فرنسوا ضاهر

الأحد ١٩ كانون الثاني ٢٠٢٠ - 08:36

المصدر: صوت لبنان

لبنان أمام معادلة وجوديّة

يعاني لبنان اليوم من أزمة
متعدّدة الأوجه سياسية وإقتصادية ومالية ومصرفية
ونقدية واجتماعية وخدماتية،
لم يسبق له أن عرفها بتاريخه المعاصر
أي منذ نشأته سنة 1920 وحتى اليوم.

وقد خرج من حربه الداخلية لسنة 1975
بإتفاق الطائف سنة 1989 شبه معافى
إقتصادياً، وغير مرهق مالياً، وسالم نقدياً.

غير أنّ الإتفاق المذكور قد أولى
أُمراء تلك الحرب، حكمه، فمنهم من
كان معروفاً ومنهم من كان متستّراً.
وإذ توالوا على حكم هذا البلد عهداً
بعد عهدٍ، حتى أوصلوه الى الوضعية
المعقّدة والمتشعّبة والمتشابكة والخطرة التي انزلق إليها.

حتى باتت خزينة الدولة خاوية
وودائع الناس في المصارف قيود رقميَّة
والقطاعات الاقتصادية متصدّعة ومتداعية
والاستدانة من الخارج محظورة، وفي أحسن الأحوال
مشروطة، كما الاستدانة من الداخل مستحيلة،
والتدفقات النقدية متوقّفة.
وها هم اليوم الأُمراء نفسهم يتداعون لإنقاذه،
ويقطعون الطريق على سواهم للمؤازرة في عملية الإنقاذ تلك.
ومن دون أن يغفلوا للحظة استمرار تقاسمهم لمواقع النفوذ
والسلطة فيما بينهم. حتى في الحال التي أصبح فيها
بلدهم جثة هامدة، وشعبهم وقوداً، على مذبح نزواتهم السلطوية.

الأمر الذي بات يحتّم على الناس مزيداً من الوعي والإدراك
بأن إنقاذ بلدهم لم يعد يمرّ بالأُمراء الذين حكموه وأوصلوه
الى ما هو عليه اليوم. بل إنه بات يتعيّن عليهم
التحرّر، أكثر فأكثر، من التبعيّة الحزبية والطائفية
كي يعتمدوا ورشة إصلاحية خلاصيّة شاملة
من خلال ثورتهم التي أطلقوها في 17 تشرين الأول.
فيدعّموا ركائزها ويوسّعوا إطارها
ويوحّدوا أهدافها ويفصحوا عن رجالاتها
ويعرّفوا عن ممثّليها في تولّي المناصب العامة.

فإن فعلوا، يكونوا قد أطلقوا
بارقة أمل ورجاء للبنانَ أفضل.
وإن أخفقوا، يكونوا قد أطبقوا على
مصيرهم وعلى مصير أولادهم وأحفادهم
من بعدهم.

من هنا، يمكن القول، في المحصّلة، أن لبنانَ
يمرّ اليوم بمعادلة وجوديّة مفصليّة
وليس بأزمة طارئة مرحلية.

المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها