مصطفى فحص

السبت ١٤ آذار ٢٠٢٠ - 17:32

المصدر: الحرة

بوتين 2036… قائد إلى الأبد

أعاد صُناع القرار في الكرملين الاعتبار لمعادلة الفرد القائد للدولة والأمة وربطها بضرورة الحفاظ على استقرار السلطة، نتيجة فشلهم في طرح تعريف عقائدي للسلطة منذ العام 1991، إضافة إلى عدم قدرة النخبة السياسية تجديد كادرها، ما أدى إلى غياب وجوه قيادية جديدة؛ والأهم من كل هذا قلق مراكز القوة من مرحلة انتقالية لا تضمن خلالها استقرار السلطة والحفاظ على موازين القوى.

ففي التركيبة الروسية الحالية، لم يعد ممكنا الحفاظ على ما تصفه السلطة بالاستقرار سوى بضمان استمرارها دون المساس بهيكلها الهرمي، فجوهر الحكم الآن هو في بقاء رأس الهرم (الرئيس) ممسكا بكافة مفاصل السلطة، الأمر الذي جعلها دولة مرتكزة إلى رأس هذا الهرم، وباتت سلطته أقرب إلى شكل الهرم المقلوب الذي يتخذ فيه الرأس مكان القاعدة، فإذا تعرض الرأس إلى ضربة ما، تسقط القاعدة ويسقط معها هيكل السلطة على الجميع.

في روسيا المعاصرة أصبحت البوتينية رأس المال الوحيد للنظام الجديد

مما لا شك فيه أن استنجاد النخبة الحاكمة بالبوتينية، ساعدها على تجاوز أزمتها الأيديولوجية، ومنحها رداء دستوريا، يبرر استخدامها النظام غطاء لحكم روسيا منذ العام 2000 وحتى 2024، وسيحكمها الآن إلى العام 2036، بعد اقتراح تعديلات دستورية تقضي بتصفير ولاية بوتين الرئاسية، والسماح له بإعادة الترشح بعد إنهاء ولايته الحالية بعد أربع سنوات، وهو المخرج الذي حاكه صُناع القرار في الكرملين للخروج من مأزق توزيع السلطة بعد العام 2024، خصوصا لجهة حماية موقع الرئيس في حال حدث تضارب في السلطات بين موقع رئاسة الجمهورية ورئاسة مجلس الدولة، بعد اقتراح تعزيز دوره في التعديلات الدستورية التي كان سيجري التصويت عليها في 22 أبريل المقبل.

الجديد في قرار مجلس الدوما (البرلمان الروسي)، الذي كان جلسته أشبه بمسرح للدمى، تحرك أيادي الكرملين خيطانه، أنه فتح الباب على مصراعيه أمام الرئيس فلاديمير بوتين للبقاء في السلطة حتى العام 2036، عبر الأدوات التشريعية التي يتمسك بها بوتين لتبرير بقائه في السلطة، إضافة إلى الظروف الاستثنائية التي يمر بها العالم، والتي تفرض على روسيا الحفاظ على استقرارها السياسي، وفقا لما جاء على لسان المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف الذي أعلن موافقة الرئيس فلاديمير بوتين على تعديل دستوري يسمح له بالاستمرار في السلطة إلى 2036، وذلك “بالنظر إلى انعدام الاستقرار في العالم، وفيروس كورونا الجديد، والمخاطر التي تتهدد روسيا”.

إذن، على قاعدة حكم الرجل الواحد باعتباره قائدا للأمة والدولة، لجأ أنصار البوتينية إلى استعادة كاملة لنظام الاستبداد الفردي الذي حكم روسيا في العهدين القيصري والسوفياتي. برر الأول سلطته من خلال ثنائية تربط ما بين القيصر والهوية الدينية لروسيا، أما الثاني فتمترس خلف سلطة الحزب الواحد ومبرراته الأيديولوجية من ديكتاتورية البروليتارية إلى المسوغات الفكرية التي روّج لها مُنظر سلطة السوفيات الاستبدادية الشيوعي ميخائيل سوسلوف، الذي روج لمعادلة أن روسيا لا تَحكم أو تُحكم إلا كإمبراطورية قيصرية كانت أم سوفياتية، فهي تحتاج لكي تكون إمبراطورية إلى ثنائية القيصر والفقر، وهي معادلة مكنت زعماء الاتحاد السوفياتي التصرف بالسطلة على غرار القياصرة.

استنجاد النخبة الحاكمة بالبوتينية، ساعدها على تجاوز أزمتها الأيديولوجية

في روسيا المعاصرة أصبحت البوتينية رأس المال الوحيد للنظام الجديد، حيث لا يوجد طبقة نبلاء اعتادت أن تحمي نظام القيصر، أو أعضاء المكتب السياسي للحزب الذي يعطي شرعية للنظام ويشد عصبه، لذلك تتمسك مراكز صنع القرار في الكرملين بالآليات الدستورية شرطا لموافقة بوتين على التعديلات وإزالة المدة الزمنية الملزمة للولايات الرئاسية واشترط موافقة المحكمة الدستورية، واحترام الدستور ـ بغض النظر عما إذا كان الدستور الحالي والذي سيتم تعديله قريبا يعكس واقع روسيا الحالي، بينما الحقيقة الفعلية أن الدستور في روسيا المعاصرة لا يختلف عن الدستور الذي أقره ديكتاتور روسيا السوفياتية جوزيف ستالين سنة 1935 وكانت مواده تعتبر أكثر ديمقراطية حينها لكنها لم تكن تمت بصله لممارسات ستالين الاستبدادية.

عمليا ترسم التعديلات الدستورية واقعا جديدا لروسيا في ظل عقيدتها البوتينية باعتبارها رافعة للنظام الجديد، التي فكك بنيتها الاجتماعية والسياسية الأكاديمي والسياسي الروسي أندرانيك ميغرانيان (Andranik Migranyan) بقراءته المبكرة لتركيبة السلطة في روسيا ما بعد 1999 إذ اعتبر أنها تريد سلطة قوية وليس فوضى. وقد استعادت الدولة في عهد بوتين آلية عملها التقليدية، واستعادت كذلك فاعليتها وسلطتها على مواردها وأصبحت أكبر مؤسسة مسؤولة عن وضع قوانين اللعبة، قد يكون النظام ديكتاتوريا استبداديا لكنه بحاجة إلى موافقة مواطنية.

المواطنون الموالون في روسيا هم الأصوات التي ستعطي النظام غطاءه الشعبي في الحكم من خلال استفتاء يمنح فلاديمير بوتين المتأثر بتجربته السورية صفة القائد إلى الأبد.

المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها