الثلاثاء ٣ كانون الأول ٢٠١٩ - 09:40

المصدر: اللواء

من أوهام التحرير إلى أحلام حماية الثغور

إستقال رئيس الحكومة العراقية عادل عبد المهدي بالرغم من المحاولات الإيرانية لتثبيت الحكومة التي صاغتها طهران بعد الإنتخابات النيابية الأخيرة، وبالرغم من الزيارة التي قام بها رئيس الجمهورية الإيراني حسن روحاني الى بغداد قبل أيام. سقطت الحكومة على وقع المظاهرات الصاخبة، في المحافظات الشيعية جنوب ووسط العراق، التي ازدادت إصراراً مع ارتفاع حدّة القمع وسقوط العديد من الشهداء.
لم تقوَ المعالجات الإيرانية على إخفاء الإنقسام الكبير الذي يعانيه البيت الشيعي في العراق. يعبّر إحراق القنصلية الإيرانية في محافظة النجف للمرة الثانية بالأمس ورفع العلم العراقي عليها، وإصرار المحتجين على حرق جزء من مرقد زعيم المجلس الإسلامي الأعلى الأسبق محمد باقر الحكيم ، بالرغم من وصول قاسم سليماني الى العراق، عن إصرارٍ على إزالة رموز التسلط الإيراني على البلاد بما يشكّل متغيّراً ميدانياً لا يمكن إلا البناء عليه.
إنضمام المرجعية الدينية الشيعية آية الله السيستاني لصفوف المتظاهرين في المحافظات الجنوبية الحاضنة لطهران، وموقف مقتدى الصدر الذي اعتبر الحراك فرصة عظيمة لتجديد الوجوه، والتنازل الصريح لكتلة سائرون، عن تسميّة رئيس الحكومة المقبل العراقي لصالح المتظاهرين تحت شعار «أنّ الشعب هو الكتلة الأكبر وأنّ مرشح الشعب هو خيارنا وعلى رئيس الجمهورية مراعاة ذلك»، هو أكثر من إعلان لسقوط معادلة النجف – طهران – واشنطن لصالح معادلة جديدة هي مرجعية النجف المتلاحمة مع الحراك الذي أصبح الفاعل الأساسي الذي سيكون له تأثير في اختيار رئيس الحكومة المقبل. هذا بالإضافة الى مباشرة فريق من المحامين الدوليين والعراقيين الإجراءات القضائية، وتوجيه تهمة القتل لعدد من المسؤولين السياسيين والأمنيين المسؤولين عن سقوط عدد كبير من الشهداء في صفوف المتظاهرين تحت شعار أنّ الإستقالة لا يمكن أن تعفي القيادات من المسؤولية.
يسجّل للثوار العراقيين نجاحاتهم الكبيرة بالرغم من دموية الإجراءات الحكومية، ويُسجّل للمرجعية الدينية في النجف التماهي مع الثوار بالرغم من وقوعها في دائرة التأثير الأقرب لنفوذ طهران. قيادة الحراك التي تحوز رضى ومباركة المرجعية الدينية تبدو جادة في تقديم مقاربة كاملة للعملية السياسية تتضمن مشروعاً لتغيير المنهج الطائفي، وفي تأكيد الحرص على العلاقات مع إيران على أساس الإحترام الكامل للسيادة العراقية، وفي إسقاط وهم القادة الإيرانيين، ومن بينهم قاسم سليماني، بأنّ العراق كعمق إستراتيجي للدفاع عن إيران لا يمكن تحقيقه من خلال خلق أحزاب وشخصيات موالية لطهران.
يدخل العراق تدريجياً  مرحلة التحرّر من عباءة الولي الفقيه التي امتدت الى شواطيء المتوسط وتتنشق بغداد درّة عمامته رياح الحرية على وقع هتافات المتمرد ين في ساحة التحرير. وبصرف النظر عن سرعة نجاح الثوار في تسميّة رئيس الوزراء الجديد وإحراز تقدّم ملموس في رؤيتهم السياسية أو الدخول في مرحلة من الفراغ أو المراوحة، فانّ ما يجري يؤذن بسقوط المنهج الذي دأبت عليه أحزاب الإسلام السياسي بشقيّه السني والشيعي ويؤسّس لبداية استعادة الثورة وانكفائها نحو الداخل.
يؤشّر فراغ السلطة  في بيروت وبغداد الى تقارب وتفاعل بين المشهدين. يستدعي التحوّل العراقي من المراهنين على طهران ومن المتضررين منها على السواء إجراء قراءة جديدة للإقليم، من اليمن الى بيروت مروراً بسوريا، واستطلاع الأدوار الجديدة مع الوهن المرتقب لمركز القرار. فمع انقلاب ميزان القوى في بغداد يصبح من الواقعية السياسية بمكان التساؤل عن مدى قدرة مشروع ولاية الفقيه في لبنان على الحياة بأدواته وتحالفاته المحلية، وفي الوقت عينه عن قدرته على الإستمرار في فرض تشكيل السلطة بالإستناد الى تحالفات أقلويّة محليّة لن يبقَ أمامها سوى مبادلة أوهام التحرير بأحلام حماية الثغور على المتوسط.

المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها