الخميس ١٧ كانون الثاني ٢٠١٩ - 13:13

المصدر: ليبانون ديبايت

مجد لبنان أعطي لبكركي والدفاع عنه للكتائب والجميّل

بدا للمراقبين وكأن البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي من جهة ورئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميّل من جهة مقابلة عن غير تنسيق مسبق بينهما، وعن غير قصد وتعمد، توزعا الأدوار في رسم مشهدية لبنانية مارونية كيانية من خلال الكلمة الإفتتاحية التي ألقاها سيد بكركي والكلمة الأخيرة في اللقاء التي ختم بها رئيس الكتائب النائب سامي الجميل مداخلات الحاضرين من رؤساء الأحزاب والكتل النيابية والنواب والوزراء الموارنة.

فالبطريرك الراعي ذكر المجتمعين في بداية اللقاء بأن لبنان سيحتفل بعد سنة وسبعة أشهر بالذكرى المئوية الأولى لإعلان دولة لبنان الكبير على عهد سلفه البطريرك الياس الحويك، مشددا على ضرورة العمل لاستعادة اللبنانيين عموما والمسيحيين والموارنة خصوصا ثقتهم بالدولة اللبنانية تحت سقف اتفاق الطائف الذي يحافظ على التوازنات اللبنانية ويكرس التعددية من ضمن وحدة الجمهورية اللبنانية.


أما النائب سامي الجميل فبدا في مداخلته وكأنه يرسم خريطة طريق للعناوين التي رسمها البطريرك الراعي مغردا خارج سرب ممثلي التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية وتيار المردة الذي ركزوا في مداخلاتهم على تفاصيل اقتسام السلطة ودور كل منهم وحجمه التمثيلي فيها وإن كانوا قد حاولوا – من دون كثير نجاح وإقناع – تغطية صراعهم بذريعة تحصين التمثيل المسيحي فيها وتثبيت دور المسيحيين في رسم السياسات اللبنانية.

ففي حين ركز ممثلو التيار والمردة والقوات على العوائق التي تعترض تشكيل الحكومة متقاذفين التهم فيما بينهم مكتفين بالتطرق عرضا وعلى سبيل رفع العتب الى وجوب احترام الدستور متناسين عن قصد وتعمد المسألة السيادية المتمثلة بسلاح حزب الله غير الشرعي بهدف إرضاء الحزب وكسب وده للحصول على دعمه والإستقواء به في الحصول على المناصب الرئاسية والوزارية والنيابية، فقد جاءت مداخلة النائب سامي الجميل معبرة عن تاريخ حزب الكتائب ومنسجمة مع سياساته الكيانية التاريخية من خلال التركيز على “الموضوع الأساسي الذي يشكل العائق الأول والأكبر لقيام الدولة، والمتمثل بوجود جيش على أرض لبنان غير الجيش اللبناني”، عانيا بذلك حزب الله الذي “يمارس منذ أكثر من 13 سنة ضغطاً مباشرا على مؤسسات الدولة، فأفشلها وعطّلها وباتت له الكلمة الفصل في كل الخلافات الحاصلة اليوم. فهو فرض ويفرض معادلات سياسية وحسم ويحسم استحقاقات دستورية”.

واستحضر الجميل الدور التاريخي للموارنة في لبنان بقوله: “نحن الموارنة ارتبط نضالنا منذ تأسيس هذه الدولة بالعمل على تحقيق السيادة والاستقلال الكاملين وبمؤسسات تعمل وفقا للدستور، وبديمقراطية لا غبار عليها، وبحرية الإنسان، وهذه هي القيم التي ناضلنا من أجلها مع البطريركية منذ ان أسسنا هذه الدولة”.

ورأى الجميل أن “التسوية التي حصلت منذ ثلاث سنوات كرست مفاهيم مناقضة لتاريخنا وتاريخ قيام الدولة اللبنانية، فانتقلنا من منطق بناء الدولة الى منطق السلطة، وتخلينا عن الدولة ومقوماتها لنكون شركاء في السلطة ونأخذ أكبر حصة ممكنة منها”، معتبرا “أننا بتخلينا عن الدولة في سبيل السلطة أصبحنا من دون دولة، وبتنا عاجزين عن ممارسة السلطة”، مشددا على أنه “لا يمكن ممارسة السلطة بشكل ديمقراطي ومؤسساتي الا في ظل دولة قائمة، واكبر دليل على ذلك ان الوجود المسيحي لم يكن يوماً بهذا الحجم في السلطة، ومع ذلك فنحن أبعد ما يكون عن الدولة”.

وأسهب النائب سامي الجميل في شرح وجهة نظره وسط انتباه لافت أبداه البطريرك الراعي والمطارنة الموارنة الحاضرين، فقال: “لدينا اليوم رئيس جمهورية قوي يمثل أكبر حزب مسيحي في لبنان من حيث عدد النواب، ولدينا خمسون نائباً مسيحياً اضافة الى 15 وزيراً، وعلى الرغم من كل ذلك لم تكن الدولة يوما منهارة كما هي اليوم، والمسيحيون لم يشعروا يوماً باليأس كما يشعرون به اليوم”.

وشدد رئيس الكتائب على “أن بقاء المسيحيين ووجودهم في لبنان مرتبط مباشرة بوجود دولة سيدة حرة، مستقلة، حضارية ومتطورة تتمتع باقتصاد قوي وقضاء مستقل تليق الإنسان”، وقال: ” بعد 15 سنة من التهميش الذي تعرضنا له ككتائب مع القوات والتيار الوطني الحر كنا نعتبر انه فور عودتنا الى السلطة سنعيد إحياء مفهوم الدولة ولكننا للأسف عدنا الى السلطة ولم نتمكن من بناء الدولة”.

وأضاف الجميل: “نواجه اليوم مشكلتين أساسيتين، الأولى تتعلق بالسيادة وضرب القرار الحر للدولة اللبنانية، والثانية تتعلق بالمساواة التي لا يمكن أن تتأمن بين اللبنانيين إذا كان احد الأفرقاء يحمل سلاحاً وهو فوق القانون. فلا يمكن ان نتحدث عن قيام الدولة إذا كان هناك من يقرر عن اللبنانيين في كل الملفات الاستراتيجية، وإذا كان هناك حزب مسلح يمتلك القدرة على التفاوض باسم الدولة ومبادلة الأسرى مع بلدان خارجية أو استعمال السلاح في الداخل والخارج لفرض معادلات سياسية محلية وإقليمية”.

وتوقف الجميل في عرضه عند موضوع “مستقبلنا في هذا البلد كمسيحيين تجاه شركائنا للسنوات الخمسين المقبلة ومفهومنا للعيش المشترك، انطلاقا من المعادلات الديموغرافية والجغرافية ومن موازين القوى المتحركة لوضع رؤية حول كيفية التفاعل مع الآخرين والمحافظة على التعددية في لبنان برسالته التي تحدث عنها قداسة البابا يوحنا بولس الثاني”.
وعرج رئيس الكتائب على جوهر المشكلة الآنية المتعلقة بالعجز عن تشكيل الحكومة بعد ثمانية أشهر على الإنتخابات النيابية، مشددا على أنه “لا يمكن للبنان ان يتخطى المحنة التي يمر بها طالما هناك وصاية على قراره”.

وختم: “إن لم نعترف بوجود هذه الوصاية، فلن نضع الاصبع على الجرح”.

وفي ضوء هذه المناقشات والمواقف، علق أحد السياسيين المخضرمين الذين عايشوا مراحل تاريخية أساسية من عمر لبنان، بعدما تابع عبر وسائل الإعلام تفاصيل المداخلات التي قدمها أقطاب الموارنة في بكركي أمس، بقوله: “إذا كان مجد لبنان قد أعطي لبكركي عن حق وجدارة … فإن مهمة الدفاع عن هذا المجد سياسيا تبدو ملقاة في هذه المرحلة على عاتق الكتائب وسامي الجميل شرط أن يتعظ النائب الشاب من تجارب أسلافه فلا يعير موقعه وموقع حزبه في السلطة الأولوية ويبقي تركيزه على دور حزبه التاريخي النضالي والكياني كما يفعل منذ توليه رئاسة الكتائب”.

المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها