الأثنين ٢٩ تموز ٢٠١٩ - 08:28

المصدر: Arab Economic News

تبرير في غير محله!

ما إن وقع إختيار المملكة المتحدة على بوريس جونسون خلفا لرئيسة الحكومة تيريزا ماي المتخاذلة أمام ضغط “بريكست”، حتى وقعت أعين العالم على أوجه الشبه التي تربط “صاحب الهفوات” البريطاني بالرئيس الأميركي دونالد ترامب “المثير للجدل”. فالملامح تكاد تكون واحدة من حيث الشكل والمضمون. ففي الأولى، تشابه في لون البشرة والشعر وحتى في طريقة تصفيفه، مع فارق عمري طفيف. أما في المضمون، فيكاد يكون الرجلان واحدا من حيث المواقف الصادمة والحازمة، والصراحة حسّ الفكاهة والغرور… وصولا إلى حجم الشعبية الكبير وغير المبرّر أحيانا.

فمن ترددات إنسحاب واشنطن من الإتفاق النووي التي هزّت حركة ناقلات مضيق هرمز وأثارت مخاوف الشرق الأوسط من إندلاع حرب عسكرية، رفض ترامب طلب شركة “آبل” إعفاء مكوّنات مصنوعة في الصين وتدخل في صناعة حواسيبها من الرّسوم الجمركية، وهدّد بفرض ضرائب على النبيذ الفرنسي ردا على إقتراح باريس فرض ضريبة تستهدف شركات التكنولوجيا الأميركية الكبيرة.

في غمرة التهديدات الأميركية، علا من لندن صوت “منقذ بريكست” في حركة أولى نحو مجهول يعتقد أنه “فرصة إقتصادية هائلة”. إذ تعهّد جونسون بتحقيق الخروج من الإتحاد الأوروبي في موعد أقصاه 31 تشرين الأول/أكتوبر من دون تلكوء “سأتفاوض على إتفاق أفضل بشأن “بريكست”، وسأعيد الثقة إلى وطن الديمقراطية، وسأتحمّل المسؤولية الشخصية عن التغيير الذي أريده”.

ما يتوجب تتبعه، هو العلاقة التي ستتوثق رويدا رويدا ما بين الرجلين، بعدما بدأت بإتصال تهنئة، قيل رسميا إنهما أكدا خلاله “إلتزامهما بتقديم اتفاقية طموحة للتجارة الحرة وبدء المفاوضات في أقرب وقت ممكن بعد مغادرة المملكة المتحدة للإتحاد الأوروبي”. كذلك “إتفقا على أن خروج بريطانيا من الإتحاد الأوروبي يوفر فرصة لا مثيل لها لتعزيز الشراكة الإقتصادية بين لندن وواشنطن”. وكان طبيعيا أن يناقشا التوترات الحالية في منطقة الخليج، ويتحدثا عن “الحاجة للعمل مع الشركاء ومعالجة سلوك إيران المزعزع للإستقرار في الخليج”. فهل هذا إنذار بالسير نحو المزيد من التصعيد؟

إلى حين إرتسام ملامح التحالف الجديد، قد يكون مفيدا تتبع حركة جونسون-ترامب بدءا من قمة مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى في بياريتز الفرنسية الشهر المقبل. هذا ما سيفعله قادة العالم والمسؤولون الحكوميون وخبراء المال والإقتصاد، إستعدادا لوضع خطط طوارئ وبرامج بديلة لتطورات غير محتسبة النتائج والمفاعيل والترددات ضبطا للتكاليف والخسائر المحتملة لأي تصعيد، بات اليوم أحد أبرز الخيارات المرجحة مع إلتقاء رئيسين يهويان المغامرات السياسية… من دون أن يعني كل ذلك ترجيح الخيار العسكري على سواه!

هل يعقل أن يكون لبنان الغارق في أزماته، متحسبا ومتأنيا في قراءة الأحداث العالمية على هذا النحو، وقادرا على وضع سيناريوهات لـ”حالات الطوارئ”؟
قد يكون من المغالاة البحث عن شبيه مطابق لمواصفات ترامب أو جونسون. لكن، من الواضح أن نتيجة أي إستفتاء شعبي ستفضي إلى إصدار أحكام -وقد يكون بعضها ظالما- في حقّ السياسيين بما يذهب أبعد من مغامرات ترامب-جونسون، وذلك إستنادا إلى ما يواجه لبنان من أزمات متنقلة تحطّ رحالها بين ملفات ومناطق وأحزاب، فيما يتخبّط أهل السلطة بخلافاتهم الخاصة حول تقاسم المراكز والمنافع .

فهل يجوز أن تبقى الحكومة معطلة وهي على باب “سيدر” تنتظر صفارة المجتمع الدولي لتحرير الـ11 مليار دولار المخصصة لبنية تحتية مترهلة؟ وهل يجوز أن تبقى موازنة 2019 رهينة الصراع على المناصفة الوظيفية في قطاع عام مكلف ومتورّم إلى حد بات ينذر بالإنفجار؟ هل يعقل أن يبقى ملف النفايات أسير المطامع بتحقيق المكاسب الفردية على حساب صحة المجتمع وفاتورته الاستشفائية والدوائية، فيما يتحضّر لبنان لـ”موسم سياحي ناجح” بدأ مع هبوط 15 ألف سائح يوميا في مطار بيروت؟ وهل يعقل أيضا أن تخلّف المهرجانات جدلا إجتماعيا حول تهكمات “مشروع ليلى” على الدين المسيحي فيما يحار المواطنون في تأمين لقمة العيش الكريم؟

تتسع دائرة الجدل في البلاد، وتتسع معها حلقات المتجادلين على أجناس الملائكة… فيما الإقتصاد يئن من ركود قاتل لعجلة نشاط ما عادت تنعشها فوائد إكتتابات بفوائد مدعومة، تخشى المصارف تحريكها في غير مكانها تجنبا لإثارة تحفظ المجتمع الدولي الذي يراقب خطواتها في إلتزام العقوبات على قنوات تمويل “حزب الله”. وما الإنطلاقة الفعلية لقطاعات الإنتاج، إلا بتحريك جمود القطاع العقاري الذي يكتنز في خزائنه المقفلة نحو 15 مليار دولار من السيولة غير المسيّلة.

تردد كثيرا في نهاية الأسبوع أن “إستقالة” الرئيس سعد الحريري واردة… فيما إستغربت مصادره هذه “التمنيات التي لم يتمّ التطرق إليها أبدا. نسمع منه كلاما عن قرف وإنزعاج وعدم رضى. لكن الدعوة لعقد مجلس الوزراء ما زال مخططاً لها”… لكن حتامَ تبقى فاعلية الدعوة قائمة؟ وهل تتسع مرونة الوضع لهوامش طويلة الأمد تسبّبها الأزمة الحكومية الناجمة عن تشعبات خارجية معقدة لأحداث قبرشمون وقضية المادة 80 من قانون موازنة 2019؟

دأب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، كلما تعرّض لإنتكاسة سياسية أم إقتصادية، أن يعزو الأمر إلى “مؤامرة خارجية تسعى إلى زيادة أسعار الفائدة وشلّ نمو الإقتصاد”. وهذا ما كرّره قبل يومين في معرض تبريره لإنهيار الليرة التركية بعد خسارتها 30% من قيمتها عام 2018. فهل يختبئ لبنان خلف المؤامرة عينها ليبرّر عقمه في الحكم الذاتي؟ وما الجدوى من تبرير لا يقع إلا في غير محله؟

المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها