الأربعاء ١٥ تشرين الثاني ٢٠١٧ - 07:59

المصدر: النهار

عون “بلا غطاء” مسيحي… “خلينا نروق”!

“الرئيس الحريري عائد بأسرع وقت وأنا مقتنع بأسباب الاستقالة”، موقف للكاردينال البطريرك مار بشارة بطرس الراعي لم يتوقعه فريق من اللبنانيين، وعلى رأسهم رئيس الجمهورية ميشال عون ووزير الخارجية جبران باسيل وطبعاً “حزب الله” وحلفاؤه. إنه تصريح يصب في صالح الخيار الرافض اعتبار الحريري في الإقامة الجبرية. لم يكتفِ الراعي في تصريحه بهذا الخيار ضمنياً فحسب، بل عبّر عن قناعته بأسباب الاستقالة.

الأكيد أن جمهوري “الوطني الحر” و”حزب الله” لن يرحما الراعي. البطريرك ما إن وطأت قدماه أرض الحرمين، حتى بدأ الهجوم عليه. واستخدم المعترضون على الزيارة بعض الصور التي لا يظهر فيه صليب البطريرك، لتعود صور أخرى وتنفي كل هذه المزاعم وتؤكد أن الراعي دخل المملكة رافعاً صليبه.

اللافت أن توقيت موقف الراعي (نقلته أل. بي. سي. آي.) جاء في وقت يجول فيه باسيل في الدول الأوروبية، بحثاً عن ضغوط ومواقف دولية تعيد الحريري من السعودية، فوزير الخارجية لا يزال مقتنعاً أن رئيس الحكومة وأفراد أسرته محتجزون في المملكة، لكن السؤال بالنسبة إلى معارضي العهد: لماذا لم يأخذ باسيل بنصيحة القائم بالأعمال والوزير المفوض السعودي وليد يخاري، ألم يكن الأفضل زيارتها وسماع الموقف الرسمي؟

بعد التصريح الذي “نُسب” إلى الراعي، غرّد الرئيس الحريري وكأنه يتوجه بطريقة غير مباشرة إلى الرئيس ميشال عون ووزير الخارجية جبران باسيل المنتفضين على السعودية، كتب فيها: “يا جماعة أنا بألف خير، وإن شاء الله أنا راجع هل يومين، خلينا نروق، وعيلتي قاعدة ببلدها… مملكة الخير”. تقصّد الحريري استخدام اللهجة اللبنانية العامية ليؤكد أنه من كتبها، وتقصد الحديث عن عائلته، بعد ما تم تناقله من قنوات رئيس الجمهورية أنه لا يطالب بعودة الحريري فحسب بل بعائلته أيضاً.

بعد تصريح الراعي، المرجع الروحي الأول للمسيحيين في الشرق الأوسط، أصبح عون وفق المراقبين “بلا غطاء مسيحي” في معركته، فرئيس القوات اللبنانية سمير جعجع ورغم اهتمامه بعودة الحريري، كان أول المقتنعين بأسباب استقالة حليفه رئيس الحكومة، وعدد الأسباب في مقابلة تلفزيونية، وتناغم مواقفه مع نص استقالة الحريري، موجهاً خطابه إلى “حزب الله”، من دون أن يمس “اتفاق معراب”، فضلاً عن استعداده لخوض المعركة الجديدة إلى جانب الحريري فور عودة الأخير. أما حزب “الكتائب” فهو أساساً يرفض هذه التسوية ويعتبر انها سلمت البلد إلى إيران وأراد اسقاط هذه الحكومة بمواجهة ملفات الفساد، لكن ذلك لم يمنعه من الاهتمام بأن يتخذ الحريري خطواته من لبنان (وفق تصريحات النائب سامي الجميل). ولا يختلف المستقلون في الصفوف المسيحية عن هذا الخط كثيراً، خصوصاً معارضي التسوية، ليكون بذلك الرئيس وحده بلا غطاء مسيحي.

ويكون الحريري قد سجل حتى اليوم:

لقاءان بالعاهل السعودي الملك سلمان، لقاء بالسفير السعودي الجديد وليد اليعقوب، زيارة إلى أبو ظبي، مقابلة تلفزيونية، تغريدة على “تويتر” ولقاء مع البطريرك الراعي.

وبعد عودته من زيارة تاريخية، سينقل الراعي إلى عون ما سمعه من الحريري ودفعه إلى الاقتناع بالاستقالة، والأخير فور عودته ستكون وجهته الأولى أيضاً قصر بعبدا حيث سينقل لرئيس الجمهورية أسباب استقالته، وحينذاك تدخل استقالة الحريري حيز التنفيذ وتبدأ المواجهة السياسية، ليرفع حينها “حزب الله” درعه الدفاعية قبل أن يصوّب أسلحته السياسية، في معركة عنوانها: “لبنان النأي بالنفس”.

استقالة الحريري بداية وليست نهاية. لـ”حزب الله” الخيار بين البقاء في الدول العربية لتنفيذ الأجندة الايرانية وبين اختيار “لبنان أولاً”. أما رئيس الجمهورية فسيكون عون في موقف محرج بين حليفه الحزب الذي عطل البلد من أجل ايصاله إلى رئاسة الجمهورية وبين الدفاع عن دستور لبنان وموقع الجمهورية في العالم العربي. وتالياً لن يكون هناك حل في لبنان من دون “حزب الله” الذي يمثّل نصف الشعب اللبناني ولا حل أيضاً باستمرار الحزب على هذه الحال، واذا لم ينجح لبنان في “النأي بالنفس” فيمكن القول إن علاقته بالعالم العربي في خطر، فهل نستيقظ؟

المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها