعبية، سياسات تستهدف طبقات وقطاعات معيّنة من دون أن تنسف ما تبقّى من الاقتصاد السياسي للمذهبية.
لدى النخبة السياسية الطائفية أولوية ذات شقّين: أولاً، حماية نفسها من الغضب الشعبي المرتقب مستخدمةً كدرع لها حكومة تكنوقراط مستقلة مزعومة تتلطّى خلفها؛ ثانياً، الحرص على ألا تأتي السياسات المالية الجديدة الهادفة إلى دعم إيرادات الدولة وخفض النفقات على حساب قواعدها الزبائنية الأساسية. في الواقع، يهدف الموقف الشعبوي الذي تنطوي عليه هذه المناورة الى إخفاء الخطيئة الأصلية، أي تراكم الديون الضخمة التي استخدمت إلى حد كبير لتغطية إنفاق الدولة المسرف على سياساتها الزبائنية تحت شعار بناء الدولة وإعادة الإعمار والمصالحة.
في نهاية المطاف، نحن نحصد نتائج 30 سنةً من سياسات النظام التوافقي المذهبي في فترة ما بعد الحرب وهياكله القائمة على الزبائنية الذي يشبه النظام الزومبي: دولة مجرّدة من الحد الأدنى من المصداقية، أو من توفيرٍ الخدمات أو حتى من القدرات المؤسساتية. نرى مثالاً على ذلك كيف أحيت أزمة فيروس كورونا العصبيات الطائفية والمذهبية والمناطقية. ويتّضح ذلك أيضاً من الإهمال في مرافق الصحة والإدارة العامة ومواردها المحدودة بالمقارنة مع المقدرات الزبائنية التي تتمتّع بها الأحزاب المذهبة، وفي فشل النخبة السياسية في إلهام الإرادة الشعبية الجماعية. أتمنى أن أرى سياسياً واحداً، سواء من داخل نادي النخبة السياسية المذهبية أو خارجها، قادراً على إلقاء خطابٍ موحّد وملهٍم كالخطاب الذي ألقته أنجيلا ميركل أمام الشعب الألماني.
وبالعودة إلى السؤال حول كيفية تأثير كل هذا على الأحزاب السياسية، لا بدّ لنا من تجنّب الأحكام الشاملة. فقد نرى بعضاً من النخب السياسية المذهبية تفرض سياسات مالية ونقدية هادفة إلى عزل زبائنها عن تأثير الأزمة الاقتصادية، وذلك على حساب المصالح الاقتصادية السياسية لمجموعات مذهبية أو طبقية أخرى، ودائماً على حساب سياسات اقتصادية رشيدة. هل يكفي ذلك للحيلولة دون تفكك المجموعات الزبائنية الداعمة لسلطتها؟ أشكّ في ذلك في ظلّ هذه الأزمة الاقتصادية والمالية والمصرفية والصحية. طبعاً هذه النخب تفترض على الأرجح أنها إذا نجحت في جعل نظام الزبائنية يستمرّ لوقت أطول من خلال تجنّب تقليص حجم القطاع العام وكلفته، فقد تنقذها العائدات الريعية من النفط والغاز والمساعدات من المجتمع الدولي. لكن مع أسعار النفط الحالية والانكماش الاقتصادي العالمي الذي تسبب به فيروس كورونا، قد يتبيّن أنها تبني سياساتها على أوهام، ولن تكون تلك المرة الأولى التي تبني فيها النخب المذهبية سياساتها على أوهام. فعلاً لا يمكن تخيل عاصفة أقوى!
ترقبوا في المدى القريب معارك شرسة بين المكوّنات المختلفة للنخبة الاقتصادية السياسية في لبنان، عندئذٍ ستبدو أزمة كورونا مجرّد استراحة قاتلة.

المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها