الأربعاء ١ نيسان ٢٠٢٠ - 08:43

المصدر: ليبانون ديبايت

ربيع زحلة

رأيتهم يخترقون جدار الضباب بآليات قديمة وغير مجهّزة،

رأيتهم يَصِلون بوجوه ضاحكة وضجيجٍ مَرِح يتحدى الصقيع،
رأيتهم، والبعض يحمل قذائف الهاون وجعب الرصاص والمواد الضرورية للمدنيين المحاصرين في زحلة، فيما قِلّة منهم ببزات خاصة لا يحملون سوى سلاحهم الفردي،

رأيتهم يختفون تحت دثار الثلج بخطى متثاقلة، غير آبهين بأن البعض منهم، أو كلّهم، لن يعود،

رأيتهم يختفون…

رأيت ضابط الإحداثيات بثياب مدنية يجلس في “جيب” العمليات المثقل بالثلج في أعالي كسروان، وينقل إحداثيات الرماية بصوت عال يتجاوزه صفير الرياح،

رأيت المجموعات المشغلة للمدافع، تقصف؛ Depart… وتقصف الصقيع،

رأيت عناصر مجموعة “غرانديزر” يستفيدون من فرصة حضور فريق التصوير ليأخذوا إستراحة أمام الكاميرا، وقد أضرموا ناراً للتدفئة؛ يتمازحون ويتغالظون على المصوِّر، لكأنّهم عادوا صبيةً عند فرصة الضهر في ملعب مدرسة،

– “غرانديزر” وِصْلِت بَرئِيّي – يصرخ ضابط الإحداثيات، فيعود عناصر المجموعة رجالاً، يركضون لتذخير المدفع، كَلٌّ يدرك مهمته، دون حاجة للكلام،

رأيت مبنى العبسي المتهاوي بفعل القصف السوري، وقد تحول إلى مجموعة سقوف متكدسة حَجَبَت من تدرّأ تحتها من فعل القتل،

رأيت جثث الأخت ماري-صوفي زغبي والمسعفَيْن خليل صيدح وخليل حمود في سيارة الإسعاف؛ سيارتهم، التي تعرّضت للنيران السوريّة،

رأيت جثة سليمان صوايا مغمورة بالثلج،

رأيت عجوزاً، لم يُبقي العمر من أسنانها غير أثرٍ يتيم، تشهر إصبع الوسطى وتكيل السباب والشتائم “للأوباش والوحوش”؛ وقد صَفّاها هؤلاء بدم بارد على درج منزلها بعد دخولهم المدينة،

سمعت محامياً، ميشال ليان، ينقل إلى مراسل التلفزيون البريطاني، عبر الهاتف وبإنكليزية “شغل إيدو” صورة المأساة في زحلة،

رأيت “الباش” يزور مجموعات المدفعيّة لرفع معنوياتهم “مصير لبنان علا هَل كم مدفع يلّي هون”، ويستفسر عن الضمادة الكبيرة على يد أحد العناصر،

سمعته يخبرهم عن وحدات أدونيس ومجزرة الدبابات السوريّة عند الجسر،

ورأيتهم يعودون بِبَزّاتهم وقد زادها الوجع والتعب تمويهاً بعد أن إنتصروا لإرادة الحياة.

كان لا بُدَّ أن يعودوا.

لم يكن ربيع زحلة ذلك العام سهلاً.

المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها