الجمعة ١٢ نيسان ٢٠١٩ - 11:59

المصدر: صوت لبنان

في ذكرى ١٣ نيسان

تشكّل الحرب التي دارت رُحاها في لبنان بين العامين ١٩٧٥ و١٩٩٠ محطة مفصلية من تاريخ لبنان الحديث مع كل ما حملته من مآسي ودمار وتهجّير. إلاّ أن هذا الموضوع لم ينل فعلاً حقه، أقله محليًا، على الصعيد العلمي والبحثي، بالرغم من الدور المحوري الذي يلعبه التاريخ في فهم الحاضر واستشراف المستقبل. ويعود ذلك الى مجموعة عوامل منها ما هو متعلق بصعوبة الوصول الى أرشيف كافة القوى المتحاربة والدول الفاعلة، كما الى منهجية البحث العلمي التي يتطلب استخدامها وجود مؤرخ ضليع وذو باع طويل في تاريخ الشرق الأوسط. فهكذا، مؤرخ قادر على الإحاطة بأكبر عدد من الوثائق والدراسات والمعطيات، وهو قادر بالتالي على وضعها في اطارها الزماني والمكاني ومقاربتها مع بعضها البعض وتحليلها. والركون الى ذلك يوصلنا حتمًا الى فهم أوضح لأسباب وظروف ونتائج تلك الحرب.

بدايةً، لا بدّ من الإشارة الى وقوع لبنان في منطقة الساحل الشرقي للمتوسط، ذات الأهمية الاستراتيجية المحورية لعدد كبير من دول العالم، والتي تجعله بالتالي عرضة لصراعات وحروب شبه متواصلة. فهذه المنطقة، التي نادرًا ما عرفت فترات سلام طويلة، هي منطقة حدودية بين مناطق حضارية مختلفة، كمنطقتي الشرق والغرب. وغالبًا ما تكون المناطق الحدودية مناطق رخوة وغير مستقرة، وما يزيد من عدم استقرارها هو كونها عبارة عن تقاطع تجاري مهم،وهذا ما جعلها محطّ أطماع العديد من دول العالم التي تسعى وبوسائل مختلفة وضع اليد ولو جزئيا عليها أكان بطريقة مباشرة، عبر غزوها واحتلالها، او بطريقة غير مباشرة، عبر استخدام بعض الأدوات الداخلية. وانطلاقًا من ذلك، أضحت منطقة الساحل الشرقي للمتوسط عبارة عن حلبة صراع تتحارب فيها القوى الكبرى.

انطلاقًا من هذه المعطيات الجيوسياسية نستشف ان السبب المحوري لحرب ١٩٧٥-١٩٩٠ كان بين من أراد مقاومة هذه التحديات من خلال الدولة ومؤسساتها ومن أراد الخضوع لتلك التحديات من خلال تحويل لبنان الى ساحة ملاكمة للدول المؤثرة. لقد تشكّل الفريق الأول بمعظمه من المسيحيين الذين كانوا قد ادركوا في تلك الفترة ومن خلال التجارب التاريخية التي عاشوها ان الدولة، وبالرغم من ضعفها، هي الوسيلة الوحيدة القادرة على حماية كافة أبناء الوطن، وان تحويل لبنان الى ساحة سيجعل الفئة الأقل وجودًا تدفع الثمن غاليًا. وليس في ذلك مبالغة، اذ أن تحول تلك المنطقة الى حلبة صراع جعلت نسبة المسيحيين تتضاءل من حوالي خمسين بالمئة في بدايات القرن السادس عشر الى اقل من عشرة بالمئة في سبعينيات القرن الماضي. اما الفريق الاخر المكّون بغالبيته من المسلمين فكان يملك امتدادًا ديموغرافيًا وثقافيًا مع دول الجوار التي كان يتماهى كثيرًا مع مواقفها. وهنا يكمن جوهر الصراع في لبنان، فبعض هذه الدول، والتي كانت في تلك الفترة تعمل على تثبيت دعائم حكم شمولي، لم تجد وقتذاك من وسيلة لبلوغ ذاك الهدف إلا عبر الهاء شعوبها ببروباغندا تدعو، من جهة، الى اعادة إحياء امجاد وهمية، ومن جهة أخرى، بالدعاية في محاربة إسرائيل. فلم تجد بالتالي هذه الأنظمة ضررًا في تصوير مسيحيي لبنان على انهم عائق في بلوغ اهداف رسمها شعراء تلك الأنظمة وقام زعمائها بتعليقها بحبال الهوا. إلاّ ان هذه البروباغندا لعبت دورها وتفجرت حقدًا ودمارًا وقتلاً في دولة لبنان التي تُعتبر اهم ما انتجه مسيحيو الشرق. ومع هذا الانفجار سقطت هيبة الدولة اللبنانية واضحت هذه الأخيرة غير قادرة على حماية أبنائها، لا في بيروت من غزو الفصائل الفلسطينية ولا في البقاع والشمال من اجتياح الجيش السوري ولا في الجنوب من اجتياح الجيش الإسرائيلي.

إلاّ ان اللبنانيين ادركوا سريعًا ما ترتب عن سقوط دولتهم، ولم يتّملك أحدهم شعور الغاء الاخر، وبقوا وبالرغم من تدهور الأوضاع الميدانية على تواصل فيما بينهم، وما فتئوا يضعون مشاريع حلول وينظمون مؤتمرات حوار، ونذكر هنا على سبيل المثال لا الحصر مؤتمر جنيف في عهد الرئيس امين الجميل (٣١ تشرين الأول ١٩٨٣). وتعود أسباب هذه الإرادة اللبنانية الصلبة في التعايش ونبذ العنف الى التجارب التاريخية الطويلة التي خبروا خلالها إيجابيات العيش معًا، وكانوا قد ايقنوا انه في كل مرة يتقاتلون انما يكون قتالهم لأسباب خارجية. فلم يكن لا موضوع الصلاحيات ولا موضوع الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية يستحق تدمير دولة عن بكرة ابيها. في المقابل، تلاقت إرادة اللبنانيين هذه مع إرادة بعض الدول العربية والاوربية التي ادركت ان انهيار الدولة اللبنانية يعني انهيار نموذج التعايش المسيحي-الإسلامي، وهذا الانهيار يضع الحضارة الإنسانية برمتها على المحك، لأنه اذا كان المسيحيون والمسلمون عاجزين عن العيش معًا في بقعة صغيرة كلبنان، فإنهم بالتالي عاجزون عن العيش في أي مكان في العالم. تلاقي الرادة اللبنانية مع الإرادة العالمية انتج حلاً كان ناقصًا في البداية نتيجة تغييب وتهميش المسيحيين، من جهة، ونتيجة تسليم لبنان الى سورية، من جهة ثانية. إلاّ انه مع عودة المسيحيين وانسحاب السوريين بدأ هذا الحل يكتمل.

في المحصّلة ان استخدام المنهجية العلمية في دراسة أسباب وظروف حرب ١٩٧٥-١٩٩٠ يساعدنا في الإحاطة بهذا الموضوع من عدة جوانب. وفي ذلك ضرورة لفهم الواقع، من خلال الكف عن استخدام لغة التخوين ولغة المنتصر والمهزوم، ومن خلال فهم أهمية الدولة ودور مؤسساتها في حماية كافة أبناء الوطن، كما من خلال الخروج من سياسة المحاور والذهاب الى اعتماد الحياد الإيجابي في قضايا المنطقة والعالم.

تشكّل الحرب التي دارت رُحاها في لبنان بين العامين ١٩٧٥ و١٩٩٠ محطة مفصلية من تاريخ لبنان الحديث مع كل ما حملته من مآسي ودمار وتهجّير. إلاّ أن هذا الموضوع لم ينل فعلاً حقه، أقله محليًا، على الصعيد العلمي والبحثي، بالرغم من الدور المحوري الذي يلعبه التاريخ في فهم الحاضر واستشراف المستقبل. ويعود ذلك الى مجموعة عوامل منها ما هو متعلق بصعوبة الوصول الى أرشيف كافة القوى المتحاربة والدول الفاعلة، كما الى منهجية البحث العلمي التي يتطلب استخدامها وجود مؤرخ ضليع وذو باع طويل في تاريخ الشرق الأوسط. فهكذا، مؤرخ قادر على الإحاطة بأكبر عدد من الوثائق والدراسات والمعطيات، وهو قادر بالتالي على وضعها في اطارها الزماني والمكاني ومقاربتها مع بعضها البعض وتحليلها. والركون الى ذلك يوصلنا حتمًا الى فهم أوضح لأسباب وظروف ونتائج تلك الحرب.

بدايةً، لا بدّ من الإشارة الى وقوع لبنان في منطقة الساحل الشرقي للمتوسط، ذات الأهمية الاستراتيجية المحورية لعدد كبير من دول العالم، والتي تجعله بالتالي عرضة لصراعات وحروب شبه متواصلة. فهذه المنطقة، التي نادرًا ما عرفت فترات سلام طويلة، هي منطقة حدودية بين مناطق حضارية مختلفة، كمنطقتي الشرق والغرب. وغالبًا ما تكون المناطق الحدودية مناطق رخوة وغير مستقرة، وما يزيد من عدم استقرارها هو كونها عبارة عن تقاطع تجاري مهم،وهذا ما جعلها محطّ أطماع العديد من دول العالم التي تسعى وبوسائل مختلفة وضع اليد ولو جزئيا عليها أكان بطريقة مباشرة، عبر غزوها واحتلالها، او بطريقة غير مباشرة، عبر استخدام بعض الأدوات الداخلية. وانطلاقًا من ذلك، أضحت منطقة الساحل الشرقي للمتوسط عبارة عن حلبة صراع تتحارب فيها القوى الكبرى.

انطلاقًا من هذه المعطيات الجيوسياسية نستشف ان السبب المحوري لحرب ١٩٧٥-١٩٩٠ كان بين من أراد مقاومة هذه التحديات من خلال الدولة ومؤسساتها ومن أراد الخضوع لتلك التحديات من خلال تحويل لبنان الى ساحة ملاكمة للدول المؤثرة. لقد تشكّل الفريق الأول بمعظمه من المسيحيين الذين كانوا قد ادركوا في تلك الفترة ومن خلال التجارب التاريخية التي عاشوها ان الدولة، وبالرغم من ضعفها، هي الوسيلة الوحيدة القادرة على حماية كافة أبناء الوطن، وان تحويل لبنان الى ساحة سيجعل الفئة الأقل وجودًا تدفع الثمن غاليًا. وليس في ذلك مبالغة، اذ أن تحول تلك المنطقة الى حلبة صراع جعلت نسبة المسيحيين تتضاءل من حوالي خمسين بالمئة في بدايات القرن السادس عشر الى اقل من عشرة بالمئة في سبعينيات القرن الماضي. اما الفريق الاخر المكّون بغالبيته من المسلمين فكان يملك امتدادًا ديموغرافيًا وثقافيًا مع دول الجوار التي كان يتماهى كثيرًا مع مواقفها. وهنا يكمن جوهر الصراع في لبنان، فبعض هذه الدول، والتي كانت في تلك الفترة تعمل على تثبيت دعائم حكم شمولي، لم تجد وقتذاك من وسيلة لبلوغ ذاك الهدف إلا عبر الهاء شعوبها ببروباغندا تدعو، من جهة، الى اعادة إحياء امجاد وهمية، ومن جهة أخرى، بالدعاية في محاربة إسرائيل. فلم تجد بالتالي هذه الأنظمة ضررًا في تصوير مسيحيي لبنان على انهم عائق في بلوغ اهداف رسمها شعراء تلك الأنظمة وقام زعمائها بتعليقها بحبال الهوا. إلاّ ان هذه البروباغندا لعبت دورها وتفجرت حقدًا ودمارًا وقتلاً في دولة لبنان التي تُعتبر اهم ما انتجه مسيحيو الشرق. ومع هذا الانفجار سقطت هيبة الدولة اللبنانية واضحت هذه الأخيرة غير قادرة على حماية أبنائها، لا في بيروت من غزو الفصائل الفلسطينية ولا في البقاع والشمال من اجتياح الجيش السوري ولا في الجنوب من اجتياح الجيش الإسرائيلي.

إلاّ ان اللبنانيين ادركوا سريعًا ما ترتب عن سقوط دولتهم، ولم يتّملك أحدهم شعور الغاء الاخر، وبقوا وبالرغم من تدهور الأوضاع الميدانية على تواصل فيما بينهم، وما فتئوا يضعون مشاريع حلول وينظمون مؤتمرات حوار، ونذكر هنا على سبيل المثال لا الحصر مؤتمر جنيف في عهد الرئيس امين الجميل (٣١ تشرين الأول ١٩٨٣). وتعود أسباب هذه الإرادة اللبنانية الصلبة في التعايش ونبذ العنف الى التجارب التاريخية الطويلة التي خبروا خلالها إيجابيات العيش معًا، وكانوا قد ايقنوا انه في كل مرة يتقاتلون انما يكون قتالهم لأسباب خارجية. فلم يكن لا موضوع الصلاحيات ولا موضوع الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية يستحق تدمير دولة عن بكرة ابيها. في المقابل، تلاقت إرادة اللبنانيين هذه مع إرادة بعض الدول العربية والاوربية التي ادركت ان انهيار الدولة اللبنانية يعني انهيار نموذج التعايش المسيحي-الإسلامي، وهذا الانهيار يضع الحضارة الإنسانية برمتها على المحك، لأنه اذا كان المسيحيون والمسلمون عاجزين عن العيش معًا في بقعة صغيرة كلبنان، فإنهم بالتالي عاجزون عن العيش في أي مكان في العالم. تلاقي الرادة اللبنانية مع الإرادة العالمية انتج حلاً كان ناقصًا في البداية نتيجة تغييب وتهميش المسيحيين، من جهة، ونتيجة تسليم لبنان الى سورية، من جهة ثانية. إلاّ انه مع عودة المسيحيين وانسحاب السوريين بدأ هذا الحل يكتمل.

في المحصّلة ان استخدام المنهجية العلمية في دراسة أسباب وظروف حرب ١٩٧٥-١٩٩٠ يساعدنا في الإحاطة بهذا الموضوع من عدة جوانب. وفي ذلك ضرورة لفهم الواقع، من خلال الكف عن استخدام لغة التخوين ولغة المنتصر والمهزوم، ومن خلال فهم أهمية الدولة ودور مؤسساتها في حماية كافة أبناء الوطن، كما من خلال الخروج من سياسة المحاور والذهاب الى اعتماد الحياد الإيجابي في قضايا المنطقة والعالم.

المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها