الأثنين ١٨ حزيران ٢٠١٨ - 08:40

المصدر: Arab Economic News

مع ألمانيا أو البرازيل؟

جيد أن يتلهّى اللبنانيون بـ”مونديال 2018″، ويشيحون بوجههم لشهر كامل عن “حرب التغريدات” التي حطمت أصول التعامل الديبلوماسي تحت عنوان معركة حكومة العهد الثانية.

جيد أن يغفل اللبنانيون وجعهم اليومي الذي يبقيهم متكئين في إنتظار حلحلة عقد التشيكلة الحكومية التي تدور حول حصص وحقائب لا حول برنامج يقي لبنان شرّ الإنهيار رغم التحذيرات والمؤشرات الملموسة لمقاربته حافة الإفلاس. ومع كل “شرقة شمس”، لائحة حكومية بالأسماء والحقائب جسّا لنبض كتل سياسية أعاد بعضها تموضعه داخل تركيبة الحكم الأخيرة.

جيد أن يفتح “مونديال روسيا” شهية الإقتصاد اللبناني على حركة منتظرة في مطلع موسم إفتتحته بعض من مهرجانات الصيف قبل وصول السياح. حركة خجولة تحرّك دورة ما بقي من سيولة في جيوب، على أمل تعويض ما يمكن أن يدفق منها من خارج قريب أو بعيد.

شهر كامل سيلهي اللبنانيين عن معاناتهم مع لقمة العيش، وإلتزاماتهم غير القابلة للسداد، وإستحقاقاتهم الواقفة عند باب آخر الشهر… وما أكثرها في زمن العجوز المالية. هي فترة وتعبر بأي ثمن. لكن هل من أمل بحكومة تولد قريبا، وتعيد بعضا من ثقة مفقودة بأداء أهل السلطة؟ وأي برنامج سيتكفل لملمة اليأس الذي حلّ ضيفا ثقيلا على مواطنين ما عادوا يؤمنون بإنفراج يوازي حجم وعود إغدقت في فترة السباق نحو البرلمان؟

يُقال إن التاريخ يعيد نفسه. لكن يبدو أنه لا يستعيد إلا القاسي من المحطات لتكون عبرة لا تجد غالبا مَن يعتبر فتمهد لتكرار المآسي والأخطاء القاتلة، ويهمل مشاهد تسطّر حكايات يستعيدها فقط الباحثون عن هوية إنسانية قلّ وجودها في زمن المصالح والغايات.

نهاية آذار/مارس الماضي، ودّع قصر الرئاسة في تشيلي “قاهرة” الفقر والبطالة والفساد. ميشال باشليت، الرئيسة الـ39 للبلاد والوحيدة التي فازت منذ الـ1932 برئاسة بلادها لمرتين (2006-2010 و2013-2018). كان مؤثرا مشهد مغادرتها القصر، حيث إحتشد آلاف أنقذتهم سياسات تلك الطبيبة التي شغلت خلال حياتها السياسية، منصبي وزيرة الصحة والدفاع.

فقد أنهضت باشليت ذات الميول الإشتراكية، إقتصاد تشيلي على نحو غير مسبوق: قلّصت معدل البطالة من 12% الى 6%، وركّزت على ترميم التعليم والصحة لإيمانها بأن البلد السليم هو في مجتمع سليم صحيا وتعليميا. والأهم، نجاحها  في القضاء على الفساد الإداري والمالي في حكومتها، لتخرج رئيسة خاوية اليدين لا تملك سوى شقة بغرفة واحدة مع دراجة! وهي بذلك تتساوى مع قلة من نماذج رئاسية يفخر ناشطو التواصل الإجتماعي في تناقل صورهم وأخبارهم.

يُقال إن شعبية باشليت تراجعت في آخر عامين حين تراجع مستوى النمو تحت وطأة الركود الذي يلّف العالم. ورغم ذلك، لا يزال النظام الإقتصادي لتشيلي يعتبر من أكثر الأنظمة أماناً وإنتاجاً وتنافسية في أميركا الجنوبية، وهو يقوم على نظام الإقتصاد المختلط أو نظام الشراكة بين المؤسسات الخاصة والحكومية. وقد صنّفه البنك الدولي على أنّه إقتصاد عالي الدخل، ويحتل وفق تقرير “التنافسية العالمية” المركز الـ30 على مستوى العالم، فضلاً عن أنّ تشيلي هي أول دولة عضو في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بين دول أميركا اللاتينية.

رغم كل تلك الميزات التي لا تزال تحتفظ بها تشيلي، حاسب المجتمع رئيسته “القاهرة” على تراجع خجول في إقتصاد يخضع للكثير من المؤثرات. الشعبية هي مؤشر تقيس به الدول المتحضرة حجم المساءلة التي تبقي المسؤول متنبها لما تفترضه أصول إدارة الشأن العام.

هل لمؤشر الشعبية قابلية للتطبيق في لبنان؟
إجابة أوجزتها بصورة صارخة، آخر دورة إنتخابات نيابية. لا محاسبة وقت الحساب، ولا مساءلة عن سوء أوضاع أو عن تدهور يومي، بل مبايعة “عَ العمياني” تعكس حجم التبعية للزعيم والطائفة…

في لبنان أزمة، إن أقرّ مسبّبوها أو حاولوا التغاضي عنها. معدل النمو لن يتجاوز سقف الـ1.5%، وهذا يعني أن حجم الإقتصاد باق على مقياس لا يسمح له بإطعام وخدمة وتعليم وتطبيب اللبنانيين وضيوفهم من اللاجئين. إقتصاد الـ3 ملايين لن يتسع بسحر ساحر ليكفي الـ5 ملايين. “سيدر” وحده عاجز عن الإنقاذ بلا إصلاحات حقيقية قادرة على إحداث إنحراف إيجابي في مسار الأداء.

شعبية الحكومات في لبنان إلى تراجع بدليل أن اللبنانيين غير آبهين لولادة حكومة يخضع طبخها لمناحرات سياسية معطلة. فهم لا يؤمنون بأنها ستحدث فارقا في الأحوال الإجتماعية والمعيشية، ما دامت الوجوه هي عينها، تتنقل ما بين مجلس ومجلس، ما بين نائب يُفترض أن يُراقِب ووزير يُفترض أن يُراقَب. خلطة فريدة لن توّلد الفرج المرتقب. لذا، ترجم اللبنانيون تراجع “شعبية الحكومات” بالإنصراف نحو روسيا، علّ المشاهدات اليومية لحركة كرة تعوّض ما سيفوتهم من تتبع لحركة كرة سياسية مكتوب لها بحسب عنوانها، أنها ستكمل المسار الإنحداري عينه.

“هل ستولد الحكومة قريبا؟”. سؤال إستُبدل في موسم المونديال بآخر “هل أنت مع ألمانيا أو البرازيل؟”.

المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها