الأثنين ٢٣ أيلول ٢٠١٩ - 08:29

المصدر: Arab Economic News

بيلغنسلي يلحق بـ”جمال” حتى بيروت..

بخطى متسارعة، تسير منطقة الشرق الأوسط نحو التصعيد العسكري والمالي المفتوحة سقوفه، وخصوصا بعد الردّ الأميركي على هجمات “أرامكو” بإستهداف البنك المركزي الإيراني بعقوبات، وصفها الرئيس دونالد ترامب بأنها “الأقسى على الإطلاق ضد دولة ما”.

الإستهداف الأميركي يعني “أنه لن تعود هناك أموال تذهب إلى “الحرس الثوري” الإيراني لتمويل الإرهاب”، فالأمر يتعلق وفق وزير الخزانة ستيفن منوتشين، باستهداف “آخر مصدر دخل للبنك المركزي الإيراني والصندوق الوطني للتنمية وشركة “اعتماد تجارة بارس” الإيرانية كونها سهلت إجراء تحويلات مالية للقيام بمشتريات عسكرية لمصلحة النظام. وإتُهم البنك المركزي بتقديم مليارات الدولارات لـ”الحرس الثوري” و”فيلق القدس” التابع له وحليفه “حزب الله”. مسار واضح تتبعه واشنطن وتنحو الى مزيد من التشدّد لتمتد عقوباتها من “الأنشطة النووية” لإيران الى “تمويل الإرهاب”، بما يستحيل إلغاء العقوبات في حال إنتخاب رئيس ديمقراطي عام 2020.

“سيحاول الإرهابيون ورعاتهم دوما إيجاد طرق جديدة لتمويل أنشطتهم الجرمية وتخطي العقوبات وسيحتاجون الى التمويل. لكن يمكننا، ويجب علينا وقف مسارات تلك المخططات وحماية فاعلية العقوبات، ومعاقبة مَن يشاركون في تمويل الإرهاب للحفاظ على سلامة المجتمع الدولي”.

هي أشبه بشهادة أدلى بها مساعد وزير الخزانة الاميركية مارشال بيلغنسلي قبل نحو أسبوع امام المجلس الأطلسي الأميركي، (منظمة غير حزبية تأسس عام 1961، ويعمل لتحفيز القيادة والمشاركة الأميركية في وضع حلول للتحديات العالمية)، خلال حديثه عن تحديات الأمن القومي: الشبكات المالية غير المشروعة التي تدعم إيران وذراعها العسكري “حزب الله”.

تؤمن واشنطن بفاعلية العقوبات. لذا، باتت تركز على معادلة “النفط مقابل الإرهاب”، وحدّدت مصدر تمويله عبر شبكة مؤلفة من 37 كيانا (من الأفراد والسفن) باعت هذا العام أكثر من نصف مليار دولار من النفط الخام الإيراني لسوريا، فضلا عن مجالات أخرى مثل المصارف والبتروكيماويات والشحن البحري والمعادن، بما يعود بالمنفعة على “الحرس الثوري” و”قوات القدس و”حزب الله”. وتعتبر واشنطن أن إطلاق الناقلة “أدريان داريا 1” كان خطأ باهظا، “لأننا خاطرنا بوضع أكثر من 100 مليون دولار في خزائن “قوات القدس” و”حزب الله”، وهو أمر ما كان يجب أن يحدث أبدًا”، وفق بيلغنسلي.

هل أفلحت جهود واشنطن؟
إستندت واشنطن على مؤشرات الإقتصاد الإيراني لتمضي في إعتماد العقوبات سلاحا فاعلا لتنضيب قنوات تمويل النظام. فوفق توقعات صندوق النقد الدولي، سينخفض النمو بنسبة 6% في 2019، فيما فقد الريال أكثر من نصف قيمة منذ نيسان/أبريل 2018. كذلك، انخفضت صادرات النفط الى نحو 500 الف برميل يوميا إعتبارا من آب/أغسطس مقارنة بنحو 2.5 مليون برميل يوميا، وتوقع البرلمان تقلص قطاع النفط أقله بنسبة 18% في 2019. وبنتيجة العقوبات، قطعت أكثر من 100 شركة دولية علاقاتها مع إيران، بما فيها SWIFT (شبكة الاتصالات المالية بين المصارف)، وتمّ حظر شركة “ماهان إير”، الأكبر في إيران، من الهبوط في المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا.

في كل ذلك، لم يكن “حزب الله” بعيدا. فهو يشعر بالضغوط من خلال خفض رواتب مقاتليه وتعويضات عائلاتهم وفصل موظفيه الإعلاميين. ويقول بيلغنسلي، هذا ما دفع الأمين العام للحزب حسن نصرالله لدعوة أنصاره الى “جهاد المال”. “ومن حينه، زاد من استغلاله للتبرعات الخيرية لتمويل رواتب مقاتليه، واعتمد الإكراه السياسي والترهيب للضغط على القطاع المالي اللبناني من أجل المال”.

تدرك واشنطن ان “حزب الله” يتلقى الجزء الأكبر من تمويله من إيران، لكن استنزاف إيراداتها لن يستنزف خزائنه لانه يوفر التمويل عبر استخدام رجال الأعمال لتشغيل مجموعة من الشركات، مستغلين العلاقات السياسية للحصول على عقود مفضلة. ومثلما فعلت مع إيران، تظهر واشنطن عزمها على تفكيك البنية التحتية المالية لـ”حزب الله”، يقول بيلغنسلي. فمنذ 2017، تمنع وزارة الخزانة عملاء الحزب من الوصول إلى النظام المالي العالمي، إذ تمت تسمية أكثر من 50 من الأفراد والكيانات، وحدّدت مكافأة بمقدار 10 ملايين دولار لمَن يدلي بمعلومات عن مصادر تمويله.

“جمال ترست بنك” الذي إستُهدف في 29 آب/أغسطس، هو وفق واشنطن، دليل على إختراق “حزب الله” لشركات تبدو شرعية. ويقول بيلغنسلي إنه كان للمصرف علاقات مالية طويلة الأمد مع كيانات الحزب الرئيسة مثل المجلس التنفيذي وفرع “مؤسسة شهداء إيران في لبنان” و”القرض الحسن”. ويقول بيلغنسلي: لم يكن سبب سقوطه مرور بسيط لمعايير مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب: لقد عرفوا عملاءهم، وكان “حزب الله”.

بيلغنسلي وصل مساء أمس الى بيروت لمتابعة ملف “جمال ترست”، حيث تشمل لقاءاته حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، ورئيس لجنة الرقابة على المصارف سمير حمود، والنائب السابق لحاكم مصرف لبنان محمد بعاصيري الذي إختاره سلامة للإشراف على تصفية “جمال تراست”، إضافة الى جمعية المصارف والرئيسين نبيه بري وسعد الحريري. ووفق معلومات مرافقة، فان الجولة تستهدف متابعة مسار تصفية “جمال ترست” والإجرات المتبعة.

مع ذلك، يدرك بيلغنسلي أن بيروت نجحت في إحتواء الصدمة. فالحاكم سلامة اعتمد خيار “التصفية الذاتية” وفق المادة 17 من القانون 110/92، واختار محمد بعاصيري، المصرفي المخضرم الذي أمضى نحو ثلاثة عقود متنقلا ما بين لجنة الرقابة على المصارف وهيئة التحقيق الخاصة ونيابة الحاكمية، للإشراف على التصفية بالتنسيق مع الحاكمية وهيئة التحقيق الخاصة.  وبدءا من هذا الأسبوع، يباشر بعاصيري عمله من حيث بدأت لجنة الرقابة وفي موازاتها، أي تقدير الموجودات في محفظة التسليفات الى الموجودات الثابتة (عقارات)، وهي مهمة أولى قد تستغرق أكثر من شهر، وخصوصا أن حجم التسليفات مقدّر بنحو 450 مليون دولار.

لا شك في أن أزمة “جمال ترست” أصابت لبنان، لكنها غير مسؤولة عن أزمة السيولة التي يتسبب فيها إختلال الميزان التجاري (ارتفاع الاستيراد وتراجع السياحة ونمو الودائع وخروج نحو 1.5 مليار دولار من القطاع المصرفي). الجميع بات يرغب بالدولار فجأة. هي مشكلة لا حلّ لها بضخّ مزيد من الدولارات في السوق، بل في وقف التهريب. فهل ستبادر الحكومة بعدما أطلقت قطار “سيدر”؟

المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها