الأثنين ٢٧ كانون الثاني ٢٠٢٠ - 09:36

المصدر: Arab Economic News

حتما مع الصندوق…

لم تكد حكومة الرئيس حسّان دياب تلتقط أنفاسها بعد الصورة التذكارية وعمليات التسلّم والتسليم والبيان الوزاري المتوقع هذا الأسبوع، حتى حانت، وقبل مواقيتها، إستحقاقات من نوع “غير المتوقع”. إذ شكّلت الجلسة النيابية المقررة اليوم لمناقشة مشروع موازنة 2020، مادة سجالية مع تباعد الآراء ما بين أحقية حكومة لم تنل ثقة المجلس بعد، في مناقشة موازنة “هي غير مسؤولة عنها”، وما بين ضرورات “الأمر الواقع” التي لا تتيح للبنان ترف الوقت وأهمية الإلتزام بالمواعيد الدستورية التي تعيد الإنتظام إلى المالية العامة، وخصوصا حيال المجتمع الدولي.

لم تكد حكومة الرئيس حسّان دياب تنجز درس إشارات الشارع الغاضب والمطالِب برحيلها، حتى فوجئت بصمت دولي يعقّب على وصول “حكومة الإنقاذ” أو “حكومة إدارة الأزمة”، بما يفسّر على نحو غير إيجابي، وينعكس تاليا على “حفلة” المساعدات التي وعد لبنان نفسه بها، إذ ستتعامل الولايات المتحدة كما أوروبا بحذر شديد مع “حكومة اللون الواحد”. فكيف ستُقابل الحكومة إن لجأت إلى دول الخليج الشقيقة طالبة مدّها بودائع مالية تعيد بعضا من الثقة المفقودة؟

حتى الآن، لا بوادر إيجابية على صعيد حل الأزمة. فالبيان الوزاري، وإن ازدحم بتعابير إنشائية-إنقاذية، سيبقى حبرا على ورق، بدليل ما حفلت به التجارب السابقة، وإرتباطا بعوامل طارئة قد تكون كثيرة هذا العام. لكن المؤكد، أن حكومة دياب لا تعلم من أين ستبدأ بحلّ الأزمات التي تعاظمت بفعل تخلّف الطبقة السياسية عن تطبيق سلة إصلاحية معروفة عناوينها، وكانت قبل أعوام، أقل كلفة مما باتت عليه اليوم. وتدرك الحكومة أن لا مفرّ أمامها من طرق باب العلاجات الجذرية وفورا، تجنبا لما هو أسوأ بكثير عما آلت إليه أوضاع اليوم.

فمتى تكشف الحكومة نواياها الإنقاذية، والوقت يلتهم الليرة والودائع والمدخرات وفرص العمل ودورة الإنتاج، وتاليا النمو الإقتصادي دون رحمة؟ فهل تعتمد الحكومة على نفسها وسط العزلة الدولية كما بدت، وتجرّ المعاناة من شهر إلى آخر، وتتحمّل الأزمات قبل أن يعيد الإقتصاد تصحيح مساره النزولي؟ أم تختصر المسافات، وتلجأ إلى صندوق النقد الدولي، وفي يدها برنامجا إنقاذيا يمكنها إعداده في أقل من أسبوع، كونه سيكون تجميعا لأوراق وخطط عديدة، أولها “ماكينزي” وليس آخرها مؤتمر “سيدر”؟ وهل يمكن إدراج تصريح وزير المال غازي وزني “أن لبنان يتطلع لتدبير قروض ميسرة من المانحين الدوليين تراوح بين 4 و5 مليارات دولار لتمويل مشتريات القمح والوقود والأدوية لعام واحد فقط”، من ضمن الخيار الأول؟ وماذا عن “الخط الأحمر” الذي رسمه “حزب الله” حيال خيار صندوق النقد، حين قال النائب حسن فضل الله “لا نقبل بأن يُرمى لبنان في أحضان أي وصفات “خارجية” تمسّ سيادته وحقوقه ونفطه وغازه وثرواته وكرامته، وهذا الموضوع حاسم وجازم”؟

أما وقد باتت أزمة لبنان أمام خيارين، وجب قراءة متن السطور لإكتشاف ما تختزنه الكلمات. في المحلي منها، تسرّب قبل أيام إقتراح للفريق الإستشاري الإقتصادي لرئيس الجمهورية، يقضي بتحويل 10% من الودائع بالعملات الأجنبية في المصارف الى الليرة اللبنانية، وهو أمر رفضه حاكم مصرف لبنان رياض سلامة بشدّة، وأجاب على مخاوف رجل الأعمال الإماراتي خلف الحبتور نافيا وجود “قيود على الأموال النقدية المودعة في المصارف اللبنانية بعد 17 تشرين، بما فيها عمليات تحويل إلى الخارج. فسياسة المركزي تحول دون إفلاس أي مصرف، وبالتالي هناك حماية لكل المودعين، كما أن القانون اللبناني لا يسمح باقتطاع أي نسبة من الودائع، وأي عملية اقتطاع تتطلب مرسوما خاصا من مجلس النواب”.

ليست المرة الأولى لتسريب هذا الإقتراح. ففي اجتماع بعبدا، أيضا أبدى الفريق الإقتصادي للرئيس رغبته في “تحويل” الودائع. وأيضا، ليست المرة الأولى التي يرفض فيها سلامة هذا الإقتراح، إذ من غير الجائز تحميل المودعين والقطاع المصرفي عبء “حلول إرتجالية” تطاول مدخرات الناس وصورة القطاع المصرفي، دون أن يؤدي ذلك إلى معالجة حقيقية للأزمة السياسية الواجب حلها حكوميا عبر موازنة متقشفة توقف الإهدار وتعالج العجز.

فما سيكون موقف الحكومة من هذا الإقتراح؟ وخصوصا إن “ضغط” الفريق الإستشاري لفرضه؟ وماذا سيقول وزير المال حيال إقتطاعات غير مقوننة سواء سُميت “هيركات” أو لا؟ وهل سيتبنى موازنة لم يشارك في إعدادها، وهو الأدرى بحاجتها إلى “تعديل الضرورة” بعد الثورة بسبب تبدّل أرقام الإيرادات والعجز والدين؟

أما في الخارج، فقراءة المواقف تبدأ من إعتبار واشنطن، وعلى لسان مساعد وزيرة الخارجية الأميركية السابقة جيفري فيلتمان، أن حكومة دياب “هي الأقرب إلى سوريا وإيران و”حزب الله” منذ حكومة عمر كرامي عام 2005″، وقوله “من المهم جداً أن نرى ما ستفعله، وكيف ستستجيب لمطالب المحتجّين وتتعامل مع القضايا الإقتصادية”. لا تناصر واشنطن “قطع العلاقات أو المساعدة مع لبنان بشكل إستباقي. فهناك شعب ينظر إلى العالم الخارجيّ ويتطلع إلى الغرب كجزء من تحقيق طموحاته، وعلينا أن نبقى شركاء معه حتى يثبت غير ذلك”.

ومن بيروت، تقاطعت مواقف السفراء والديبلوماسيين الذين زاروا السراي، وبينهم ممثل البنك الدولي وممثل الأمم المتحدة، حول ضرورة إتخاذ الحكومة “خطوات إصلاحية نوعية وجريئة”، تثبت صدقيتها وتعيد ثقة المجتمع الدولي بلبنان، وتشكّل مفتاحاً لباب المساعدات الخارجية.

لبنان أمام خيارين: مداواة الإنهيار داخليا أو طلب مساعدة صندوق النقد؟ الأزمة ستستمر. لكنها حتما مع الصندوق، ستوصل إلى برّ الإنقاذ…

المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها