عباس الحلبي

الثلاثاء ١١ شباط ٢٠٢٠ - 08:00

المصدر: صوت لبنان

حتى التفاؤل سُرِقَ منا

البيانُ الوزاري الذي إستَغرَقَ إعداده أكثر من أسـبوعين أتى بغربةٍ عن الواقع الراهن وحملَ عناوين عريضة هي بذاتها تشكّل مفكرة لجدول أعمال طويل المدى. ولكنه يثبت بالتأكيد أن مطالبات الناس في الشوارع والساحات كانت محقّة إذ يعرّي هذا البيان السلطة الحاكمة ويدينها على فشلِها في إيجادِ الحلول للمشاكلِ المتراكمة منذ ثلاثةِ عقود ونَيف أي منذ إقرار وثيقةِ الوفاق الوطني.

عناوينٌ عريضة في هذا البيان لا تشفي غليلا”، ولا تأتي بكهرباء، ولا تحلّ مشكلة المالية العامة، ولا تنقِذ البيئة ولا تستعيد الأموال المنهوبة ولا تحاكم الفاسدين ولا تطمئن المودعين.

إنتظرَ الناس خطة إنقاذ فإذ بهم أمام تكرار لِبيانات سابقة أوصَلَت البلاد إلى الإنهيار. 

مَن قالَ أن السلطة السياسية المتحكمة بِمَفاصِلِ الدولة سَتَدَع هذه المجموعة من الوزراء تنجح حيث هي فشلَت فشلا” ذريعا”. وهل ستمون الحكومة على الجهاز الإداري المُعَيَّن مِن قِبَلِ هذه السلطة في جميع مفاصِل القرار بدءا” من المستويات الدنيا مِن الحاجب حتى المدير العام. ومن يَتَوَهَّم بأنَّ خطط الحكومة الجديدة ستكون قابلة للتنفيذ وهناك عُقم تاريخي في الإدارة المبهبَطة على حاجةِ لبنان للقطاع العام. ومَن يحلّ مشاكل القطاعِ الخاص والمصارف التي فَقَدَ المواطنُ الثقةَ بِها فَيهجم يوميا” لِتَحصيل ما أمكَنَ مِن ودائعِه ليخزّنه في البيت بِما يساهم أكثر في إنهيار القطاع المصرفي وضياع الودائع. وما فائدة الدعوات إلى عدم دفع المستحقات للدولةِ وللمصارف الدائنة. ومِن أين تأتي المصارف بالأموال لتلبية طلبات المودعين والإستيراد. وهل يدرك هؤلاء خطورة دعواتهم؟ 

يقفُ اللبناني حائرا” بين تصديقِ وعودِ الحكومة توقا” إلى الإنقاذ وبينَ إنعدامِ الثقة المطلقة بالقائمين عليها لأنها أتَت وليدة تسوية بين بعض الحلفاء لإقصاءِ آخرين وإحتكار التمثيل الوزاري لِمواجهةِ الخارج إنسجاما” مع سياسات المحاوِر الإقليمية. 

كان الناس ينتظرون ورقة مختصرة تتضمَّن أفعالا” لا أقوالا” إذ ما نَفع العناوين الفضفاضة إن هي إلاّ محاولة لإلهاء الناس مجددا” لتمرير فترة ولاية الرئيس الحالي دون المطالبة بإسقاطه. 

وهل فعلا” المجلس النيابي الحالي قادر بتركيبتِه على التشريع لِقوانين موجعة لن تكون فقط للناس وإنما أيضا” للطبقة السياسية المسيطرة على المجلس بزعماء لا يتعدى عددهم أصابع اليد الواحدة.  من يصدّق أن أكثر مِن أربعة أشهر مرَّت ولَم نرَ للآن معالجة جدية لأي من المشاكل والإستحقاقات حتى أننا لَم نعد نعرف مَن هو المسؤول عن هذه المعالجات في حالِ وجوده فالبلد كما أردد دائما” متروك متروك. 

جملة تساؤلات تزيد في الخيبة مع أننا دوما” كنا نبشّر بالأمل ونتطلَّع إلى المستقبل بتفاؤل.

حتى التفاؤل سُرِقَ منا كما سُرِقَت الأموال. 

وبالختام نعيّد اللبنانيين والموارنة خصوصا” بعيد شفيع الطائفة مار مارون ولنا تحت هذا الإسم أكثر من صديق ورفيق.

 

المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها