السبت ١٤ نيسان ٢٠١٨ - 19:07

المصدر: النهار

لغز المادة 50 من منال الموازنة: مَن يجيب عن التساؤلات المشروعة؟

لغز المادة 50 من قانون الموازنة. نعم، بتنا في الالغاز. كيف اصبحت تلك المادة المادة 49، لا بل الاهم، كيف تحوّلت “الاقامة الدائمة” “اقامة موقتة”، ومتى عدّلت هذه المادة؟ والسؤال: اذا جرى تعديل فعلي لهذه المادة، كيف يبقى نصها هو نفسه، ويتم تبديل العنوان فقط؟

في انتظار ان ينشر قانون الموازنة في الجريدة الرسمية، لا بد من القاء الضوء على جملة معطيات رافقت هذا اللغز الشهير.

قصة المادة 50 تبدأ اولاً عبر ورودها في مشروع الموازنة. أتى المشروع من الحكومة الى لجنة المال تحت عنوان واضح: “منح كل عربي او اجنبي يشتري وحدة سكنية في لبنان اقامة دائمة”.

ثانيا، وصلت هذه المادة الى لجنة المال والموازنة. عدّلتها اللجنة لتخفّض اسعار الوحدة السكنية. اذ في مشروع الحكومة، كانت الاسعار كالآتي: “مليار و500 مليون ليرة في مدينة بيروت. و750 مليون ليرة في سائر المناطق”.

اذاً، المادة عُدّلت في لجنة المال، لا بل خفضت الاسعار، اي زادت التسهيلات وبقيت “الاقامة دائمة”.

ثالثا، ثمة مواد اخرى من مشروع الموازنة، ذيّلت بعبارة “مادة معلّقة لبتّها من قبل الهيئة العامة”، (مثل المادة المتعلقة بقيمة الدرجات الاستثنائية لأفراد الهيئة التعليمية)، لكون لجنة المال لم تبتها بل علّقتها، فيما المادة 50 المتعلقة بـ”الاقامة الدائمة”، لم تذيَّل بتلك العبارة، بمعنى انها لم تعلَّق.

هكذا، وصلت المادة 50 الى الهيئة العامة، وفق تقرير لجنة المال، حاملة معها تخفيضا للاسعار. بدأ نقاش مشروع الموازنة. أُقرّت مواده على “حافة” النصاب الدستوري للجلسة العامة التشريعية. وصل النقاش الى المادة 50.

اعترض النائب سامي الجميل، في وقت لم يكمل النائب حكمت ديب اعلان مخاوفه من ان هذه “المادة خطيرة”.

توقف النقاش عند حدّ التباين بين مواقف ترى ان هذه المادة تشجع الاستثمار العقاري وتدرّ اموالا على الخزينة، ومواقف الجميل الذي اعتبر ان هذا الواقع يؤثر سلبا على لبنان، مع وجود مليوني لاجىء سوري.

اما التذرع بأن بلدانا عدة تعتمد هذا النموذج، فانه تذرع غير منطقي، لان اوضاع لبنان الحالية تختلف جذريا عن قبرص واليونان، وطبعا البرتغال.

انتهى النقاش هنا. لم تسمع عبارة “اقامة موقتة”.

بين الدائم والموقت

في النهاية، اقرت الموازنة بـ50 صوتا، وبالمناداة. خرج الجميع. بقي مشروع الموازنة في مجلس النواب، لان وفدا لبنانيا رسميا كان منهمكا بتحضيرات مؤتمر “سيدر” والسفر الى الخارج. في هذه الفترة، “قامت القيامة” على المادة 50، الى ان قيل ان ثمة تعديلا لها. فما صحة هذا التعديل؟ ومتى أُجري؟

اولا، باتت المادة 49 بدل الخمسين، لانه حذفت من مشروع الموازنة، واثناء الهيئة العامة، مادة تتعلق بـ”تعرفة الكهرباء”. من هنا، قصة الرقم. انها عملية حسابية بسيطة لا تستأهل التوقف عندها.

ثانيا، كيف باتت الاقامة موقتة بدل دائمة، وبقي نص المادة كما هو؟ ألا يستحق تعبير “الموقت” شرحا او اقلّه تحديدا لعدد السنوات التي تكون خلالها الاقامة موقتة؟ لا بل العكس، بقي نص المادة كما هو، وبقيت عبارة “ربط الملكية بالاقامة، متى سقطت الملكية تسقط الاقامة”. فاذا، كان القصد ان اضافة هذه العبارة تعني حكماً “اقامة موقتة”، فان هذا الربط غير منطقي، لانه ماذا لو بقيت الملكية، الا تصبح الاقامة دائمة؟ وماذا لو أجّر المالك السوري بيته او باعه لمواطن سوري آخر؟

كلّها اسئلة مشروعة. كلّها مخاوف من حق اللبناني ان يجد اجوبة واضحة عنها. على ارضنا مليونا لاجىء سوري، وفي سوريا يصدر القانون الرقم 10 الذي يدفع السوري، خلال مهلة سريعة (30 يوما)، الى اثبات ملكية اراضيه وإلا خسرها، وسط حديث عن حرق للسجلات العقارية! وفي لبنان، وعلى طاولة مجلس الوزراء اقتراح قانون لتعديل المادة 50 من قانون العمل اللبناني (بهدف توسيع مروحة العمالة الاجنبية)!

كل ذلك، خلال شهر واحد. والا يحق لنا التساؤل؟ والا يحق لنا التساؤل ان بعض الوزراء، وربما عدد من النواب ايضا، لديهم شركات عقارية او مساهمين فيها، وبالتالي مستفيدين من امرار هذا الامر؟!

ان القول انه يمكن الان زيادة بعض العبارات الى المادة الشهيرة، لتخفيف الهواجس مثل عبارات: “لا للتوطين. الاقامة لا تعني الجنسية”. كلها عوامل تزيد صوابية هذه الهواجس وترفع من حجم التساؤلات وخطورتها؟ وبعد التشريع نعود ونفكر بالتعديلات!

ان المسألة ليست في نوعية الاقامة او في توصيفها بل في المبدأ بذاته. لا يجوز الانحراف عن الاساس: لماذا فتح الباب، وفي هذا الوقت بالذات لهكذا انواع من التملك، ولماذا “تسلّل” مادة بهذه الحساسية من داخل مشروع موازنة عامة، وفي خواتيمه ايضا، وليس منفردا كي يأخذ خيزا من النقاش؟

بغض النظر عما اذا كانت الاقامة دائمة او موقتة، وبغض النظر عن مدى صحة تعديل المادة داخل الهيئة العامة او خارجها، فهم في النهاية اعطوا كل متملك عربي واجنبي اقامة في لبنان، فيما يكاد اللبناني ” يحاصر” في شراء منزل.

اهم من كل ذلك، ولئلا يضرب استقرار التشريع في لبنان. اتركوا لنا ثقة ولو واحدة في سلطات هذا البلد. تلك هي القصة للمادة 50 او 49 من الموازنة. لا يهمّ الرقم، بل المضمون. مجددا، ثمة انتظار لصدور الموازنة في الجريدة الرسمية، وثمة ترّقب لموقف رئيس الجمهورية

موقع النهار

المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها