الجمعة ٢٨ آب ٢٠٢٠ - 17:03

المصدر: صوت لبنان

مئة عام بعد مئة عام

في إحتفالنا بالمئوية الإولى لإعلان لبنان الكبير،

نَسترِجعُ ذلك الحلم الذي من أجله ،

ناضل من ناضل من الأولين…. أجداداً في جبل لبنان.

وكانوا أحراراً غير خانعين ، رغم الظروف والأحكام.

بأرضهم ملتصقين، وبإلتصاقهم بها… تراث قداسة وإيمان وحرية.

وهي أرضٌ مقدسةٌ، بتاريخها ومن راودها من صديقين وقديسين وعلماء.

ولبنان الكبير ليس مساحة في الجغرافيا السياسية ،

أو نظام حكمٍ من الأنظمة الدستورية،

بل إنّه وعن حق مساحة رسالية – رسولية في المشرق والمعمورة .

وهو مميزٌ بفكرته التي صقلتها شهادات من إستشهدوا في جبال لبنان طوال قرون وأيام.

والقول هذا ليس شعراً خياليا خاوياً ،

بل مشاعر- حقائق  متوارثة عن الآباء والأجداد،

هم الذين حفروها مع تحويلهم الأراضي الجرداء والصخور العتية الى جنائن غنّاء.

وأكتفوا بما اكتنزوا من تعاليم السماء ،

سائرين على القول المقدس: ” أمّا أنت… فأثبت على ما تعلّمت وأيقنت….وممن تعلّمت”.

وساروا على دروب الصوم والصلاة في الأودية ، ومنها وادي قاديشا ،

حيث عُشاق السماء قد زرعوا الأرض إيماناُ بالرب…. وحباً بلبنان.

فرأينا الولادة مع الحويك الكبير رجل العناية ،

وهو المرفوع مكرماً على دروب القداسة،

وقد شاءت العناية أن أستحصل له على طابع تذكاري من الدولة اللبنانية،

مكلفاً من جمعية راهبات العائلة المقدسة المارونيات التي أسسها.

وبعد الولادة ، كان مخاض الإستقلال محققاً مع ميثاق وطني- منطلق،

لم نعرف أن نحوّله الى ميثاق وطني- هدف،

فأضحى غير مرتكز على أرضٍ صلبة ،

وقد هزّته نكبة فلسطين ١٩،

وتحمّل أوزار نكسة حزيران ١٩٦٧،

وشهد على حروب الكبار والصغار على أرضنا وأجسادنا وأحلامنا.

ورأى لبنان الكبير أبناءه يِقتلون ويَقتلون ويتقاتلون.

وأدمت فؤاده حروب الأخوة وهجرة الشباب والأدمغة.

وحلّت عليه ثقيلةً إحتلالات ووصايات من شرق وغرب.

حتى خرج صوتٌ في العام ٢٠٠٠…. في بيان بكركي…..منادياً !

وكان لحلمه أن يتحقق !

ولكننا مرةً بعد مرة ،

رأينا المسؤولين من بيننا رسلاً ليس على قدر الرسالة… وأكثر.

في لبنان الكبير، نسترجع صور من غابوا وحفروا الأمثولات،

من شارل دباس الأصولي بعلم السياسة،

وحبيب باشا السعد المتمسك بأهدابِ الدستور،

الى أميل أده ذلك القارئ الأحداث بعين الزعامة الثاقبة.

ومن أوغست باشا أديب الى رياض الصلح رائد الميثاق ،

وسامي الصلح الصائب قولاً وفعلاً ،

الى بشاره الخوري خطيب الجمهورية ،

الى كميل شمعون، فتى العروبة الأغر بمعناها الصحيح،

والبطريرك الأمَرّ كما دعاه أحد الساسة الدروز.

هذا الكميل شمعون الراسخ في الوجدان اللبناني،

والذي ننتظر على مثاله من يبني ويُعلي ولا يلين.

ومن فؤاد شهاب ابن كسروان الأبي،

ناسك الرئاسة وزاهد السلطة ورائد المؤسسات،

الذي على مثاله ننتظر حكاماً أوفياء أنقياء.

كما نستذكر الشهود والشهداء كالأمام الصدر والمفتي خالد،

من فُتحت سجلات بكركي للتعازي به… في تجلٍ رائعٍ للبنان الكبير.

الى حميد فرنجية القانوني والسياسي المحترف.

ومن ميشال شيحا أبو الدستور،

الى يوسف السودا الذي تجلّى في كتابه “في سبيل لبنان”.

ومن شارل مالك، المسكوني المسكون بحب لبنان،

الى فؤاد أفرام البستاني موسوعة لبنان والشرق.

ومن سعيد عقل شاعر شعراء العرب،

الى جواد بولس المؤرخ – العالم.

ومن بيار الجميل، مؤسس أكثر الأحزاب تنظيماً،

الى ريمون اده رمز البرلمانية النشطة والنزاهة بمعناها الأصح .

وكثيرون كثيرون…… ممن لا تتسع لهم الصفحات والأقلام.

وللبنان الكبير أمّه سيدة لبنان ،

هي التي تعلو جباله والشطآن….وقديسوه…

وهو موئلٌ لكل مسيحي ومسلم ودرزي،

ولكل طالب حرية وحياة.

في لبنان الكبير أستذكر كبيرين ولدا في ١٩٢٠ معه في عمق جبل لبنان في كسروان،

وأحيي بلدتي ريفون الحبيبة التي أنجبت كبيراً من لبنان،

البطريرك نصرالله الأول الكبير،

كما أنجبت كبيراً لي في عائلتي،

هو والدي زخيا الذي ولد في العام نفسه.

فلروحهما…هذا الذي صنّع في لبنان،

وهذا الذي بنى عائلة على مثال آباء العائلات وأمهاتها…. كل الرحمات.

ولبنان الكبير سيبقى لمئة عام بعد مئة عام.

المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها