سمير سكاف

الأربعاء ٢٢ نيسان ٢٠٢٠ - 15:43

المصدر: صوت لبنان

حلول في أزمة النفايات المستجدة

أصبح فيضان المطامر بالنفايات مناسبة لمفاجأة ولأزمة وطنية سنوية! وتكون الخيارات تحت الضغط و”عالسكين” كارثية! من اقتراح اعادة فتح مطمر الناعمة إلى انشاء مطامر بحرية جديدة بعد ثمانية مطامر بحرية عملاقة حولت بحرنا إلى مزبلة مع ما يستتبع ذلك من كوارث بيئية وسياحية واقتصادية!

الخلاف الأساسي مع السلطة هو في كيفية مقاربة الملف بين ضرورة معالجة النفايات وبين عملية إخفائها التي تسعى إليها الحكومات ومعظم البلديات!

أما الحاجة، كما نكرر منذ عقود، فهي لخطة متكاملة لإدارة النفايات الصلبة. ونحن كنا قد قدمنا العام الماضي لوزارة البيئة وفي المجلس النيابي في لجنة البيئة البرلمانية خطة جديدة مغايرة للخطة الحكومية التي تعتمد على المحارق.

وتشمل هذه الخطة: خطة وطنية اساسية، مع تحديد المناطق الخدماتية، وخطة مؤقتة مدتها تسعة أشهر، وإجراءات مكملة في كل من المناطق اللبنانية، مع حوافز (وعقوبات) لتشجيع الفرز من المصدر، وإطلاق واسع لصناعة التدوير، بالإضافة إلى اقتراحات للتمويل.

وتعتمد خطتنا على تسلسل الهرم البيئي، وهي مستدامة، تبدأ بتخفيض النفايات وباعتماد الفرز من المصدر وبعملية التسميد الطبيعي الهوائي الفردي والبلدي. مع اعتماد تقنيتي معامل الكومبوستينغ والهضم اللاهوائي بدلا من المحارق. وتقدم الخطة استراتيجية ريفية تختلف عن الاستراتيجية المدنية، وتخصص المناطق النائية بخطوات خاصة بها. وهذه الخطة هي اسهل للتنفيذ وأقل كلفة وأكثر ملاءمة لمطالب السلطات المحلية والجمعيات البيئية من الخطة الحكومية.

وقف شلالات النفايات باتجاه مدن الساحل

استراتيجيا، إن الحاجة الاساسية هي إلى وقف شلال النفايات الهادر النازل باتجاه بيروت ومدن الساحل.
فاذا اجتمعت كافة الخيارات البيئية مع شلال متدفق بغزارة 4.200 طن يوميا باتجاه بيروت، فلن تنفع بوقف الأزمات المقبلة في بيروت وجبل لبنان! ويجب بالتالي فصل النفايات الريفية عن النفايات المدنية.

سوء في الإدارة وهدر كبير

تعاني النفايات الصلبة في لبنان من إدارتها ومن الهدر فيها. من الأزمات المتكررة إلى تلويث كل شيء. ومن العقود الكارثية في الجمع والكنس والمعالجة إلى إنشاء المطامر البحرية إلى معامل فرز وتسميد في بيروت غير قادرة على تأمين مهامها مع ما ينتج عنها من هدر… إ لى فروقات حادة في تكلفة معالجة الطن الواحد بين منطقة واخرى، وصولا إلى اقتراح المحارق واقتصاد المحارق… وغيرها. ويتحمل القرار السياسي المسؤولية الكبرى! في حين يمكن لإنشاء الهيئة الوطنية من الاختصاصيين أن يضمن حوكمة رشيدة للنفايات.

تخفيض النفايات والبدء بالفرز!

لا تنفع الحلول التقنية للحد من مخاطر النفايات ما لم نعمل في الأساس على تخفيض إنتاجها. ومن الضروري أن تدخل عملية تخفيض انتاج النفايات (كنفايات الطعام وغيرها) في عادات اللبنانيين وفي ثقافتهم، على أن تشمل ممارسات الحكومة من رفض استيراد بعض السلع وغيره.

وعلى الرغم من ان عملية فرز النفايات سوف تكون صعبة وطويلة. اذ ان التجارب مع البلديات غير مشجعة، باستثناء بعض القرى. ولكن آلية الفرز تسمح بتحويل بعض النفايات إلى أموال بدلا من تحويل الأموال إلى نفايات! وعلى الرغم من مرسوم ومشروع قانون للفرز، فمن غير المفهوم عدم إطلاق عملية الفرز بعد! والفرز يفترض معالجات خاصة للعديد من النفايات، وخاصة النفايات “الخطرة”، التي يجب منع إدخالها إلى لبنان تحت أي مسميات، ومع ضرورة معالجة المحلي منها بعلم ودراية.

الحلول الطبيعية

إن عملية التسميد الهوائي الطبيعي الفردي والبلدي للنفايات الطبيعية هي الحل الاكثر استدامة لأكثر من نصف نفاياتنا، وهي الأسهل والأقل كلفة. ويمكن التسميد البلدي للنفايات العضوية المُدنية طبيعيا وهوائيا بالتعاقد مع أراض زراعية في الاراضي الصحراوية في البقاع الشمالي وفي البقاع الزراعي وفي كل سهول لبنان الزراعية وفي المناطق الحرجية التي تحتاج اتربتها الضعيفة الى النفايات العضوية كمغذيات للتربة.

إن تسميد النفايات العضوية خاصة لسكان المناطق الريفية، ولكل من يملك شرفة كبيرة او حديقة في المدن يمكنه أن يخفض النفايات المنزلية بأكثر من 50% ويخفض فواتير نقل النفايات 50% ويخفض اكثر من 75% من فواتير معالجتها، كون المعالجات المختلفة في لبنان ترتكز بشكل أساسي على معالجة النفايات العضوية.

ان النفايات العضوية هي فرصة للبنان! فبعد تسميدها يمكن للسماد الناتج عنها أن يسهم بترميم الجبال وقممها كما بترميم السهول من جراء انجراف التربة بسيول الامطار، وذلك بالإضافة إلى إمكانية استعمالها للمساعدة في ترميم المقالع والمرامل.

رفض المحارق الدائم

خيار المحارق مرفوض في بلد مثل لبنان. فالحل الطبيعي كاف. بالاضافة الى خيار معامل الهضم اللاهوائي للتسميد لحوالى 2400 طن من النفايات العضوية يوميا، بتكلفة قد تصل لبناء 3 معامل إلى 240 مليون دولار كحد أقصى، وذلك مقابل 3 محارق ملوثة مقترحة في مشروع سيدر بقيمة 4 أضعاف تصل إلى حوالى مليار ومئة مليون دولار!

لا مركزية الحل والتضامن المناطقي!

ان اللامركزية في إدارة النفايات هامة جدا ولكن مع ضرورة التضامن المناطقي. ويجب ألا تترك بيروت وطرابلس وكافة المدن الساحلية تتحمل مسؤولية نفاياتها وحيدة!
والا تصبح المدن الساحلية جذرا معزولة ومحاصرة ويصبح حل المحارق بالنسبة للبعض الزاميا وضروريا! ولكن ذلك غير ضروري وليس ملزما! إذ لا يمكن القول للمدن الساحلية: النفايات في وسطكم والبحر امامكم … فخياراتها عندها تكون محدودة بالحرق والطمر بالبحر! ان مساعدة المناطق لمدن الساحل (وللمدن الكبرى الداخلية) مسألة أساسية!

اهمال معامل المعالجة!

على الرغم من وجود عدد كبير من
معامل المعالجة ومراكز الفرز، فهذه المعامل تتعرض للكثير من المشاكل. وبعضها مقفلة. وتأخر إنشاء بعض آخر! من معامل بيروت الكارثية إلى معمل طرابلس الذي عانى الكثير، إلى معمل الكفور في النبطية وإلى معمل المنية المقفل… تبقى هذه المعامل ضرورية للمساهمة الفورية والمستدامة في التخفيف من الأزمة.

في المطامر

نحن نحتاج إلى المطامر في لبنان
حتى إشعار آخر، وعلى الأقل لأجل العوادم (أو النفايات الاخيرة)، وحتى نصل يوما للتخلي عنها نهائيا. ولكن المشكلة مع الاعتراف بضرورة المطامر هي توجه الحكومات إلى طمر كل شيء بانتظار فيضان جديد للمطامر!

كنا طرحنا منذ 5 سنوات فكرة مطمر في كل قضاء، وتبنته وزارة البيئة في خطة ال 25 أو 26 مطمر (أي بمعدل مطمر في كل قضاء). وتدعو هذه الفكرة كل منطقة لتحمل مسؤوليتها، من ضمن اللامركزية في المعالجة.

ويحتاج اللبنانيون الى درجة كبيرة من الوعي، وعدم الغرق في شعار “ضيعتنا مش مزبلة”! فيجب ألا تتحول أي منطقة إلى “مزبلة”! وبالتالي من الضروري عدم رفض كل الأمكنة المطروحة للمطامر، مع ضرورة ان تكون بعيدة عن البيوت وعن المياه الجوفية ومع تنفيذ دراسات الأثر البيئي، وفي إطار الخطة المتكاملة.

صناعة التدوير

يمكن للنفايات ان تكون ثروة للبنان ولبيروت، في حال دعم صناعات التدوير المختلفة من زجاج واطارات وبطاريات وكهربائيات والكترونيات… والتي يمكنها خلق آلاف الوظائف والاستثمارات! ان صناعة التدوير التي اقترحناها على الحكومات وعلى المجلس النيابي هي في اساس التطوير الممكن للصناعة في لبنان ولخلق الوظائف للبنانيين العاطلين عن العمل. وهي في اساس الاقتصاد الدائري الذي نقترحه.

تطوير قانون النفايات

عملنا مع بعض الأصدقاء العام الماضي على مسودة تطوير قانون النفايات يمكنها أن تشكل مدخلا لكل المشاكل الناتجة عن النفايات في الحاضر والمستقبل! ولكنها تحتاج إلى ظروف سياسية أفضل!

تحتاج هذه الحلول إلى عملية توعية واسعة وإلى اعتماد ثقافة بيئية خضراء. ومن الهام الخروج من الأزمة ولكن الأهم تجنب الدخول فيها!

المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها