عمر عليمات

الأربعاء ١٢ آب ٢٠٢٠ - 08:38

المصدر: الرؤية

لبنان.. والثمن الممهور بالدم

يقول الكاتب الأمريكي مارك توين في إحدى رواياته «قد يعيد التاريخ نفسه مرات عدة، لكن سعره يتضاعف مع كل مرة»، فما حدث في بيروت ثمن قاسٍ جداً، أخذ من روح لبنان الكثير، وتركه كشجرة ضعيفة الجذور تتلاعب بها رياح الأجندات والاختلافات ونهم الفاسدين.

قبل نحو عام، خرج اللبنانيون موحدين تحت علم لبنان بلا خلفيات طائفية ولا حزبية، مطالبين بتحسين ظروفهم وتغيير الطبقة السياسية التي نخرت عضد الدولة، وأطلقوا صرختهم «كلن يعني كلن»، فماذا حدث بعد ذلك؟ جيء بحسان ذياب، وأصبحت الحكومة لوناً واحداً تدير الأمور حسب التوجيهات، لأنها حكومة ظل للحاكم الفعلي الذي يتحكم في لبنان وشعبه، من دون أن يرقب فيهم إلاً ولا ذمّة، وها هي اليوم بيروت تدفع الثمن مضاعفاً وممهوراً بالدم، وصرخات الأمهات ودموع اليتامى، ها هي تدفع الثمن مضاعفاً عندما تُركت للريح تعصف بها.

خرج اللبنانيون مرّات ومرات، وفي كل مرة يدفعون الثمن مضاعفاً، لأنهم يصدّقون الوعود ويأملون بأن صوتهم قد سُمع، ليس لأنهم أغرار ويثقون بكل ما يقال، بل لأنهم لا يريدون أن تصل الأمور إلى نقطة اللاعودة، فهم يعشقون لبنان ويكرهون الدمار والخراب الذي أكل من أرواحهم سنوات طويلة، وقد أصبحوا أكثر خبرة ودراية بمعنى الفوضى، وبرغم كل ذلك يُخذلون المرة تلو الأخرى من أولئك الجالسين في ساحة النجمة والسراي الحكومي وقصر بعبدا.

بيروت طُعنت في قلبها، جرحها غائر لا يبرأ بوعد ولا ميثاق، فمن خان الوطن يوماً سيخونه دائماً، لبنان يحتاج إلى نهج جديد كلياً، وإعادة حقيقية لصياغة عقد اجتماعي بين الشعب والحكومة بعيداً عن كل هرطقات الطائفية والحزبية، فمن يريد الخروج اليوم عليه أن يعي أن لا عودة مرة أخرى إلى الساحات، فإذا كان الثمن اليوم بيروت، فسيكون غداً لبنان من شماله إلى جنوبه.

باختصار، تغيير حسان دياب والذهاب إلى انتخابات نيابيّة ليس حلاً، ولن يكون هناك حل، ما دامت الوجوه تتغير والنهج قائم، وهذا لن يقوى عليه الشعب اللبناني وحده، فكيف نطلب من شعب أعزل مواجهة دولة داخل دولته؟ لذا فالأمر يتطلب موقفاً دولياً حقيقياً مسانداً لخلع المسمار الإيراني من قلب بيروت، حتى يتحرر من الهيمنة بلا رجعة.

المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها