الجمعة ٢١ شباط ٢٠٢٠ - 07:59

المصدر: صوت لبنان

“دافنينو سوا”

طلبت وزيرة العدل الدكتورة ماري كلود نجم من النائب العام التمييزي في بيروت القاضي غسان عويدات، أن يوجه الى هيئة التحقيق الخاصة في مصرف لبنان، كتاباً يطلب فيه إيداعه كل المعلومات المتوافرة لديها عن عمليات متعلقة بسندات اليوروبوند جرت في الأيام الماضية.

هذا يفتح الباب على مصراعيه حول تطبيق قانون مكافحة تبييض الأموال وتمويل الارهاب رقم 44/2015 ومن ثم ضرورة تعديله لا سيما فيما يتعلق باستقلالية هيئة التحقيق الخاصة لدى مصرف لبنان وصلاحياتها وتحويل العقوبة من مجرد جنحة الى جناية.

فللتذكير، تشمل جرائم تبييض الأموال ومكافحة الإرهاب الأموال غير المشروعة الناتجة عن ارتكاب أو محاولة ارتكاب 21 جرماً عددتهم المادة الأولى من القانون رقم 44/2015 ومنها زراعة أو تصنيع أو الاتجار غير المشروع بالمخدرات والمؤثرات العقلية واستغلال المعلومات المميزة وإفشاء الأسرار وعرقلة حرية البيوع بالمزايدة والمضاربات غير المشروعة والفساد بما في ذلك الرشوة وصرف النفوذ والاختلاس واستثمار الوظيفة وإساءة استعمال السلطة والإثراء غير المشروع والاحتيال بما فيها جرائم الإفلاس الاحتيالي والتهريب وجرائم البيئة والتهرب الضريبي!!!

أي أن كل شخص ارتكب أي من هذه الجرائم يمكن ملاحقته بجرم تبييض الأموال. علماً أن القانون في مادته الثالثة اعتبر أن جرم تبييض الأموال هو للأسف من الجنح التي يعاقب عليها بالحبس من ثلاث الى سبع سنوات مع ما ينعكس ذلك على قصر مدة مرور الزمن (ولو أن الاجتهاد اعتبرسريان مدة مرور الزمن من تاريخ اكتشاف الجرم) والعقوبات الأخرى المرافقة لها والتي هي أقل وطأة من العقوبات الجنائية.

كما أن إشكالية هذا القانون تكمن في إنشائه هيئة تحقيق، أحد أعضائها قاض (وهو حالياً المدعي العام المالي) بينما الأعضاء الآخرين تابعيين للسلطة التنفيذية وهذا أمر غير دستوري إذ يشكل ضرباً لمبدأ فصل السلطات ويعرض استقلالية المدعي العام المالي للشك. فرئيس الهيئة هو حاكم مصرف لبنان أو من ينتدبه من بين نوابه (الذين لم يتم تعيينهم بعد)، وقاض معين في الهيئة المصرفية العليا (حالياً المدعي العام المالي كما ذكرنا) ورئيس لجنة الرقابة على المصارف أو من ينتدبه من بين أعضاء اللجنة وعضو أصيل يعينه مجلس الوزراء بناء على إنهاء حاكم مصرف لبنان.

إذاً إن نصف أعضاء هذه الهيئة يتحكم بهم الحاكم وصوته مرجح في التصويت فكيف لها أن تكون مستقلة؟ وماذا لو عرض على الهيئة ملف كان قد نظر به المدعي العام المالي المولج أصلاً بملاحقة الجرائم المالية؟ ألا يفترض ذلك تنحي المدعي العام المالي وفي حال قررت الهيئة بعكس ما قرره المدعي العام المالي ألا يضرب ذلك مصداقية العدالة وهيبة القاضي المذكور؟

أضف الى أن القانون قد حدّ من عدد الجهات التي من الممكن أن تراجع الهيئة ومنها المؤسسات التي تخضع لترخيص ورقابة مصرف لبنان والمحاسبين المجازين وكتاب العدل والمحامين والمراقبين العاملين لدى لجنة الرقابة، وهذا أثبت عدم جدواه إذ لم تبادر المصارف مثلاً الى التبليغ عن عمليات تبييض أموال تعكس فعلياً حجم الأموال المبيضة والمودعة في البنوك. وكان حري بالقانون إعطاء حق مراجعة هيئة التحقيق مباشرة لموظفي المصارف مثلاً مع تأمين برنامج حماية لهم في حال أقدموا على كشف عمليات تبييض الأموال ومنها على سبيل المثال عمليات تمويل بعض الأحزاب اللبنانية من الخارج ومن مصادر مشبوهة داخلياً والتي يعلم بها الجميع ولكن يعتمدون سياسة الـOMERTA أو التعتيم الكلي عليها.

إن ارتباط الإجراءات التي تقوم بها الهيئة بموافقة النائب العام التمييزي يفقد هذه الهيئة أي حافز لوجودها كون يحق للمدعي العام التمييزي حفظ الأوراق وعدم السير بالدعوى والكل يعلم ارتباط موقع المدعي العام التمييزي بالسلطة السياسية التي عينته وامكانية انحيازه لها. كما يخشى في ظل قضاء غير مستقل إعطاء الأشخاص التي اشتبهت هيئة التحقيق  بتبييضهم للأموال براءة ذمة فتتحول هيئة التحقيق عندها الى ممر لتبييض صفحة بعض المرتكبين المرتبطين بالسلطة السياسية.

ولو أن هيئة التحقيق الخاصة لدى مصرف لبنان كانت جدية في عملها وتحمّل مسؤولياتها، لكان رئيسها – أي حاكم مصرف لبنان –  بادر من تلقاء ذاته، ودون انتظار طلب من وزيرة العدل، الى ممارسة صلاحياته المنصوص عليها في المادتين التاسعة والعاشرة من القانون رقم 44/2015 والتي تعطيه الحق في مخابرة السلطات اللبنانية والأجنبية وجميع المصارف والمؤسسات المالية التي تخضع لترخيص منه أو لرقابته ونقابة المحامين والمحاسبين المجازين وكتاب العدل والطلب منهم تقديم بيانات بجميع الأموال التي يملكها السياسيون والموظفون والقضاة في لبنان والخارج ومطابقتها مع التصاريح عن الثروة لهؤلاء والمنصوص عليها في قانون الإثراء غير المشروع رقم 154/1999 والمحفوظة جميعها لدى مصرف لبنان بموجب المادة الخامسة من قانون الإثراء غير المشروع. إن مقارنة هذه البيانات بمفعول رجعي، أي منذ تاريخ نفاذ قانون الإثراء غير المشروع، يضع حداً لجميع السجالات القائمة حول من هو فاسد أو لا من السياسيين والموظفين والقضاة والمتعهدين ورجال الأعمال المرتبطين بهذه المنظومة الحاكمة!

ما عدا ذلك هو مضيعة للوقت وتكاذب وجبن وتهرب من تطبيق القوانين لا يعزز الثقة التي تسعى اليها معاً الحكومة وحاكمية مصرف لبنان.

في الختام، وفي حال عدم قيام حاكم مصرف لبنان بصفته رئيساً لهيئة التحقيق الخاصة لدى مصرف لبنان بتطبيق قانوني “مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب” و “الإثراء غير المشروع” فهذا يعني أنهم “دافنينو سوا” ولا أمل في مكافحة الفساد إلا بإلغاء قانون السرية المصرفية فوراً الذي فقد الغاية من إقراره وبات يؤمن حماية للفاسدين ولمنظومة الفساد في لبنان.

المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها