فرنسوا ضاهر

الأحد ٢٧ أيلول ٢٠٢٠ - 08:00

المصدر: صوت لبنان

ماذا بعد؟

منذ نشأة لبنان الكبير
في ضوء الصلاحيات الدستورية
التي أعطيت للمسيحيين بدستور 1926
على سبيل الضمانة لكيانهم السياسي
ولخصوصيتهم،
لم تتوقف المنازعات مع شركائهم في الوطن
لغاية تقليص تلك الصلاحيات وتحجيمها،
كما لم يتوقّف الاستقواء بالخارج دعماً للطروحات
التي تقلّص من حجم تلك الصلاحيات.

وقد كان ينتهي كل صدام بين المسلمين والمسيحيين
بمزيد من التنازلات التي كان يرتضيها المسيحيون
لغاية إنقاذ صيغة العيش المشترك فيما بينهم والمسلمين.

حتى جاء دستور الطائف ليكرِّس السلطة الإجرائية
بيد مجلس الوزراء مجتمعاً، فيما كانت بيد رئيس الجمهورية،
وليمنح المسلمين في السلطة المشترعة نصف عدد مقاعد المجلس النيابي ليساويهم بالمسيحيين.

بعدها جاء إتفاق الدوحة سنة 2008، تحت وطأة
سلاح حزب الله، ليكرِّس مجموعة من المصطلحات
الدستورية أدخلها في نظاميّْ عمل مجلس الوزراء
والمجلس النيابي.
ولا سيما، الديمقراطية التوافقية، وحكومات الوفاق الوطني، والثلث المعطل، والأقوى في طائفته يُوَلَّى إحدى الرئاسات الثلاث التي تعود لتلك الطائفة، وتوافر الميثاقية في تأليف الحكومات وفي الأكثريات المقرّرة في المجلس النيابي، وغيرها.

أما بعد التسوية الرئاسية لسنة 2016، ونتائج الإنتخابات النيابية لسنة 2018، بفعل إقرار القانون الإنتخابي الحالي. وبعد أن بسطت قوى 8 آذار سلطتها ونفوذها على السلطتين الدستوريتين الإجرائية والمشترعة،
إنتقل الطرح لإقرار الدولة المدنية، أي لإلغاء الطائفية السياسية، ولجعل القانون الإنتخابي يقوم على النظام النسبي بلبنان دائرة إنتخابية واحدة، خارج القيد الطائفي.

على أن يتمّ في مرحلة إنتقالية، ومن خلال النظام الدستوري القائم، تعطيل عمل السلطة الإجرائية فيه عند الإقتضاء، من خلال حصر وزارة المالية بالطائفة الشيعية، في مقابلة التوقيعين الآخرين اللذين يعودان لرئيس الجمهورية الماروني ولرئيس الحكومة السني.

وإنه، لغاية إحقاق الهدف المتقدّم المرمي اليه، خلال هذه المرحلة الإنتقالية، يؤخذ البلد بناسه على أوضاعه المالية والإقتصادية والنقدية والمصرفية والإجتماعية، ولا سيما بعد تدمير مدينة بيروت ومرفئها، رهينةً، حتى ترتضيَ الطبقةُ الحاكمةُ إقرارَ مثل هذه الممارسة الدستورية، فيتمُّ تحويلَها
الى عرفٍ دستوري.

بحيث يُستخلَصُ مما تقدّم، أن الحكم المركزي لم يعد يحتمل مزيداً من المصطلحات والأعراف والممارسات الدستورية، الواجب مراعاتها، بمعرض سير عمل المؤسسات الدستورية.

لأنها لا تنشىء إستقراراً ولا تبني دولة من جهة،
كما وإنها تبقى عرضةً للتعديل والإسقاط كلما تغيّرت
موازين القوى الطائفية الخارجية، من جهة ثانية.

فضلاً عن أن المسيحيين الذين أُفرغوا تدريجاً من الضمانات الدستورية المعطاة لكيانهم وخصوصيتهم،
لم يعد لديهم أي فائضٍ في تلك الضمانات،
كي يتنازلوا عنه لمصلحة شركائهم في الوطن.

ولا يعالج الأمر، كما تسرّب في الإعلام، بالرهان على رحيلهم عنه. لأنه قبل هذا الرحيل، قد يضطرون الى خوض معركة البقاء، من خلال فرط عقد الحكم المركزي،
والسير بالمطالبة العلنية، وحتى بالعصيان المدني،
لغاية إقرار أوسع نظام لامركزي.

 

المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها