الأثنين ١٠ كانون الأول ٢٠١٨ - 10:38

المصدر: Arab Economic News

بريسيليا… بائعة “ربيع أوروبا”؟

تناقلت وسائل التواصل الإجتماعي في نهاية الأسبوع ما كُشف عن ثورة “السترات الصفراء” التي حرّكت “ربيع القارة العجوز” بدءا من شوارع باريس المتخمة بالثراء، عندما ألغت الحكومة ضريبة الكربون التي تسببت في رفع سعر الوقود… في الصورة، بدت شابة في ربيع العمر، إنتقلت فجأة من متجر صغير في سافيني لوتومبل، إلى مسرح السياسة من دون أن تدرك أن عريضة الـ”فايسبوك” التي أطلقتها، ستطلق العنان لإحتجاجات دفينة مما يثقل كاهل ذوي الدخل المحدود.

بريسيليا لودوسكي، بائعة أدوات التجميل بعدما كانت موظفة صغيرة في أحد المصارف، لم تحتج على رفع سعر الوقود في فرنسا، بل ذهبت الى حيث يجب: قدمت سلة إقتراحات عملية في إمكانها مساعدة حكومة باريس على إيجاد مقاربة إيجابية تلحظ أيضا الإعتبارات الإجتماعية وأوضاع ذوي الدخل المحدود، والإعتبارات البيئية التي تستدعي خفض الإعتماد على مصادر الطاقة الملوثة.

لم تكن بريسيليا تعي أن العريضة ستتفاعل على وسائل التواصل، لتجذب نحو مليون مؤيد لأفكارها وإقتراحاتها. شابة هادئة وواقعية، هكذا وُصفت بريسيليا التي يُتوقع أن يكون لها دور في إقناع الحكومة الفرنسية، ولاسيما الرئيس إيمانويل ماكرون، بضرورة الاستجابة بسرعة إلى مطالب المحتجين الذين إرتفع عدد مَن وقّع منهم العريضة، من 400 في تشرين الأول/أكتوبر ليتجاوز الـ800 ألف مطلع تشرين الثاني/نوفمبر. عدد كان يمكن أن يفوق سقف المليون وأكثر، لو وافقت بريسيليا على التواصل والتنسيق مع نواب في اليمين المتطرف إتصلوا بها، إيمانا منها بأن “السترات الصفراء” هي حركة غير منظمة تأتي من القواعد الشعبية، وخارجة عن الهياكل المنظمة للنقابات العمالية والأحزاب السياسية. ولذا، يجب أن تبقى من حيث إنبثقت…

ربما لهذه العفوية في التعامل واللاتخطيط، إجتاحت حمى “السترات الصفراء” هواء مدن عدة في بلجيكا وهولندا، وربما مدن أوروبية أخرى إن بقيت الثورة نابضة في مهدها وصادقة في مطالبها وفاعلة في إنتشارها.

لكن خروج المطالب من عقالها، تماما كما حدث لجماعة “الحراك المدني” في لبنان” حين بدأوا تحركهم إحتجاجا على ملف النفايات وإنتهوا بالمطالبة بتغيير النظام دفعة واحدة (!)، دفع الأمور نحو واجهة أخرى قد تنذر بعواقب فوضوية لا تُحمد عقباها في موسم الإيرادات المالية ضخمة، ليفتح الباب على سيناريوهات قد تحدّد مصير الرئيس إيمانويل ماكرون “الصامت حتى هذا الأسبوع”.

سحب الثقة، هو أسوأ كابوس لا يرغب ماكرون في أن يحلّ ضيفا على البرلمان الفرنسي الذي قد ينعقد خصيصا لذلك، على خلفية تداعيات الشارع الفرنسي على مدى شهر كامل. وبحسب صحيفة Express البريطانية، دعت  مجموعة نواب فعليا لسحب الثقة من ماكرون إثر سقوط قتلى في تظاهرات “السترات الصفراء”. ووفقًا لاستطلاع رأي أجرته مؤسسة Fop Fiducial في فرنسا، إنخفضت شعبية ماكرون إلى 23% خلال تشرين الثاني/نوفمبر، بتراجع 6% عما كانت قبل شهر.

الإستقالة الطوعية، هي السيناريو الثاني الذي طرحته شبكة ABC News الأميركية وفقا لمطالب “السترات الصفراء”، رغم نفي بعض المسؤولين عن الحملة وصول سقف المطالب إلى هذا الحد. وأشارت الشبكة إلى أن عدول حكومة باريس عن قراراتها بإضافة ضرائب جديدة للوقود، بدا غير مُرض للفئات الثائرة، بما يوحي ان ثمة ما يتجاوز المعلن من الأهداف، وووضعت إستقالة ماكرون كأحد أهم أهداف المتظاهرين رغم تجاهل ماكرون.

الضغط الأوروبي، وهو ما ترجمته تحذيرات خبراء معنيين بشؤون الإتحاد الأوروبي من أوضاع فرنسا، مؤكدين وجود حال من فقدان الثقة بقدرات ماكرون على إحتواء الأزمة المشتعلة التي تضرّ بسمعة الكفاءة التكنوقراطية وتطرح تساؤلات عن مدى فاعلية الحكم السياسي في فرنسا.

إرضاء المتظاهرين، حيث بدا مصير ماكرون مُعلّقا بأصوات المتظاهرين وتحركاتهم السياسية، وهذا ما يعني أنه لا تزال هناك إمكانية للسيطرة على الأوضاع بقرارات تتناسب معها من حيث القوة. ويتردّد أن ماكرون بدأ التفكير بإقالة عدد من أعضاء حكومته في محاولة لاسترضاء الجموع الغاضبة.

هذا ما ينذر بتلبّد الغيوم الأوروبية إلى ما يتجاوز الأزمة الاقتصادية التي تعانيها القارة العجوز، وما يزيد من تأزمها مفاعيل الـ”بريكست” التي تطول المملكة المتحدة كما الإتحاد الأوروبي، وتقوده نحو مصير مجهول الملامح رغم التقديرات والتوقعات.

أما في لبنان، فلا حياة تنعش البلاد ولا دافع يحرّك الشارع بتحركات إحتجاجية، ولا أفق تمكّن اللبنانيين من تعليق آمال متفائلة على قرب إنفراج. فولادة الحكومة في إجازة رغم تداولات الكواليس التي رفعت الحجم الى 36 وزيرا بدل 32 (!)، والشأن الإقتصادي إلى مزيد من التدهور بما تنذر به أرقام المؤشرات المغلوبة بالأحمر، فيما الشأن الإجتماعي لا يبشّر بخير مرتقب مع تحوّل هيكلية المجتمع من إنتاجي يعتمد على القوى الشابة العاملة إلى مجتمع يعجّ بالأطفال والكهول، مع ما تردّد من جديد عن أزمة الهجرة، وتحديدا عن هجرة 34 ألف لبناني إلى غير رجعة!

وإذا كانت بريسيليا… بائعة “ربيع أوروبا” الذي وضع أمس فقط، نحو ألف شخص قيد الحبس الإحتياطي بتهمة “إرتكاب أعمال عنف” بحسب المدعي العام لباريسي، فمَن يكون في لبنان بائع الربيع الجديد؟

المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها