الأحد ٢٩ أيلول ٢٠١٩ - 11:08

المصدر: لو جورنال دو ديمانش

كان بمثابة اخ لأبي

العظماء يتركون أثرا دائما في حياة من يلتقيهم. ومنهم من يطبع مصير بلد بأكمله. لقد طبع الرئيس جاك شيراك، مصير بلده أولا، فرنسا التي أحبها كثيرا، و لكن مصير لبنان أيضا، الذي كان يكن له صداقة ارتبطت ارتباطًا وثيقا بعلاقته الاستثنائية مع رفيق الحريري.

التقى الرجلان عندما كان جاك شيراك عمدة باريس. وأبعد من شعورالتعاطف الذي نشأ فورا بينهما، استشعر كل منهما القدر الوطني والدولي الذي كان ينتظر كلا منهما.

على مر اللقاءات والأحاديث، لمس كل منهما عند الآخر قيما مشتركة، هي الحقيقة والولاء والإنسانية التي نسجت بينهما صداقة عراها لا تفك، وتفاهما على أهمية السلام والاعتدال والتنمية الاجتماعية والاقتصادية والحوار بين البشر والشعوب والأديان والحضارات. وكان كلاهما يدرك أهمية الفرنكوفونية ناقلة للديمقراطية والكرامة الإنسانية والقيم الجمهورية..

في المباشر، كانت رؤيتهما المشتركة للبنان تكمن في إنهاء الحرب، بل الحروب، التي مزقته والشروع في إعادة الاعمار واستعادة حريته الكاملة.

بالنسبة لرفيق الحريري، كان هذا مشروع العمر. اما بالنسبة لجاك شيراك فكان فعل إيمان بفرنسا وعظمتها واهميتها في العالم، وبلبنان كنموذج للصمود والعيش المشترك في المنطقة.

اللبنانيون جميعا يعبرون اليوم عن امتنانهم الكامل له. كان جاك شيراك أول رئيس قوة عظمى يزور بيروت بعد نهاية الحرب الأهلية. وكانت رسالته واضحة: فرنسا تريد لبنان بلدا حرا ومستقلا..

كانت زيارته الثانية لإعادة افتتاح قصر الصنوبر بعد 16 عامًا من الاقفال بسبب الحرب ودمارها. جاك شيراك، الذي كان يعرف قيمة الرموز، ادرك ما كان يعني بنظر للبنانيين وجوده في المكان نفسه الذي أعلنت منه دولة لبنان الكبير، قبل مئة عام تقريبًا..

صديق لبنان الكبير لعب دورًا رئيسا في إبعاد الوصاية السورية، كما كان له دور حيوي في إنهاء الحرب الإسرائيلية عام 2006 واقرار قرار مجلس الأمن الدولي 1701، الذي يضمن الهدوء على حدودنا الجنوبية منذ 13 عامًا.

كان قد سهر شخصيا، مع رفيق الحريري، على تنظيم مؤتمرين لدعم الاقتصاد اللبناني، باريس-1 في 2001 وباريس-2 في السنة التالية، جامعا في الإليزيه الدول المانحة ومؤسسات التمويل الدولية. وبعد عامين على اغتيال والدي، نظم للغرض نفسه وفي المكان نفسه مؤتمر باريس الثالث.

لولاه، لما كانت المحكمة الدولية الخاصة بلبنان لمحاكمة قتلة والدي رفيق الحريري “الذي جسد ارادة الاستقلال والحرية والديمقراطية الثابتة في لبنان”، كما جاء في بيان  الاليزيه في ذلك اليوم.

كان قد قال لي عندما وصل إلى بيروت في اليوم التالي للجريمة: “سيدفعون الثمن غاليا”. وأمام الضريح، انحنى شيراك، الرجل الإنساني الذي أراد نهاية عذابات لبنان واللبنانيين، في لفتة زادت من شجاعة جميع أولئك الذين طالبوا بوضع حد للإفلات من العقاب. تصرف كما لو أن اخاه هو الذي تم اغتياله. وعاملنا، بعد ذلك، بحنان شبه أبوي.

فرنسا خسرت لتوها رجلا عظيما. اللبنانيون والعرب يشعرون بفقدان عملاق سياسي ترك بصمة عميقة في وجدانهم على امتداد ربع قرن. اما انا، في غمار العواطف والذكريات، فأقول لنفسي: لقد انضم الى صديقه الكبير، رفيق الحريري ….

في نهاية الأمر، حتى العمالقة، يوما ما، يجب أن يستريحوا. أنا واثق ان كل اللبنانيين يضمون صوتهم الى صوتي اليوم ليقولوا لجاك شيراك: استرح في سلام، سيدي الرئيس. ما انجزته سيبقى وسيعرف التاريخ كيف ينصفه.

المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها