الثلاثاء ١٤ نيسان ٢٠٢٠ - 08:23

المصدر: Arab Economic News

من عب المواطن إلى جيبة الدولة

بدءا من هذا الأسبوع، بدأت دول، ومنها “الأكثر تضررا” من تفشي فيروس “كورونا”، بتخفيف إجراءات العزل الاقتصادي وبرفع تدريجي للقيود المرتبطة بالأزمة المستجدة، في موقف أثار تحذير منظمة الصحة العالمية رغم إنخفاض معدل الوفيات. وهكذا، تستعد إسبانيا وألمانيا ولاحقا إيطاليا والولايات المتحدة لعودة “على مراحل” إلى حياة أكثر طبيعية في حال “استقرت” أرقام الإصابات الجديدة “عند مستوى منخفض”، وفي حال “تم الحفاظ على تدابير النظافة الصحية”.

على خط مواز، تواصل الحكومات بذل أقصى الجهود لترميم الفجوة الإقتصادية التي تسببت بها “كورونا” عبر حزم تحفيز مالية بحثا عن رافعات تدعم بها “فرص العمل” التي تبدّدت نتيجة إقفال المصانع والشركات. وطال التهديد نحو 200 مليون وظيفة حول العالم، فيما لامست تأثيرات العزل نحو 2.7 مليار عامل أي ما يوازي 81% من القوى العاملة، بينهم نحو 1.2 مليار عامل في القطاعات الفندقية والغذائية والتصنيع والبيع بالتجزئة. فالولايات المتحدة رصدت 2 تريليون دولار قابلة لزيادة إضافية قد تستوجبها الأزمة المستجدة على أقوى إقتصاد في العالم. أما مجموعة العشرين فقرّرت ضخّ 5 تريليون دولار لاحتواء مضاعفات كبّدت شركات العالم نحو 12 تريليون دولار. وبعد فشل وزراء المال في تلبية طلب ضخّ نحو 1.5 تريليون يورو، وافقت المفوضية الأوروبية على دعم بنصف تريليون يورو. هي أرقام تضاف إلى ما رصدته الحكومات لتخفيف وطأة إنكماش الإقتصاد العالمي بنحو 3% لهذا العام.

بدءا من هذا الأسبوع، يدخل لبنان نفقا من النقاش بعد جدل غير مبرّر، لترميم صورة الحكومة التي اهتزت أخيرا على وقع تسريب “مسودة” خطة الإنقاذ التي أثارت فيها إقتراحات المستشار المالي “لازارد” تحفظات سياسية وشعبية رافضة، وتحديدا لآلية “الهيركات” بنسبة 50% على الودائع، بغية قفل الفجوة المالية التي قدرتها الخطة بنحو 83 مليار دولار، رغم أن ثمة خبراء يتحدثون عن ملامستها الـ63 مليار دولار.

فالخطة التي قيل فيها الكثير، لم تحترم توقعات المجتمع المحلي والدولي. إذ لم تستهدف حلّ المعضلة، بل إقترحت الحلول دون المعالجات الكفيلة بقطع دابر توالد الأزمات. كذلك، لم تحدد إنطلاقة الإصلاح وكيفية تمويل الإقتصاد  من الخارج ليكون مجديا، لأن إستهداف الداخل وإعتباره مصدرا ماليا سيغيّب الـFresh Money، إذ سينتقل المال حينها “من عبّ المواطن إلى جيبة الدولة”.

بكل بساطة، تغاضت الخطة عن سلسلة بنود كان يؤمل من “حكومة الإختصاصيين” ألا تغفلها. فلا إصلاح لقطاع الكهرباء رغم أنه البند الأول في لائحة المطالب بسبب الخسائر التي تكبّدها لبنان على مرّ الأعوام وقاربت نحو 46 مليار دولار.

كذلك، لم تلحظ الخطة كيفية توفير فرص عمل جديدة حفاظا على القدرات الشرائية التي إنخفضت بما بين 40% إلى 50%، بسبب تراجع سعر الليرة أمام الدولار وأيضا بسبب موجة الإقفالات التي أطاحت بنحو 1600 مؤسسة في الفصل الأول وطالت نحو 129 ألف موظف كانوا يساهمون في تحريك الدورة الإقتصادية. وبهذا، تكون خطة لبنان خالفت التوجه العالمي الذي دفع الحكومات ونتيجة تداعيات “كورونا”، إلى إنقاذ الأرواح أولا وفرص العمل ثانيا. علما أن دخول أكثر من دولة (إسبانيا وإلمانيا وفرنسا ولاحقا إيطاليا والولايات المتحدة) مرحلة كسر العزل جزئيا بدءا من هذا الأسبوع وقبل التأكد من إحتواء إنتشار الفيروس، يؤكد حرصها على الترابط ما بين حلقتي الإنتاج والإستهلاك.

الخطة الخالية من أي توقعات رقمية واقعية للناتج المحلي الإجمالي ولميزان المدفوعات ولتدفق الأموال من الخارج (!)، اكتفت ومن دون آلية، بإسترداد الأموال المنهوبة التي يقدّرها وزير المال غازي وزني بنحو 4 مليارات دولار فقط، بينما نهبت “الأملاك البحرية” وحدها نحو 27 مليار دولار. أكان صحيا البدء بتغيير هوية النظام الإقتصادي الحرّ للبنان وبإعادة هيكلة القطاع المصرفي ومصرف لبنان؟ وما موقف الحكومة من “خيبة أمل” المصارف حيال المقاربة الحكومية لعملية الإصلاح، “وخصوصا لجهة التوجه إلى اعتماد استراتيجية قوامها تحميل القطاع المصرفي مسؤولية الأزمة المالية، وبالتالي فرض العبء المالي لحل المشكلة المالية على المودعين”. وهو موقف عبّرت عنه المصارف في رسالة وجهها الاستشاري الأميركي “هوليكان لوكي” تعقيبا على المسودة.

ملامح الخطة “التي وُلدت ميتة” وفق أهلها، أي واضعيها الذين ركبوا موجة رفضها فانقلبوا عليها، أثارت واشنطن ودفعتها للدخول على خط الأزمة التي ستتفشى، سواء إنحسرت “كورونا” أم طالت إقامتها في لبنان. وما كلام مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى ديفيد شينكر الذي تسرّب قبل أيام، إلا أفضل مؤشر لمَن يرغب في الإتعاظ من الرسائل الواردة..

صحيح أن واشنطن تدعم جهود الحكومة في المسار الإصلاحي، يقول شينكر، “لكننا لن ندعم خطة الإنقاذ إلا إذا كان لبنان ملتزما بتطبيقها. فنحن نتطلع لأن تثبت هذه الحكومة إلتزامها بالإصلاح ومحاربة الفساد، وليس فقط من خلال التخطيط للإصلاحات، إنما بتنفيذها”. وأكثر من ذلك، أكد أن موافقة بلاده على أي طلب لبناني لبرنامج من مؤسسة مالية دولية، بالتزام حقيقي بالإصلاح، “لكن بما يتعلق بعملية الإنقاذ، نعتقد أن لبنان سينتهي على الأرجح في المكان عينه الذي هو فيه الآن، إن لم يقم بإجراءات جدية”.

كيف تدير الحكومة أزمة البلاد المزدوجة؟ وكيف تسعى للإنقاذ إن كانت إصلاحاتها تقضي على القطاع المصرفي، “بيت التمويل” الأساسي للإنقاذ قبل معالجة مكامن الهدر والفساد؟

طُرحت “مسودة” الخطة لقياس مدى قابليتها في الشارع اللبناني. لكن بعد موجة الرفض، ستكون قيد الدرس في كواليس المستشارين من أجل تعديلات يؤمل في أن تحمل ضمانات يتطلبها إسترجاع الثقة المحلية والخارجية، سواء أكانت عبر استنساخ تجربة اليونان او عبر صندوق سيادي يستضيف ممتلكات الدولة مع إطلاق يد الشراكة بين القطاعين العام والخاص. والأهم، ان تدرك الحكومة ومستشاريها أن الإنقاذ لن يكون خارج المجتمع الدولي وأمواله، لأن “الهيركات” لن ينقل أموال المودعين إلا إلى جيبة الدولة مجددا!

المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها