الأثنين ١٩ تشرين الأول ٢٠٢٠ - 09:42

المصدر: الكلمة اونلاين

عن إنجازات 17 تشرين

دعكم للحظة من جدلية الإسم: ثورة، إنتفاضة، حراك، عاميّة… فالتاريخ بحد ذاته يكفي؛ 17 تشرين.

في الذكرى السنوّية الأولى ل 17 تشرين تأكيدات وشكوك، بعضها مبالغ به، حول الإنجازات التي تحققت.

حسناً، لا يختلف إثنان على أن إستذكار الإنجازات والمبالغة في وصفها، لاسيّما وقت الأزمات والشدة، هو من لزوم رفع المعنويات والحفاظ عليها. لكن التخطيط الفعّال يقضي بإعتماد مقاربة واقعية.

في الإنجازات
– كسرت 17 تشرين حاجزي الخوف والمحرّمات. إندفع اللبنانيون واللبنانيات نحو شوارع وساحات لبنان دون حساب للمخاطر التي بلغت حد تهديد السلامة الجسدية والحق بالحياة (ضرب، تكسير وحرق خيم، إطلاق رصاص حي ومطاطي…)، ودونما إعتبار لصفة أو رتبة أو مكانة أي من شخصيات أهل الحكم.

– أكّدت 17 تشرين على تعددية النسيج المجتمعي اللبناني وهوياته المحلية والثقافية والدينية، وبرهنت أنه بإستطاعة هذه المكوّنات أن تسعى لهدف مشترك إذا ما تُركت لتعبِّر عنه، كلٌ على طريقتها. يكفي مراجعة نقاط إقفال الطرقات بما تمثّل من هويات ثقافية ودينية وإجتماعية، وبرمزيتها الجغرافو-سياسية خلال الحرب الأهلية: صور، برجا، ساحة الشهداء، فرن الشباك، جل الديب والزوق، البحصاص وطرابلس وعكار، زحلة والبقاع، الجبل. “فدرلة” 17 تشرين سمحت بإستدامتها، ولو إلى حين!

– عرَّت أهل الحكم لعجزهم عن القيام بأي مبادرة إيجابية، نظراً لإنعدام الرؤى والمشاريع السياسية لديهم (بالمعنى القاموسي، والعملاني الهادف إلى تحقيق المصلحة العامة)، وبالتالي ثَبَّتت عدم أهليّتهم ومشروعيتهم.

– ظهَّرَت عدوانية أهل الحكم وعدم ترددهم بإستعمال كافة وسائل وأشكال العنف للدفاع عن مواقعهم ومكتسباتهم.

أمّا بعد،
يبدو تحقيق أي خرق في الوقت الراهن أمر صعب المنال. وإن كان التغيير أمر حتميّ، فالتخطيط لتحقيقه أمر ضروري، ولعلّه الركن الأساس الناقص، والمسبب لحالة الإحباط التي يعبر عنها كثر.

أدوات المواجهة التي اعتُمدت في السابق (قطع طرقات، مهرجانات ومسيرات، خطابات، إلخ إلخ إلخ…) أدّت ما بإستطاعتها، لكنّها لم تعد مناسبة للسياق الحالي. لربمّا يكون العصيان المدني الشامل فعّالاً في وجه أهل الحكم، لكنّ إستمراريته إلى حين تحقيق الهدف المنشود رهن بالقدرة على التأقلم مع سياق ضاغط وغير مسبوق: شبح الجوع، نقص وإنقطاع الخدمات الصحية والمعيشية الأساسية…

لا بد إذاً من إعتماد أدوات جديدة، يكون أوّلها تغيير في عقليّة كل من شارك في 17 تشرين، مفاده أن المواجهة مفتوحة بين طرفين لا ثالث لهما:
السلطة من جهة، وكل من بقي في لبنان طواعية أو لأي سبب آخر. فإمّا أن ينتمي المرء إلى فريق أهل السلطة، أو يكون على استعداد لمواجهة مفتوحة دون تذمّر، أو فضل ومنيّة.
وإذا كان العيب الأول لأهل الحكم هو غياب الرؤى والمشاريع السياسية، فمن الأَولى لمن يعارضهم أن يتقدم بها. فال “كلن يعني كلن”، وال “هيلا هو” والمطالبة “بنبذ الطائفية الرجسة” و”بناء الدولة المدنية” شعارات شعبوية لا تؤدّي إلى أي تغيير. من الضروري، وهو ما يظهر للعلن تدريجياً، أن يُعمل على صياغة مشاريع سياسية جديدة تُعرض على الرأي العام، والهيئات الديبلوماسية والمرجعيات الدولية لعدة أسباب:

– خلق نقاشات جدية وعميقة وأكاديمية حول الخيارات المتاحة، وإخراجها من أمام مهزلة عدسات الكاميرات، والأرصفة!
– محاولة وضع هذه الخيارات على شاشة رادارات الدول صانعة القرار. فلنوقف المزح ونعترف بأن التغييرات الجذرية في لبنان لم تكن يوماً نتيجة دينامية داخلية، بل نتيجة تقاطع مصالح إقليمية ودولية. فلنعلن على الأقل ما نريد بشكل جدي وواضح ومنهجي؛ لعلّ وعسى.
– حشد الدعم والتأييد لمشاريع، لا لأشخاص أو أحزاب. فلتكن المشاريع هي الناطق باسم 17 تشرين؛ دعكم من إنتخاب مجالس تمثيلية تحاور وتلتزم بإسمها!

بالرغم من كل ما ورد،
تبدو فرص الإنتقال نحو لبنانٍ جديد معدومة، ما لم يتدخل المجمتع الدولي بشكل مباشر ومؤقت، تحت عنوان التدخل الدولي الإنساني، لإدارة هذا المسارعلى كافة الصعد: السياسية، والأمنية، والإقتصادية، والإجتماعية، فقد أثبتنا كلبنانيين عدم قدرتنا على الإدارة السليمة لمؤسسات الدولة. دعكم من حجج التدخل في شؤون الدول وتجاوز السيادة الوطنية وغيرها من الشعارات الفارغة. فقدسية السيادة الوطنية تستند إلى إلتزام السلطة بتأمين الحقوق والحريات ووصول أصحابها إليها؛ وقدرتها على حماية هذه الحقوق والحريات والدفاع عنها بوجه أي إنتهاك. وحين تفشل أي سلطة أو حكم بتحقيق ذلك، يصبح تدخل المجتمع الدولي واجب لحماية الناس وحقوقهم.

المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها