حسان القطب

الثلاثاء ٢٩ أيلول ٢٠٢٠ - 08:33

المصدر: المركز اللبناني للابحاث والاستشارات

شهر التصعيد الايراني…

الانتخابات الرئاسية الاميركية القادمة موعدها الثالث من شهر نوفمبر/تشرين الثاني القادم، لذلك تشعر ايران بانها قادرة على التأثير في نتائج الانتخابات الاميركية، وهذا يعود الى نتيجة متابعتها وقراءتها التاريخية للمراحل التي تسبق الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة على امتداد العقود السابقة والتي تفيد بان الادارة الاميركية والرئيس الاميركي الذي ينوي اعادة الترشح لدورة رئاسية ثانية واخيرة بحسب الدستور الاميركي، يكون حذراً للغاية في اتخاذ قرارات تتعلق بالسياسات الخارجية، خاصةً اذا كانت على مستوى استراتيجي او تتطلب نفقات عسكرية بالغة او الخوض في مغامرة غير محسوبة جيادً او غير مضمونة النتائج او لا يمكن حسمها بسرعة…

والتجربة الايرانية مع الادارة الاميركية كانت مع بداية انتصار الثورة الايرانية حين احتجزت ايران موظفي السفارة الاميركية في طهران رهائن لمدة 444 يوماً ولم تفرج عنهم الا بعد ان خسر جيمي كارتر معركة التجديد وفاز رونالد ريغان بالرئاسة الاميركية نهاية عام 1979، واستلم ريغان سدة الرئاسة… في شهر كانون الثاني/يناير عام 1980… بالشكل لم يكن احتجاز الاميركيين فعل رسمي ايراني،… ولكنه كان من عمل مجموعة من الطلاب الايرانيين المؤيدين للثورة والصحيح انه كان قرار صادر عن اعلى مرجعية سياسية ودينية ايرانية آنذاك… وهكذا تجنبت طهران ان تكون قد مارست عمل ارهابي رسمي مباشر ضد موظفين دبلوماسيين يحظون بالحماية الدبلوماسية…. وخلال فترة الاحتجاز كانت خيارات الادارة الاميركية صعبة من حيث القيام بعملية عسكرية لتحرير الرهائن او التفاوض تحت الشروط الايرانية، والتي كانت لا تريد التفاوض بشكل جدي بل كانت تريد كسب الوقت واستغلال فترة الاحتجاز لتثبيت القيادة الايرانية الجديدة بقيادة الخميني في السلطة خوفاً من تدخل اميركي يطيح بالثورة التي لم ترسخ زعامتها وسلطتها بعد.. … وفي نفس الوقت التأثير على نتائج الانتخابات الاميركية.. وعندما اتخذ الرئيس الاميركي آنذاك جيمي كارتر قرار القيام بعملية عسكرية خاطفة لتحرير الرهائن …فشلت العملية نتيجة عوامل طبيعية وسوء ادارة من القيادة العسكرية الاميركية وانتهت العملية بفشل ذريع… مما ترك تأثيراً سلبيا على ادارة كارتر وتأثرت حملته الرئاسية للتجديد سلباً.. وبالتالي تحسنت فرص ريغان بالفوز وهذا ما حدث….

من هنا نلاحظ ان السلوك الايراني خلال هذه الفترة يحاول استعادة هذا السيناريو لعله يتكرر وتتخاص ايران من تأثير قرارات وسياسات الرئيس الاميركي ترامب على الواقع الاقتصادي والمالي والاجتماعي الايراني الداخلي، وحجم ودور الحضور الايراني في الشرق الاوسط والدول العربية والدور الايراني في العالم… نتيجة سياسات الحصار والتضييق التي تمارسها هذه الادارة على القيادة الايرانية…

لذا تامل القيادة الايرانية انها في حال ضغطت عسكرياً على الادارة الاميركية ليس مباشرةً بل من خلال تحريك ادواتها في العراق كما كانت حركة الطلاب الايرانيين ليست رسمية….حيث نشاهد ونتابع عمليات القصف الصاروخي التي تستهدف السفارة الاميركية ومجمع سكن الموظفين الاميركيين في بغداد كما الهجمات التي تطال مواكب التحالف الدولي وهي اميركية في معظمها..

وهنا في لبنان نعيش وبتوجيهات ايرانية للثنائي المتحالف معها واقع التأزيم السياسي والعرقلة السياسية واعاقة تشكيل حكومة لبنانية تخرج لبنان من ازمته المالية وتبعده عن حالة الانهيار الاقتصادي التي يعيش الشعب اللبناني اوجاعها وآلامها… والتضخم المالي الذي يزيد من حالات الفقر وتراجع القدرة الشرائية عند المواطن اللبناني كما يرفع من وتيرة الهجرة الشرعية منها وغير الشرعية….وعدم رد حزب الله على الغارات الاسرائيلية او العمليات الامنية الاسرائيليىة يعود الى ان القيادة الايرانية لا تريد خوض اي حربٍ مفتوحة في هذه المرحلة بل تريد القيام بعمليات ازعاج امني وارباك سياسي… منتظرة رد فعل اميركي خاطيء او ان يتأثر الناخب الاميركي بعدم قيام ادارته بعمل حاسم لردع الارهابيين الايرانيين واداوتهم…سواء في لبنان او العراق…وغيرها من الدول….

وبالتالي ما تامله طهران هو ان يخسر ترامب معركة التجديد، ويستلم الرئيس الجديد سلطاته ومهامه في 20/1/2021، مما يعني ان هناك اكثر من شهرين لتسلم السلطة وكذلك اعادة هيكلة الادارة الاميركية قد تستغرق اكثر من ثلاثة اشهر اخرى…ريثما تستقر هذه الادارة وتاخذ شكلها النهائي… هذا معناه ان لدى ايران فرصة للتحرك والتأثير في واقع المنطقة اكثر من خمسة او ستة اشهر وقد يكون لدى الادارة الاميركية الجديدة رؤية سياسية مختلفة وتوجهات اخرى لا تكون بنفس حدة الادارة الحالية فيما يعني ايران وحضورها ودورها…

لذلك علينا ان نتوقع خلال هذا الشهر المزيد من الهجمات العسكرية والامنية واثارة التوترات السياسية والعراقيل التي تزيد من منسوب التأزيم في المنطقة لارباك القيادة الاميركية ودفعها لاتخاذ قرارات قد تكون خاطئة او متسرعة مما يغير من واقع الحال لمصلحة ايران… سياسة استخدام الادوات والعملاء والتابعين مهما كان اسمهم او كلهم او صفتهم اصبحت سياسة ايرانية واضحة وتكرار تطبيق الاستراتيجيات لن يؤدي الا الى مزيد من سفك الدماء ومنع الاستقرار وافقار شعوب المنطقة وتعميق الانقسام بين مكونات هذه الدول لخدمة مشروع ايران الامبراطوري والمذهبي القديم الجديد….لذلك يمكن اعتبار هذا الشهر القادم على انه شهر التصعيد الايراني امنياً وسياسياً….

المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها