مصطفى فحص

السبت ١ شباط ٢٠٢٠ - 18:55

المصدر: الحرة

روسيا في لبنان، فاقد الشيء لا يعطيه

يربط هاجس أساسي تعامل موسكو مع الانتفاضات الشعبية، الثورات الملونة إلى انتفاضات الربيع العربي، وما بينهما، وهو هاجس الحفاظ على استقرار أنظمة تقع ضمن ما تعتبره مجالها الحيوي، وعليه، تتمسك موسكو بقراءتها التقليدية لمنطقة الشرق الأوسط، باعتبارها أولوية جيوسياسية في صراع النفوذ المستمر مع واشنطن، الحاضرة في التفاصيل والغائبة في الاستراتيجية.

هذا الغياب في الاستراتيجية الأميركية يربك موسكو ويزيد من حدة توترها وقلقها من تفاصيل شياطين تُحركها واشنطن لصالحها. فواشنطن انكفأت استراتيجيا، لكنها تمارس سياسة نصب الكمائن الطويلة الأمد، وتفرض على منافسيها الانغماس الكامل في تفاصيل منهكة حماية لمصالحهم.

وبالرغم من الانكفاء الأميركي والاندفاعة الروسية، إلا أن موسكو لم تستطع ـ بالرغم من حضورها السياسي والميداني في المنطقة ـ من استثمار إنجازاتها، ولا تزال تعاني من مراوغة واشنطن المُصرة على تجاهل ما حققته موسكو في سوريا، وعدم انفعالها على ما تلوح به في لبنان، بالرغم من التحذير الذي جاء على لسان سفيرها السابق في بيروت جفري فيلتمان، الذي لفت انتباه لجنة الدفاع والشؤون الخارجية في الكونغرس الأميركي إلى تحرك روسيا تجاه لبنان.

 وسكو المحاصرة داخليا بعقوبات مالية، يتعرض نفوذها الخارجي لضغوط شديدة

لا تستطيع موسكو غض الطرف عما يجري في بيروت، نتيجة لتداعياته السلبية على دمشق، فحماية ما حققته في سوريا يمنعها من تأجيل التدخل في لبنان، لذلك سارعت إلى الطعن بانتفاضة 17 أكتوبر، وعبرت خارجيتها عن مخاوفها من أن تتحول الاحتجاجات إلى أعمال عنف، إضافة إلى “رفض أي محاولات للتدخل الخارجي في الشؤون اللبنانية والتلاعب مع السيناريوهات الجيوسياسية من خلال استغلال وتأجيج الصعوبات القائمة التي يواجهها لبنان الصديق” وفقا لما جاء في بيان صدر عن الخارجية الروسية في 5 نوفمبر 2019.

كما اعتبرت صحيفة الكرملين بعد أيام من انطلاق الثورة اللبنانية بأنها “صراع جديد في الشرق الأوسط يهدد مصالح روسيا”، وتحت هذه الذريعة دعت إلى التمسك في السيادة الوطنية والاستقرار، ومنع الخارج من التدخل في الشؤون الداخلية، ما يمكن تفسيره بانحياز للمنظومة اللبنانية الحاكمة التي تدور في فلك شريكتها طهران.

وفي هذه الخصوص نقل الكاتب اللبناني المختص في الشؤون الروسية الدكتور بسام المقداد عن أسبوعية “zavtra” القومية بأن الغرب لن يُرخي قبضته عن الانتفاضة اللبنانية، وسوف يحاول بلوغ هدفه في إجراء انتخابات برلمانية مبكرة لإضعاف إمكانيات “جميع القوى الوطنية في البلاد” إلى الحد الأقصى. وترى أنه “في ظل وجود عدد كبير من الجمعيات والتنظيمات، التي يمولها جورج سورس والمنظمات الغربية الأخرى، لم يكن من الصعب تجنيد مجموعات مختلفة من المحرضين ودسها وسط المتظاهرين”.

 مليا لا يمكن فصل الحديث عن الحضور الروسي في لبنان عن الحرب السورية التي جعلت “حزب الله” شريكا ميدانيا لموسكو المعنية في الربط ما بين سوريا ولبنان عبر قوى سياسية محسوبة تاريخيا على نظام دمشق.

ومع اشتداد الضغوط على هذه القوى، فإنها تستجدي سندا دوليا لمواجهة الضغوط، وهذا ما أتاح لموسكو الفرصة لعرض خدماتها السياسية والاقتصادية خصوصا في مجال الطاقة واستثمار ثروات لبنان الطبيعية وتحديدا الغاز، بعد تراجع حظوظها في الدخول عبر المؤسسات الرسمية العسكرية نتيجة لطبيعة الجيش اللبناني وعلاقاته الأميركية.

لا تستطيع موسكو غض الطرف عما يجري في بيروت، نتيجة لتداعياته السلبية على دمشق

إلا أن موسكو التي دعت إلى مساعدة الحكومة الجديدة، التي لم تلب الحد الأدنى من شروط الانتفاضة، كشفت وفقا لما نقلته صحيفة المدن الإلكترونية عن احتمال أن تقدم وديعة مالية بقيمة مليار دولار في البنك المركزي في إطار برنامج دعم للبنان ناقشه رئيس الحزب الاشتراكي وليد جنبلاط مع السفير الروسي عشية تكليف حسان دياب تأليف الحكومة.

تتجلى أزمة الطبقة السياسية اللبنانية وحالة الإنكار التي تمارسها بأنها لجأت إلى “حلف البراميل” لحماية نفسها، خصوصا أن موسكو لا تملك لا القدرات ولا الأدوات التي تمكنها من معالجة الأزمة اللبنانية، وهي لا يمكن إلا أن تقوم بمشاريع ترقيعية، خصوصا أنه لا يوجد في خزائن الكرملين ما يكفي لإنقاذ لبنان، ولا طبيعة البلد تتحمل تبعات التبعية والانتقال الكامل إلى الفلك الروسي.

مع الإشارة إلى أن الرغبة في الانتقال إلى الفلك الروسي هي رغبة موجودة فقط في أذهان بعض اللبنانيين الذين يُعلقون أحلامهم على جدار الأوهام الروسية، فموسكو المحاصرة داخليا بعقوبات مالية، يتعرض نفوذها الخارجي لضغوط شديدة، حيث قامت واشنطن بإفراغ انتصارها العسكري في سوريا من مضمونه السياسي عبر قانون قيصر للعقوبات، وتبدو صورة موسكو العالقة في أذهان اللبنانيين، هي أقرب لأن تكون صورة متخيّلة، وليست واقعية، وتنطلق من رغبة هؤلاء اللبنانيين بأن تعطيهم موسكو ما يحتاجون رغم أنها أشياء تفتقدها روسيا وكأن هؤلاء نسوا أن فاقد الشيء لا يعطيه.

 

المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها