الخميس ٢٢ تشرين الثاني ٢٠١٨ - 13:03

المصدر: الجمهورية

جرأته قتلته

غالباً ما يكون الاغتيال استباقاً للمستقبل، وليس انتقاماً من الماضي. فكم بالحري عندما يكون اغتيالاً لشاب لم يلوّث يده لا بدم ولا بمال ولا بسلام على من لم يؤمن بالسلام.
لم يُسمَع أحدٌ يوماً يَفترضُ سبباً أو مبرّراً أو دافعاً للجريمة.
جرأته قتلته.
إقتحم أبواب كل الحردانين والزعلانين والطامحين الأزليّين، ببَسمته الحازمة المعدية. لم يستطع أحد من الذين اقتحمهم بيار إلّا الابتسام بوجه هذا الشاب المُحرِج.
رأى فيه الحرس القديم فينيق جدّه ينبعث من الطبقة السفلى في بيت الكتائب، حيث المستودع الذي لم يدخله أحد قبلاً. ورأت فيه الطبقة السفلى قائد نهضة بدأت من تحت بروح ثورة لطيفة لم تنقلب على فوق.
غالباً ما تُطَلّق الثورة صورة مُطلِقِها، لتصبح نيّة الثورة غير نيّة الثائر، فيسقط الثائر شهيد ثورة تذهب الى حيث لم يرد لأنّ الثورة إن لم تجد ما تأكله تأكل أبناءها.
وحده بيار لم تلتهمه ثورته. إصطاده الخائفون أبداً من الكتائب اللبنانيّة، حزب القوميّة اللبنانية.
خَشِيَه كل من لم يبلع لبنان المستقلّ وحاول بَلعه.
تأخّر من اغتال بيار. فهو لم يكن يصدّق أنّ هذا الفتى سيصرخ بالفتيان هَيّا، فيتردد في قلوبهم صوت لبنان المفتقِد حريّةً في صحراء الظلم، وكرامة في ديجور الذلّ.
تأخّر من اغتال بيار. فقد استحال الرجل ضمير أمّة، به تُقاس الوطنيّة، وعليه تُبنى الآمال.
تأخّر من اغتال بيار. فقد استحال الرجل مسطرة للوزراء حسبُهم التمثّل به.
ثورة بيار اندلعت ولن تتوقف. فالتغيير ناموس الحياة.
أتعرفون أحداً اغتال أمّةً فبلغ مرامه؟
بيار الجميّل روح أمّة تأبى الموت. فما من شعب لم يتوقّف صراعه من أجل البقاء لأجيال وأجيال، كهؤلاء الذين سكنوا المغاور والجبال والوديان العاصية، وزهدوا بكل مال وكل سلطة وكل علاقة وكل ما له «قيمة»، ليحافظوا على علاقة بقيمة واحدة، ألا وهي الحريّة.

المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها