الجمعة ١٣ آذار ٢٠٢٠ - 08:36

المصدر: Arab Economic News

لبنان يفاوض.. لكن أين “لازارد”؟

بالأمس، خفضت وكالة “ستاندرد آند بورز” تصنيف الديون السيادية للبنان بالعملة الأجنبية إلى مستوى “تعثر إنتقائي عن السداد”، وأعلنت أنها ستلغي على الأرجح هذا التصنيف “بمجرد مبادلة أي دين أو تفعيل اتفاق إعادة هيكلة بين لبنان ودائنيه”.

موقف لم يلقَ وقعا في بيروت، ليس لانشغال الحكومة باعداد الخطة المالية والاقتصادية التي ينتظرها صندوق النقد، وليس لانشغالها بالتفاوض مع الدائنين الخارجيين حول استحقاقات “اليوروبوندز” المعلّق سداد ما توجب منها الإثنين الماضي، بل لانشغالها بتداعيات تفشي فيروس “كورونا” والتردد في إعلان “حال الطوارئ” التي فرضها اللبنانيون على إنفسهم. وفي زحمة كل ذلك، وجدت الحكومة متسعا من الوقت لمماحكة الإعلام المستميت في تأدية دوره في توعية المواطنين وحضهم على إجراءات “الإحتراز الذاتي”.

وفيما توقعت “ستاندرد آند بورز” تعقّد مفاوضات إعادة الهيكلة “مع استبعاد توقع تمويل من صندوق النقد يُحتمل أن يوفر ركيزة للسياسة، أو يحضّ بقية المانحين الدوليين على تقديم الدعم”، رأت مصادر مالية رفيعة المستوى أن ملف التفاوض عالق وسط التعنت السياسي برفض “دعم” صندوق النقد وعدم تقدير أهمية خطورة المضاعفات المالية والقانونية التي سيشهدها الملف، وخصوصا انها ستدخل لبنان في “فوضى” تفاوضية لن تفضي به الا الى القضاء الأميركي، علما أن لبنان لا يملك الخبرة أو الفريق المؤهل لإدارة تعثره المالي مع المجتمع الدولي.

وقالت المصادر لموقع Arab Economic News إن تكتم الحكومة على مسار التفاوض الذي فُتح فعليا قبل أيام مع الدائنين الخارجيين، لن يجنبها مواجهة الواقع الخطير الذي ستواجهه، وخصوصا إن استمر التعامل مع ملف الديون بهذه “الخفة”، مشيرة الى ان الاتصالات الأولى مع الدائنين حصلت في غياب المسؤول عن ملف لبنان في الشركة الاستشارية المالية “لازارد”، وهو فرنسي الجنسية، لوجوده في الارجنتين حيث ينجز عملية مالية للشركة!!!

وسألت المصادر “ألا يفترض أن يكون المسؤول عن ملف ديون لبنان حاضرا ليقود المفاوضات التي استهلتها الحكومة اللبنانية مع دائنيها، والتي يفترض أن تشمل الـ29 استحقاقا وليس استحقاقات 2020 فحسب. فهو الذي يتمتع بالخبرة المطلوبة، لذلك كُلف بإنجاز تلك المهمة عبر تعيينه مقابل عقد مالي. علما ان المرحلة الحساسة التي يمرّ بها لبنان لا تسمح بتوكيل أي من المساعدين في “لازارد” او أي من مستشاري الحكومة ورئيسها.. والا، ما كان الدافع للإستعانة بإستشاريين ماليين وقانونيين؟”.

وتحذّر المصادر من استمرار سياسة التروي الى حد اللامبالاة التي تمارسها حكومة حسان دياب، “لانه بدءا من الثلاثاء المقبل، سيدخل ملف “اليوروبوندز” اللبنانية في فوضى الأسواق المالية Chaos، حيث لن يفلح لبنان في جمع نسبة 75% من الدائنين الأجانب ليتفاوض معهم، وخصوصا إن ارتأى هؤلاء الخروج من استثماراتهم المالية في السندات اللبنانية في حال لم تكن مغطاة بمؤونات، فيبادرون الى طرحها في الأسواق، ليستحيل بعدها على الحكومة والاستشاري المالي، إحصاء حملة السندات “الجدد” مع مخاطر دخول “الصناديق المفترسة” Vulture Funds التي تتربص كما عادتها، “أوقات الإنزلاق” لتشتري بأبخس الأثمان، وتعود بعدها الى المفاوضة للبيع من موقع القوة.

وتبدي المصادر تخوفها من بلوغ الإستحقاق الأول الثلاثاء المقبل، أي حين تنتهي مهلة الأسبوع لاستحقاق 9 آذار/مارس، ومن بعده استحقاقي نيسان/أبريل وحزيران/يونيو من دون علاجات موضوعية وعلمية، “وخصوصا ان الحكومة ليست في وارد دفع أي قرش في هذه المرحلة”، كما تكشّف مما رشح من المفاوضات التي قال وزير المال غازي وزني إنها “بدات قبل أيام عن طريق الاستشاري “لازارد” وستزيد في الأيام المقبلة”. وكشفت المصادر ان لبنان عرض إمتناعه عن الدفع مع تأجيل لستة اشهر، وهذا ما رفضه الدائنون لأنه غير مبني على أسس موضوعية او ضمانات مالية تكفل موارد الأموال، وخصوصا ان الأزمات في لبنان تتشعب وهي الى تزايد مضطرد زاد منها تفشي فيروس “كورونا” أخيرا.

وإزاء رفض الدائنين، قالت المصادر إن لبنان عرض مجددا تسديد “نسبة مئوية أكثر من خجولة” من قيمة السندات مع تأجيل دفع المبالغ المتبقية، ليرفض الدائنون هذا الاقتراح استنادا الى مخاوف من “تأجيل غير محدد زمنيا” ومن دون برنامج واضح مدعوم من صندوق النقد الدولي.

إن فكّرت الحكومة مليا ومعها فريقها الاستشاري (المالي والقانوني)، تستطيع إيجاد مخارج لائقة لا تضرّ بسمعة لبنان التي تمضي في تدهورها يوما بعد يوم. فلمَ لم تقبل بإقتراح دفع نسبة 25% من استحقاق الـ1.2 مليار دولار (9 آذار/مارس) وتأجيل باقي المبلغ؟ ألم يكن هذا الخيار “أكثر المخارج قبولا” من الدائنين؟

رحلة التفاوض بدأت في كواليس ضيقة ومظلمة الأفق حتى بالنسبة الى الإستحقاقات المالية الأخرى المترتبة على لبنان. فالخطة المالية والاقتصادية التي ينتظرها صندوق النقد لن تنتهي قبل منتصف نيسان المقبل، ليتسلمها فريق الصندوق ويدرسها ويبدي ملاحظاته عليها، الامر المتوقع في أيار/مايو المقبل، ليكون حينها استحقت الدفعة الثانية من “اليوروبوندز” (نيسان) وشارفت الدفعة الثالثة في حزيران على الاستحقاق.

مسيرة مشوبة بالكثير من المخاطر المالية والاقتصادية. لكن، يستطيع لبنان تخفيف منسوبها إن بادر الى إدارة ملف الديون بحكمة وجرأة تتيح له وضع خطة استراتيجية تجنبه السقوط في المجهول المالي.

المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها